كيف تُفَسد المدرسة عقل طفلك

1260

المدرسة هي المحيط الاجتماعي الأول بعد الأسرة الذي يكتسب منه الطفل المعرفة والخبرات الحياتية المختلفة، من خلال عمليتي التعليم والتعلم، ومع الطفرة التكنولوجية التي تشهدها المدارس، أصبح أمام الطفل الكثير لتعلمه واستيعابه، والذي أثَّر بشكل كبير على تفكيره وسلوكه، التأثير الذي لا يتوقف عند الجوانب الأكاديمية فقط، ولكنه يمتد ليشمل الجوانب الثقافية والاجتماعية والأخلاقية، الأمر الذي يجعل الآباء في حالة سعي دائم لاختيار المدارس الأفضل تعليميًا وتربويًا لأبنائهم لضمان حياة أفضل لهم.

 

لكن هل طرأ على بالك من قبل أن المدرسة ليست المنظومة المثالية التي يمكن أن ترسل أطفالك إليها وأنت مطمئن؟ في هذا التقرير نحاول رصد بعض الصفات السلبية التي يكتسبها الطفل من محيطه المدرسي.

 

ما الذي يجعل المدرسة بيئة لاكْتساب الصفات السيئة؟

التأثير الأخلاقي

المدرسة تؤثر على مستوى القيم والأخلاق لدى الطفل، فقيم كالمشاركة والتعاون تتراجع أمام المناخ التنافسي الذي تشيعه المدرسة، والذي يدعم مفهوم “الأنا” داخل الطفل، أفكار مثل “الأول على الصف هو الأفضل” و”يجب أن تصبح الأول” تخلق حالة غير صحية من التنافس، خصوصًا في المراحل التعليمية المبكرة التي يكتشف فيها الطفل العالم من حوله، ويُكوِّن رؤيته الأخلاقية والقيمية، فيترسخ لديه مفهوم الذاتية بالشكل السلبي.

 

فأنظمة التعليم الحديثة تعلم الأطفال أن يفكروا في أنفسهم فقط، فهي توجه الأطفال إلى الاعتقاد بأن الشيء الوحيد المهم هو الإنجازات على المستوى الشخصي، “الأهم هو نتيجتي ودرجاتي وأن أصبح الأول”، في المقابل تتراجع لديه مفاهيم مثل العمل الجماعي والمسؤولية الاجتماعية تجاه مجتمعه الصغير وهو المدرسة، ثم تتسع الفكرة لتشمل مجتمعه الأكبر خارج أسوار المدرسة، ليترسخ لديه مفاهيم مثل الأنانية وحب الذات.

 

قتل الإبداع

إن هدف التعليم هو النهوض بالمعرفة ونشرها، وقد أتاحت التكنولوجيا الحديثة فرصة كبيرة للحصول على معلومات متنوعة وكثيرة حول الموضوعات المختلفة، إلا أنه على الرغم من الوفرة المعلوماتية الكبيرة، فالمدرسة لا تهتم بتنمية التفكير النقدي لدى الطفل في التعاطي مع هذا الكم من المعلومات والخبرات الإنسانية المختلفة، فالمدرسة لا تسعى إلى تحليل المعلومات، بل إلى تَعَلُمها فقط، إلى اختبار الطالب في قدرته على تذكر هذا الكم من المعلومات، وليس على مدى المعرفة التي حصل عليها واستفاد منها، فتتحول العملية التعليمية إلى قياس الكم وليس الكيف، ويتم التركيز على التذكر وليس الإبداع، فالمدرسة تريد الإجابات الصحيحة وليس الإجابات المبتكرة، الأمر الذي يعمل على الحد من خيال الطفل ويقتل الإبداع.

 

المدرسة ليست المكان المناسب للتجريب والاكتشاف

الطفل بطبيعته فضولي يسعى إلى طرح الكثير من الأسئلة واكتشاف الإجابات ورصدها بنفسه، من خلال التفاعل مع العالم من حوله، فبدون أي تعليم رسمي من المدرسة، قام بأحد المهام الأكثر تعقيدًا، لقد حل لغز اللغة، واكتشفها، اكتشف كيف تعمل وتعلم كيفية استخدامها وطَوَّر نموذجه الخاص لقواعد اللغة، إلا أن حاله الاكتشاف والتجريب هذه لا يتم دعمها من خلال الأنظمة التعليمية التقليدية، ففي المدرسة -المرتبطة بمناهج محددة لا بد من تطبيقها في جدول زمني محدد- لا مجال لطرح الكثير من الأسئلة، ومع الوقت يكتشف الطفل أن المدرسة ليست المكان المناسب لإرضاء فضوله فيَكُف عن طرح الأسئلة ويفقد جزءًا من طبيعته.

 

لا مجال للعناية بالموهوبين

الموهبة هي استعداد فطري، وبحسب تعريف أصحاب المدرسة الحديثة في التربية، من أمثال “باسو” و”ويتي”، فالشخص الموهوب هو الذي يظهر أداءً عقليًا متميزًا في أحد المعايير التي تمثل السمات العقلية والشخصية، كالقدرة العقلية العالية أو القدرات القيادية أو التفكير الابتكاري أو الاستعداد الأكاديمي أو المهارات الحركية، واستنادًا إلى هذا التعريف، فإن لكل طفل موهبته وقدراته الخاصة به، والتي تحتاج إلى مهارات معينة لتطويرها وتنميتها، على خلاف ذلك نجد أن المدرسة لا تُعير اهتمامًا للقدرات الفردية لكل طفل، والتي سرعان ما تختفي تدريجيًا تحت عبء المناهج المدرسية، التي تفتقر إلى المرونة وتُحوِّل الأطفال الصغار إلى موسوعات متنقلة لا تعي ما تدرسه، متجاهله نقاط القوة والموهبة لكل طفل.

 

كيف نتغلب على هذا القصور؟

لقد أنتج التعليم عددًا هائلاً من الأشخاص القادرين على القراءة، ولكنهم غير قادرين على تمييز ما يستحق القراءة، لا أتذكر صاحب المقولة إلا أنني أُصدقها بشدة، فالمدرسة ساعدت على نشر القراءة والكتابة، ولكنها لم تساهم في نشر المعرفة الحقيقية، فالكثير يمتلك الكتب ولكنهم لا يمتلكون المعلومة. هنا يكمن دور الآباء الحقيقي في مساعدة أبنائهم على إدراك قيمة المعرفة، وإيجاد بدائل تساعد الطفل.

 

التعليم المنزلي

لعل البعض وجد البدائل في التعليم المنزلي، إلا أن تجارب تطبيقه ما زالت محدودة، خصوصًا مع غياب الشهادات المعتمدة التي تؤكد اجتياز الطالب للمرحلة الدراسية، ولتجنب ذلك من الممكن الاستفادة من مميزات التعليم المنزلي إلى جانب إلحاق الطفل بالتعليم المدرسي.

 

العمل الجماعي

من المهم جدًا دعم قيمة العمل الجماعي لدى الأطفال، فالعمل ضمن فريق يُساعد الطفل على التخلص من الأنانية وحب النفس بالشكل السلبي، وينمي شخصيته من خلال الاستناد إلى نقاط القوة لدى بعضهم البعض، والتغلب على نقاط الضعف الفردية معًا، وفي إطار ذلك لا بد من مساعدة الطفل على بناء نسق أخلاقي وقيمي، خصوصًا في المواقف التي تتطلب أن يُحَكِّم فيها ضميره ويُصدر أحكامه الخاصة.

 

البحث والمناقشة

لماذا لا تستغل الأُسر هذا الانفتاح المعلوماتي وقدرة الأطفال على التعامل بشكل سهل وسلس مع التكنولوجيا الحديثة، في دفعهم للبحث عن المعلومة، وعدم التوقف عند ما تقدمه المدرسة فقط؟ فكرة البحث فيما وراء المعلومة فكرة سَتُثرى حصيلة الطفل المعرفية، وستنمي حب الاستطلاع لديه، كما أن مناقشته فيما توصل إليه من معلومات ستنمي التفكير النقدي لديه وتزيد من ثقته في نفسه.

 

ويبقى أن نقول إن الهدف من العرض السابق ليس هدم المؤسسة المدرسية، والتي تعتبر أحد أهم المؤسسات التعليمية التي لا غنى عنها، لكن لا بد من طرح بدائل تساعد على دعم الدور الإيجابي للمدرسة، والتي سينعكس إصلاحها على المجتمع ككل. لذلك لا بد من إعارتها المزيد من الاهتمام ومراجعة ما بها من قصور، سواء بمساعدة الدولة أو عن طريق المبادرات الشخصية من الأهل.

مصادر:

كتاب “الموهبة والتفوق العقلي” للدكتور أحمد سعيد

https://soapboxie.com/social-issues/Our-Educational-System-Is-Destroying-Creativity

المقالة السابقةهل يجب أن تحققي كل ما تحلمين به؟
المقالة القادمةنوبات القلق والذعر.. مشاعر خلقت فيَّ الجحيم
أمل طه
صحفية وكاتبة مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا