طوال الوقت هناك الكثير من الخيارات حتى إذا كانت النقطة التي تقف فيها حاليًا هي نقطة اضطرارية، لا تملك فيها أو من أجل تغييرها أي خيار، لكن يجب إدراك أنك قد وصلت إلى هنا، نتيجة اختياراتك السابقة. لا شيء يحدث مُصادفة، أؤمن بهذا، لا شيء يحدث دون هدف أو مغزى، ولا شيء يمرّ عليك دون أن يترك فيك معنى، أو يُغير فيك آخر، مهما بدا ما يحدث بسيطًا، مهما بدا ليس عميقًا ولا مُتجذرًا في المعنى بالقدر الكافي، لكنه رغم هذا يترك فيك شيئًا أو يأخذ منك شيئًا، يُعطيك معنى أو يُجبرك على تهديل معنى آخر، كنت تصدق فيه في السابق.
ما علاقة هذا بالاختيارات؟
الاختيارات هي ببساطة التي تجعل الأشياء تحدث، إذا تزوجتِ هذا الرجل فسوف يقودكِ هذا إلى مجموعة من الأحداث. إذا قبلتِ فرصة العمل هذه أو رفضتِ فرصة العمل تلك، فسوف يقودِك هذا إلى مجموعة من النتائج والأحداث، وهكذا إذا قررتِ السفر أو تكملة دراستك.. وغيرها من القرارات اللا نهائية.
الاختيارات ليست صفحة مُنفردة من حياتك، القرارات هي التي تخلق الأحداث، وتختار لكِ الشخصيات التي ستتعاملين معها، وقد تُجبركِ الأحداث والشخصيات التي تتعرضين لها أو تتعاملين معها على أن تكوني نسخة أخرى، غير التي كُنتيها قبل دخول هذه التجربة، أو المرور بهذا الموقف أو الأزمة.
كن أفضل نسخة من نفسك
كثيرًا ما يتردد قول كن أفضل نسخة من نفسك. إذا تأملت هذا القول قليلاً في ضوء ما سبق، فستجد أن الخيارات المُتعددة التي تضعها الحياة أمامنا، لديها القدرة أن تصنع منّا نسخًا مُتعددة، إذا قررتِ الزواج الآن فستكوني نسخة، إذا تركتِ الزواج في الوقت الحالي وقررتِ العمل فستكوني نسخة أخرى، إذا تركتِ الزواج والعمل وقررتِ الدراسة أو السفر فستكونين نسخة ثالثة.
الفكرة أنكِ أنتِ نفس الشخص، الذي يقف أمام الأبواب الثلاثة، مُنتظرًا أن يأخذ القرار المُناسب، ويطرق أيها، لكنكِ بعد الاختيار عليكِ تخيل نفسكِ انقسمتِ إلى ثلاث شخصيات، كل منها قد سلكت طريقًا من الطرق الاختيارية الثلاث، لن تكون أبدًا النسخة التي قررت الزواج بعد خوضها للتجربة، هي نفسها النسخة التي قررت العمل، ولن تكون النسخة التي قررت العمل هي نفسها النسخة التي قررت السفر أو الدراسة.
أي الخيارات سيجعلكِ أنتِ؟
كل منها أصبح شخصًا مُختلفًا تمامًا، رغم كونهم في بداية الطريق كانوا شخصًا واحدًا، هو أنتِ، لن نقول أيهم الأسعد أو الأتعس، يبدو هذا ساذجًا على أي حال، فكل خيار يحمل معه أسباب سعادته، وأسباب تعاسته على حد سواء، وجميعهم مُتساوون في ذلك، لن نُقارن من حيث الأفضلية، فجميعهم رُبما أفضل بشكل ما، في زاوية ما، وجميعهم رُبما أسوأ بشكل ما، في زاوية ما. لكن الفكرة التي يُمكننا أن نُفاضل على أساسها، هي أي هذه الخيارات سيجعلكِ أنتِ؟ أيُها سيُقربكِ من نفسكِ؟ أيُها سيجعلكِ تتعرفين عليها عندما تنظرين إليها في المرآة؟ دون أن تفزعين وتشعرين أنكِ أمام شخص آخر.
أسوأ نسخة منكِ
نعم، بعض الخيارات تُنتج أسوأ نسخة منكِ، وأسوأ نسخة منكِ رُبما لا تكون بالضرورة هي النسخة الأتعس، ولكنها النسخة التي تشعرين فيها بالاغتراب والبعد عن ذاتكِ، هي النسخة التي تقفين وتنظرين إلى مُلابسات حياتها لتجدين أنكِ تائهة، لا تعرفين كيف أتيتِ إلى هنا، وما هي خطتكِ للغد على وجه التحديد. تعيشين وتفعلين المطلوب منكِ لكنكِ تشعرين بعدم الانتماء، بالغربة والظمأ وتحتاجين إلى الكثير والكثير من الارتواء، وهذا الارتواء ليس إلا العودة إلى نفسكِ.
الخطيئة في حق نفسِك
يقولون إننا هنا في الدنيا، لنتعرف إلى أنفسنا، وأن من تعرّف إلى نفسه استطاع أن يتعرّف إلى ربه، ومن ثم استطاع عبادته. ووفقًا لهذا المعنى فإن اغترابِك عن نفسِك وبُعدِك عنها، هو خطيئة كُبرى، تُهدد معنى وجودِك من أساسه، وإذا فقدتِ المعنى فقدتِ البوصلة، وصار الدرب مُظلمًا، دون وجود ضوء في نهاية النفق. صارت الأيام تُشبه بعضها بعضًا، تمّر، فقط تمّر، دون أن تُطور فيكِ شيئًا أو تأخذِك لآفاق مُختلفة تنتمين إليها، ويُضنيكِ البُعد عنها. لن يكون الأمر سهلاً على الإطلاق، فهم يقولون أيضًا -وأراهم مُحقين- إن أكثر الطرق مشقة هو الطريق الذي تسير فيه عائدًا إلى نفسك.
ماذا لو وجدتِ نفسِك حائرة بين خيارات مُتعددة؟
وبعد كل شيء.. عليكِ دومًا سؤال نفسِك، عندما تجدين نفسِك حائرة بين أبواب مُختلفة وخيارات مُتعددة: أي هذه الخيارات سيُقربكِ إلى ذاتِك؟ أيُها سيُنير لكِ زوايا بداخلك، تسعين إلى التعرف إليها؟ أيُها سيجعلك أفضل نسخة منكِ؟ فخياراتنا هي التي تصنعنا، ليست فقط تجعلنا أتعس أو أسعد، هي حرفيًا تصنعنا، فتجنبي الخيارات المُغرية التي لم تختبريها جيدًا، فهي بها سم قاتل.