غزة – القاهرة 2: أنا بطلة

1572

لقاء

تم نشرة في 01/02/2016

وقت القراءة : 4 دقيقة

 

مساؤك سكر يا دينا

 

لتكن كل رسائلنا مسائية غاليتي، فليس هناك أجمل من المساء بهدوئه وسلامه وسكينته. أحدثكِ الآن من فوق سريري الدافئ، اللاب توب بين يديّ، والتاب الذي يضم كنزي من الكتب الإلكترونية على يميني، وقطعة من الشوكولاتة اللذيذة على يساري، والعاصفة تزأر بالخارج لكني لا أبالي. يناسبني المساء يا دينا، كما يناسبني الشتاء، فأنا كائن ليلي ينشط شتاءً، ما لي أنا ونهارات الصيف اللاهبة؟! ليت هناك بياتًا صيفيًا لنا معشر البشر، كنت أنا أول من سأختاره. مجرد الحديث عن الصيف يوترني، حسنًا لقاء، نحن في الشتاء، المطر قادم بعد قليل، اهدئي وأمطري دينا بكلماتك أيتها الثرثارة.

 

لأبدأ ثرثرتي باعترافٍ يا دينا، قبل معرفتي بكِ من خلال الفيسبوك لم أكن من محبي اسم “جنى” إطلاقًا، لكن صغيرتك الجميلة الرقيقة أجبرتني على حب هذا الاسم بشدة. كيف لا وكلما ذُكر الاسم أمامي، تذكرت الباليرنا الصغيرة صاحبة الابتسامة الرقيقة، الصغيرة الجميلة التي تشعر معها أنها قطعة بسكويت ستتفتت لفرط رقتها بين يديك، أنا واقعة في غرام صغيرتك يا دينا منذ أن رأيتها، ما يعني أن حبها وقر في قلبي قبل أن توطد علاقتي بكِ، فلا تحسبي أني أجاملك مطلقًا.

 

“جنى” مكافأة حقًا يا دينا، مكافأة لكونها رزقًا من الله يُحرم منه البعض، ومكافأة لأنها “جنى” الفراشة اللطيفة وليست طفلة أخرى، مكافأة تستحق أن تحتفي بها كل يوم، وتعبّري لها عن حبك بكل شكل، حتى بإيقاظها ليلاً لتخبريها كم أنكِ تحبينها. لستِ بلهاء مطلقًا غاليتي، أنتِ أمٌ حنون وهذا سبب آخر يضاف إلى قائمة الأسباب الطويلة التي تجعلني أحبك بشدة.

 

آه يا دينا! أيقظتِ بداخلي شوقًا لا ينطفئ للأمومة، فبداخلي كَمّ من المشاعر والحنان لأطفالي أشعر أحيانًا أنه قد يخنقني يومًا ما لو لم أرزق بهم. أحب أطفالي جدًا يا دينا لذلك أريد لهم أبًا عظيمًا لم أجده بعد. أريد أن أكون أمًا لطفلة صغيرة سأختار لها اسم “ناي”، سأدلل صغيرتي كما تدللين “جنى” وأكثر، وأريدها أن تكون صديقتي وحبيبتي ورفيقتي، وأرجو من الله أن أكون لها كذلك. لا أريد لعلاقتي بـ”ناي” أن تأخذ الشكل المعتاد لعلاقة الأم بابنتها، أريدها علاقة مملؤة بالحب، الأمان، والثقة، أريد أن أكون ملجأها، لأني أعرف أنها ستكون ملجئي، وحضنها سيكون دوائي من أي حزنٍ أو وجع. آه يا دينا! حديثكِ عن “جنى” مس شغاف القلب والروح، أسأل الله أن يباركها وينبتها نباتًا حسنًا، ويجعلها قرة عينٍ لكِ ولوالدها.

 

اعتراف آخر يا دينا.. في موضوع الأطفال تحديدًا أجد أن جيناتي الفلسطينية هي الغالبة، مما يعني أني أريد عددًا من الأطفال لا يقل عن الأربع، رقم مخيف بالطبع للكثير من الأمهات، أتخيل الآن رد فعل صديقاتي علياء وياسمين وآيات لو أخبرتهن بذلك وأضحك بشدة. الرقم منطقي للغاية فلسطينيًا، لكن في موضوع الزواج جيناتي المصرية هي الغالبة، وهذا يعني أني أريد لأطفالي أبًا عظيمًا مصريًا محبًا للأطفال يرغب في إنجاب أربعة أطفال على الأقل! هل تعتقدين أني سأجده؟ عن نفسي أنا لا أعتقد.

 

دعينا من الحديث عن الأطفال والزواج، أشعر أن رسالتي قد تحولت لواحد من إعلانات الزواج، فلا ينقصني إلا أن أحدد المواصفات الشكلية لعريس المستقبل. أجدني الآن أشعر بافتقادي للرموز التعبيرية الخاصة بموقع الفيسبوك، كانت ستساعدني جدًا في هذه الرسالة، تخيليها موجودة يا دينا أرجوكِ.

 

مساؤك المعطر بروائح القرفة ذكرني بمساء البارحة، فقد كانت القرفة أحد أبطاله أيضًا. قبل الحديث عن هذا المساء عليّ أن أخبركِ أني بدأت نظامًا غذائيًا صحيًا لأجل خسارة بعض الوزن منذ أسبوعين. يُعد اتباع مثل هذا النظام عملاً بطوليًا في الشتاء، في الوقت الذي يُمطرني فيه موقع الفيسبوك بالكثير والكثير من المنشورات التي تتحدث عن الطعام والمدعمة بالصور التي تنهار أمامها كل مقاومة، حتى الإعلانات الممولة يا دينا تضل طريقها إليّ وكأن هناك مؤامرة كونية غرضها تحطيم إرادتي، لكني أرى كل هذا فأجد سيمفونية صامدون صامدون تترد كموسيقى تصويرية في خلفية المشهد، فأستشعر أني في حرب ضد الطعام لا ينبغي أن أهزم فيها.

 

البارحة توجهت لمنطقة وسط البلد في مدينة خان يونس، هذه المنطقة هي تقاطع ثلاثة شوارع رئيسية في مدينتي شارع البحر -حيث أسكن- شارع جمال عبد الناصر، وشارع أهل السنة. وأقولها لكِ يا دينا بكل صدق التوجه لوسط البلد والعودة دون أن تضربي بنظامك الغذائي عرض الحائط عمل بطولي أيضًا، فهناك يوجد ما لا يقل عن ثلاثة مطاعم للشاورمة ومثلهم للفول والفلافل، وعدد لا نهائي من بائعي المكسرات، ومحل الآيس كريم الذي شهد الكثير من جلساتي أنا وأختي أشجان وابنة عمي سهير، والذي شعرت به يناديني بمحبةٍ وشوق كالذي أحمله له. ذهبت هناك لكني عدت منتصرة يا دينا أحمل في يديّ مؤنة الأسبوع القادم (كيوي، تفاح، وخس)، وحملت أيضًا بعض أعواد القرفة لأني مثلكِ أحتاج هذه الرائحة الخشبية المميزة لشتائي. أحتاج أن أُسقط عودًا منها في الشاي لأنسى أني أشربه دون سكر، وعودًا آخر في الحليب لأنسى أنه حليب معبأ صناعيًا. 

 

نجحت في إتمام أسبوعين محافظةً على نظامي الغذائي، لذلك كافئت نفسي بقطعة الشوكولاتة سابقة الذكر، وأعتقد أني أستحق هذه المكافأة لأنني بطلة. أحب أن أشعر أني بطلة يا دينا حينما أحافظ على نظامي الغذائي رغم كل المغريات، فهذا يساعدني على الاستمرار، ورغم نبرة السخرية التي تطل من حديثي السابق لكني مؤمنة أن مقاومة الأكل بطولة، وهذا يجعلني أنظر لكل من اتبع ويتبع نظامًا غذائيًا لأجل خسارة وزنه بطلاً يستحق كل احترام وتقدير.

 

بمناسبة ذكر موقع الفيسبوك، حين قرأت الجزء الخاص بالأغاني والمغنيين في رسالتك السابقة، ضحكت بشدة، فعدم معرفتك بالأسماء لا يعود لكونكِ شختِ غاليتي، الأمر فقط أنكِ لا تقتضين الكثير من الوقت على موقع فيسبوك. فهذا الموقع فرصة جيدة لتستمعي لأصوات جديدة مثل: فايا يونان وشقيقتها ريحان يونان، ناي البرغوثي، مي عبد العزيز وغيرهم كُثر. وصدقيني هذه الأسماء أصوات مميزة وأعتبر إلقاء الضوء عليهم واحدة من مميزات الفيسبوك القليلة. 

 

في النهاية الموسيقى أذواق، وكلُ واحد منا يتبع ذوقه. البعض يرى عبد الحليم حافظ واحد من عمالقة الغناء، بينما البعض الآخر يُعده تامر حسني الزمن القديم وهذا لأنه يقلل من شأن تامر وبالتالي حليم، في حين أن هناك آخر يعتقد أن تامر من عمالقة هذا العصر. الموسيقى ككل شيء، ستجدي الاختلاف فيها سيد الموقف. عن نفسي أستمع لكل شيء، الغربي، الشرقي، والشعبي، الجديد والقديم. ويسعدني أننا نجتمع على حب فيروز يا دينا، فيروز الجميلة التي أرسل لها بدوري سلامًا يحمله الطير الذي غنت له:

يا طير يا طاير على طراف الدني

لو فيك تحكي للحبايب شو بني

روح اسألن ع اللي وليفه مش معه

مجروح بجروح الهوي شو بينفعوا

موجوع ما بيقول ع اللي بيوجعه

وتعن ع بالو ليالي الولدنة

يا طير يا طاير على طراف الدني.

غاليتي دينا.. تصبحين على أيامٍ مزينة بأحبابك، شموسك التي أسأل الله أن لا تغيب أبدًا.

المقالة السابقةحب ما بعد الزواج
المقالة القادمةسجن الخوف

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا