الحاجة التاسعة: بين الاستقلالية والاعتمادية

727

“أنا مش هقولك إني مقدرش أعيش من غيرك، أنا أقدر أعيش من غيرك، بس أنا مش عايزة”.*

الجملة دي بتمثّل العلاقة المثالية اللي قايمة على استقرار كل طرف ورغبته في البقاء مع النص التاني لمجرد رغبته في كده، مش لأنه معتمد عليه في حياته العملية. 

 

الاعتمادية قاتلة للعلاقات، سواء كانت عاطفية أو مادية، وغالبًا ما بتخلي كل طرف في العلاقة عنده قصور شديد في أكتر من جزء، مع الوقت العلاقة بين الطرفين بتبقى قائمة على المصلحة والسيطرة، حتى لو رفضنا الاعتراف بده. إزاي يبقى فيه حب عايش ومستمر في شكل علاقة سويّة، وفيه طرف أسير عند الطرف التاني، ميقدرش يسيبه لأنه مينفعش يسيبه، مش لأنه مش عايز يسيبه. الاعتمادية كمان بتخلق واحد خايف من التاني، أو من اللي هيحصله لو التاني ده مبقاش موجود في حياته لأي سبب، حتى لو لسفر لمدة كام يوم، الحياة بتقف، مش من الشوق واللهفة على الحبيب، لكنها بتقف لأن اللي كان ممشيها مش موجود.

 

الشكوى والكلام عن توابع الاعتمادية في العلاقة الزوجية بدأ يظهر بشدّة مؤخرًا، فالستات بتشتكي إنها مش عارفة تخرج أو تتفسح أو ترتاح أو تنام، والزوج بيشتكي إنه اتحول لمجرد ATM مادية ونفسية بيتسحب منها فلوس وبيتم إيداع المشاكل والشكاوى فيها. المثال ده بيوضّح ازاي إن الشخص اللي بيعتمد على الآخر بيحس إنه ضعيف ومحبوس، أما الشخص المعتمد عليه بيحس بأعباء زايدة وضغوط وإنه اتحول لمجرد شيء لتلبية طلبات الطرف التاني. وساعتها، كل طرف غصب عنه بيزيد في ضغطه على الطرف التاني، وكل واحد فيهم بيتحول لضحية وجاني في نفس الوقت. والحياة الزوجية بمرور الوقت بتتحول لمناطق فرض نفوذ، وبتبقى غالبًا تجسيد للمثل المصري “يغلبك بالمال، اغلبيه بالعيال”، كتمثيل للمعركة الدايرة لمن له الحق في السيطرة، ولو هو مسيطر عليكي عشان هو العائل المادي الوحيد، سيطري عليه بكترة العيال، وإن العيال في صفك وإنتي اللي عارفة مفاتيحهم.

 

كمثال توضيحي للحالة دي، ستات كتيرة لما بتتجوز بتسيب شغلها وتنعزل اجتماعيًا وبتستغنى عن مصدر دخلها، وممكن كمان تبعد عن هواياتها اللي كانت بتحب تعملها قبل الزواج، ده بدوره بينقل كل اهتماماتها للبيت وبالأخص لجوزها، بيبقى هو متنفسها الوحيد وشباكها للعالم، وهو الوحيد المتاح قدامها عشان تكلمه في كل التفاصيل اللي حصلت في يومها من أكبرها لأصغرها، وبالتالي ده بيخنق جوزها وبيشيل طاقة فوق طاقته، بس في نفس الوقت رمى عليها كل حِمل البيت والعيال، مش بيعرف يعمل كوباية شاي لنفسه، ولو فكر يستخدم حنفية المطبخ بيغرّق الأرض، ده غير إنه ساعات بيتلخبط ولاده في سنة كام، فبرضو رمى حِمل البيت كله على مراته اللي اتخنقت وحسّت بالحبسة. ده وضع مش صحي، بالعكس ده وضع بينذر بكارثة وشيكة أو على أحسن تقدير حياة غير مستقرة وغير سعيدة.

 

فعشان نوصل للحالة اللي اتقالت بيها الجملة الافتتاحية للموضوع ده، لازم يبقى فيه تساوي وتكافؤ بين الطرفين، مفيش طرف حاسس بالحبسة ولا طرف حاسس إنه اتحول لآلة. وده في رأيي مش هيتحقق غير لو كل طرف حس إنه حر ومستقل وعمل حياة تانية لنفسه برة العلاقة الزوجية ولو بأبسط الطرق. لو كل طرف حقق الاستقلال ده وعرف إنه مش هيكون في وضع غير مريح بالنسبة له لو الطرف التاني ده بعد عنه (بعيدًا عن عدم الراحة العاطفية)، ساعتها نقدر نقول بكل ثقة إن العلاقة دي قايمة فعلاً عشان كل طرف فيهم عايز برغبته التامة إنه يكون مع الطرف التاني.

 

على الناحية التانية، خلق حياة مستقلة لكل واحد برة إطار الزواج، بيخفف من الضغوط والأحمال اللي كل طرف بيلقيها على الطرف التاني، بيعلّم كل واحد إنه ميبقاش أناني في العلاقة ويعرف يحب للتاني إنه يمارس هواياته ويقابل أصحابه ويحقق نفسه في الشغل. هيساعد الطرف المكبوت إنه ينطلق، يحس إن فيه حياة تانية له برة الزواج ده عشان ميتخنقش منه وبالتالي ميخنقش الجوازة كلها.

 

مهم إننا نعرف إن الاستقلال ده مش معناه إن كل واحد يبعد بحياته وقلبه وتفكيره عن العلاقة الزوجية، ولا معناه إنه يخلق نديّة بين الزوجين ويخلق ما بينهم معارك لإثبات مين فيهم أفضل من التاني. الاستقلال لو اتفهم صح، لو كل واحد عرف عن نفسه إنه يقدر يعمل اللي هو عايزه بدون ما الطرف التاني يحاول يسيطر عليه أو يفرض سطوة، هيتحقق ساعتها مبدأ المشاركة لإنجاح الحياة الزوجية.

 

الطريقة دي ممكن بشكل ما تؤدي في الآخر لشيء من الاعتماد على الطرف التاني في بعض الأمور لأنه بيعملها بشكل أحسن، فطرف ممكن يشيل المسؤولية بشكل أكبر في جزء من أجزاء العلاقة، بينما الطرف التاني بيشيل المسؤولية بشكل أكبر في جزء تاني، بس همّ الاتنين بيتشاركوا مع بعض في كل المسؤوليات حتى لو مش بنفس النسبة. بالنقاش والثقة في النفس والثقة في الطرف الآخر إنه مش غرضه التحكم والسيطرة، الأمور بتبقى أكثر سلاسة، لأن الزواج في الآخر شراكة بين اتنين هيتقابلوا في منطقة مشتركة، بس كل واحد فيهم لازم تكون حياته المنفصلة برة المنطقة دي.

 

يمكن يبان إن الكلام ده سهل جدًا، ويبان لناس تانية صعب جدًا، فلازم نعترف إن في ثقافتنا الزوجية مبدأ الاستقلال يُعتبر من الحاجات النادر وجودها أو حتى التفكير فيها، عشان كده هو محتاج تدريب على احترام فكر شريك الحياة الزوجية وتعلم سماعه بجد مش لمجرد إسكاته، وفي نفس الوقت فهم الاختلاف بين مفهوم الاستقرار في مرحلة ما قبل الجواز والاستقرار في حياة زوجية. الاستقرار في حياة زوجية مينفعش فيه اتخاذ قرارات بدون إشراك الطرف التاني فيها، ومعناه برضو إن الطرفين لما يتشاوروا في أي قرار لازم يحطوا أولويات حياتهم المشتركة فوق أي حاجة تانية، ده بيؤدي في الآخر لوجود اتنين عايشين مع بعض هدفهم الأصلي هو الحفاظ على الحياة بينهم وبين بعض.

 

*I didn’t come here to tell you that I can’t live without you. I can live without you. I just don’t want to.

الجملة من فيلم Rumor has it

 

المقالة السابقةسابع حاجة: السند والحيطة المايلة
المقالة القادمةالستات عايزة الفلوس.. حَقهم ولا مش حَقهم؟

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا