دينا
14/2/2016
صباح الخير يا لقائي الأروع..
لكِ أمنياتي بأسبوع رائع ولطيف، أتمناه لكلتينا. في الحقيقة فأنا رغم كل شيء أمرّ بحالة من الفوضى التي تأكلني وترهق عيني. أتى عامل الدهانات لينجز حائطًا متأكل طلاؤه منذ عام ويزيد بسبب الفئران التي تغذت على مواسير الصرف وتسبب الماء والرطوبة بزوال الطلاء. أنا شئت أم أبيت أقطن في منطقة صحراوية تصاحبني فيها الفئران التي أراها صيفًا تختال سيرًا في الحديقة، وهناك عدد لا بأس به من الحشرات العجيبة التي تندفع نحو المنزل بشراسة ما إن حل الحر، لهذا يبدو أن عليّ منح الشتاء حبًا مضاعفًا لأجل الهدوء الذي يجلبه علينا وراحة البال من صداقات الكائنات الأخرى.
رائحة المنزل يطغى عليها تلك الرائحة المميزة للطلاء الحديث، تخنقني وتكتم صدري وتجعل السعال رفيقي الجديد الذي لا أحبه.. مزاجي متعكر من الفوضى ومن فكرة تنظيف كل شيء وإعادة عالمي لمساره. أكره تلك اللحظات التي يتعين عليّ فيها استحضار الهدوء كي أستطيع التماسك لإنجاز كل شيء بنجاح.
المناظر الفوضوية تجعلني عصبية للغاية، معها أجد نفسي على حافة الانفجار سخطًا، خصوصًا أنني بطيئة جدًا في إتمام أعمالي المنزلية، وهذا يكلفني مجهودًا مضاعفًا ويستنزف من وقتي الكثير. لست “لهلوبة” كما نطلق على تلك التي تستطيع إنجاز كل شيء بمهارة وسرعة، أنا فقط ماهرة ولكن ببطء ومع اهتمام مبالغ بالتفاصيل الصغيرة التي تهدر الوقت، فقط لأرى الصورة النهائية مرضية ورائعة، فأجلس بعدها بضمير مرتاح لهذا الكمال البصري الذي يحضر معه هدوء أعصابي واستكانة نفسي.
المنزل الآن يصيبني بعطب في روحي فلا أقوى على فعل شيء، الكتابة باهتة والكروشيه مهمل والطبخ مع تلك الرائحة عذاب لقرب المطبخ من تلك الغرفة، خصوصًا مع السعال المستمر وكتب معرض الكتاب على حالها متكومة على الكومود بجانبي أنظر إليها بتأنيب. أبحث عن دائرة روتيني الآمن الذي أهرب إليه كلما اهتز عالمي وتغير وضعه، أستغرب نفسي كثيرًا حينها عندما أتذكر شكوتي الدائمة من ملل الروتين، رغم أنه نقطة ارتكازي وصمودي أمام كل المتغيرات الطارئة على الحياة. هو جاذبيتي التي تمنحني الاستقرار الذي أبغيه حين تثور العواصف وتتركني متبعثرة مشتتة، فأعود له وأنا على يقين بأن روتين حياتي سينقذني ويفعل ذلك في كل مرة بنجاح.
لتمر الأيام سريعًا ولأغلق عيني وأفتحها فأجد كل شيء مرتبًا في مكانه وترسو نفسيتي القلقة بسكون. تلك هي أمنيتي الوحيدة الآن.
كان الأسبوع الماضي رائعًا، أتذكره على كلماتك عن الكتب ومعرض الكتاب وهيامك بالقراءة.. ذهبت إلى المعرض مع زوجي بعد انقطاع طويل عن زيارته بسبب المسافة اللعينة الفاصلة بيننا وبينه، تركت الصغيرة لأخواتي وانطلقت معه في يوم ذكّرنا بالكثير.. فأنا وأحمد تقابلنا للمرة الأولى في معرض الكتاب.. كتابة ذلك فقط رسم على وجهي ابتسامة بوسع الكون ما زالت حاضرة كلما فتحت ذلك الباب السحري لقصتنا معًا.
كنا نمر على كل الأماكن وهو يذكرني بكل شيء.. “فاكرة لما سلمنا على بعض أول مرة في الحتة دي؟ فاكرة لما اتمشينا لحد المؤسسة العربية الحديثة وقعدنا نتكلم كتير؟ فاكرة لما حضرنا حفلة توقيع دكتور أحمد خالد توفيق سوا؟”.
كان ردي على كل ذلك بأن أمسكت يده بقوة وابتسمت، “أنا فاكرة”.. بل أنا ما زلت أتنفس تلك اللحظات الذهبية التي خلقت لنا دربًا سرنا عليه لنكون معًا، قلبي كان ينبض بقوة في كل بقعة أعرف أن لنا فيها ذكرى. شعرت وكأننا نفضنا عن أكتافنا سبع سنوات من الكِبر وعدنا من جديد اثنين بلا مسؤوليات أو التزامات، فقط اثنين يجمعهما عشق الكتب لا يدركان أن لهما معًا قصة جميلة.
جلبت مع ذلك اليوم ذكرى وفرح والكثير من الكتب لنا وللصغيرة أيضًا، والتبضع لها كان كتتمة للحدوتة الخيالية بكتبها الملونة وقصص الأميرات وحكايا ما قبل النوم التي جلبتها لأجل إسعادها، فهي ورثت عنا حب الكتب.
ويومًا ما عندما آخذها لأرض المعرض سأحكي لها عن السحر الذي رأيته وعن القلب الذي نبض وعن عين أبيها التي كانت تتبعني كلما مررت وعن أسطوانات الموسيقى التي أهداني إياها وعن أحاديثنا التي لم تنقطع أبدًا بعدها، وما زالت مستمرة وستبقى.
أحيانًا لا أصدق أن قلبي قبع بين يدي أحدهم وارتكن إليه بسلام، وأنني اختبرت كل ذلك وأكثر.. أحيانًا أتذكر تلك التي كنتها، فتاة تبحث عن الحب ولا تجده وإن وجدها هو على غفلة منها، جاء ليشكل قلبها المفتت إلى شيء بديع امتلكه حتى نهاية الدنيا.
أستطيع الوقوع كل مرة في حبه يا لقاء، فهو ملاذ طلبته من الله ومنحني إياه في نفحات عطفه وكرمه اللا متناهي.. هو من أسأله دومًا “تعرف إيه عني؟” فيمنحني تلك التفاصيل الدقيقة المنمنمة المخفية حتى عن عيني ولا ألاحظها، حينها أعرف أنني أغرمت بالرجل المناسب.. فأنا أهوى التفاصيل الصغيرة حد الغرق فيها وحد الغرق فيه.
“ولو في يا عيني..
خبيك بعيني“
اختبئت فيه عن العالم بأسره.. واكتفيت.
صباحك سكر يا لقاء..
ليطيب يومك بالحب غاليتي الجميلة.