استهلال لا بد منه..
مثل معظم النساء أحلم من وقت لآخر أن زوجي يخونني، أستيقظ غاضبةً تمامًا، أنهره وأتشاجر معه دون سببٍ واضح. وحين يسألني عن سر انفعالي غير المُبرر، أجيبه: “أصلي حلمت بيك حلم وحش أوي”، فيسألني بحُسن نية: “إيه حلمتي إني مُت؟!”، لأقول: “يا ريت، حلمت إنك بتخوني!”، فيبتسم ساخرًا ويقول: “طب والست التانية دي كانت حلوة؟”.
على مدى علاقة استمرت حتى الآن عدة سنوات لم يتغير رد فعلي تجاه هذا الحلم، إلى أن قرأت مؤخرًا -بالصدفة- تفسيره، والذي بإمكانه تغيير مسار الكثير من العلاقات. إذ أن التفسير ينص على أن المرأة إذا ما حلمت بخيانة زوجها لها مع امرأة أخرى فهذا لا يعني من قريب أو من بعيد أن زوجها “يلعب بديله”، بل معناه أنها شخصية مُبذرة، وعليها الحرص أكثر على نقودها.
أما بعد..
الستات عايزة إيه؟
حين تم إبلاغي بمضمون الحَملة الجديدة لم يأت في بالي ولو للحظة أنني قد أكون أكثر من تصلُح للكتابة عن عشق النساء للفلوس. فأنا لم أُصنّف نفسي يومًا كامرأة مادية كل ما يهُمها المال سواء في كَنزه أو تبذيره، بل على العكس، دائمًا ما كُنت أخالني امرأة لا يهمها إلا الروحانيات والإنسانيات، القيم المعنوية كالحب والجمال والعدل، هكذا كنت أتصوَّرني، إنسانة تقتات على المشاعر أكثر من النقود.
حتى أنني لم أُحب يومًا القيام بالشوبينج أو أتحمس كثيرًا لشراء الطلبات، غير أنه مع الوقت والمسؤوليات اختلفت طباعي، أو رُبما أعدت اكتشافي لنفسي، لأراني في صورة لم أكن أتخيل أبدًا أنها قد تُشبهني.
إذ لظروف خاصة بعمل زوجي اعتدت أن أقضي اليوم كله إلا قليلًا بمُفردي، ثم بصُحبة ابنتي بعد أن أصبحت أُمًا، أذهب إلى الطبيب، الحضانة، الواجبات الاجتماعية مُعظمها وحدي، أما في أوقات الفراغ فأظل أُحارب طواحين الهواء، وأحمِل كل الهموم على كتفي في انتظار عودة حبيبي حتى أُلقي على كاهله ما يسمح به وقته لتحمُّله.
إلا أن تخلُصي اليومي من بعض الأحمال لم يكن كافيًا لأنجو من براثن تلك الدوامة التي كثيرًا ما كانت تبتلعني وتمنحني الشعور -خصوصًا في أوقات الاكتئاب- بأنني لا أفرق كثيرًا عن الأم العزباء، ليصعب عليّ حالي، قبل أن أتذكر أن زوجي هو الآخر يتكبد ما يُعانيه يوميًا ويتحمَّل غيابنا قدر ما نتحمَّل نحن غيابه، ليس حُبًا في البُعد عنا ولكن من أجل مستقبل أكثر أمانًا ورفاهيةً لأسرتنا الصغيرة.
رُبما كانت تلك هي المرحلة التي أصابني فيها هوس الشراء، إما لأشياءٍ كثيرة ليست ذات أولوية، أو أشياءٍ قليلة لكنها غالية الثمن، وهنا وقفت مع نفسي للحظة وسألتها “لماذا؟”.
فلم أجد إجابة مُرضية إلا أن ذلك يمنحني بعض التعويض عن الوحدة وعمري الذي يمضي بعيدًا عن الرجل الذي أُحبه، حتى ولو كنت ألتقيه كل ليلة بعض الوقت، طالما أنني أشعر أن هذا الوقت لا يكفيني ولا يمنحُني أبدًا الشعور بالشبع من صُحبته.
وعلى الرغم من اكتشافي سبب هوسي الجديد، لكني ما زلت لم أستطع التحرر الكامل من سيطرته ومُعالجتي منه بَعد، كل ما حدث أنني استطعت تجاوز غضبي من نفسي بعض الشيء وصرت أُحاول قدر الإمكان ألا أشتري إلا ما هو مُهم حقًا وأحتاجه.
لذا أكتب الآن هذا المقال لأقول إن حُب الكثير من النساء للفلوس حقيقي وموجود، لكنه لا عن جشع بالضرورة، حتى أنه من وجهة نظر حياتية سيبدو منطقيًا ومشروعًا، ففي زمن صار فيه كل شيء غاليًا وبعيدًا، والكل يجري في سباق الحياة بأقصى جَهده ليُحقق أحلامه ناسيًا أن يعيشها، يصبح العزاء الوحيد الذي يمنحهم الشعور بأن عُمرهم لم يضع هباءً هو إحاطة أنفسهم بكل ما تمنوا يومًا أن يملكونه مهما كان تافهًا أو مُبالغًا في ثمنه.
أكتب هذا المقال لأعتذر لكل النساء المهووسات بالإنفاق، واللاتي كنت أستعجبهن دون أن أضع نفسي مكانهن، أو أسأل نفسي عن الفجوة التي تسكنهن فيُحاولن سَدها بما يشترونه.
أكتب هذا المقال عساني أستطيع التخلُص من الوسواس الذي يُطاردني ويُقنعني بأن الأموال جاءت ليتم صرفها وأن ذلك هو أقل ما يُمكن أن يُفعل لأجلي جزاءً على صبري وحُبي وتسكينًا لوجع الاشتياق.
فحتى وإن كان هذا لا يُضايق زوجي، فإنني لا أُحب أن تكون تلك هي الصورة التي أرى عليها نفسي، امرأة تقبل التعويض المادي عوضًا عن الحُب المؤجَّل حتى انتهاء مواعيد العمل والالتزامات الكثيرة التي تُعيق زوجي عني أو تُعيقني عنه بعد أن صرت أعمل أنا الأخرى مُعظم الوقت.
أكتب هذا المقال لتذكير نفسي أنه حتى إن لم يكن هناك ضرر مما أفعل، لكني كـ”ياسمين” لا أُريد أن أكون امرأة تحتل الفلوس في سلم أولوياتها أبدًا المرتبة الأولى.