غزة – القاهرة 6: ما هو إيه بيطول عمر الواحد غير الفرحة!

1058

لقاء

تم نشرة في 02/17/2016

وقت القراءة : 4 دقيقة

 

صباح الحب والأمل غاليتي دينا..

صباحي ممزوجٌ بالدفء الذي حملته رسالتك الرقيقة، وكأنكِ يا دينا نفختِ في داخلي نفخة الحياة فتبدد البرد الذي عشش فيّ طويلاً. قلت لكِ في رسالتي السابقة إنكِ سيدة البهجة، وها أنتِ تؤكدين ذلك من جديد. جميلة أنتِ يا دينا، وجميلٌ هو زوجك، ولا غرابة في أن يكون نتاج هذا الجمال الشفيف تلك الصغيرة الملائكية “جنى”، أشهد أني أحبكم جدًا وأنكِ يا دينا قطعة السكر التي أصبحت تحلي مرارة الأيام.

 

بعد فترة حالكة الظُلمة جاء أسبوعي المنصرم لطيفًا ولله الحمد. لاحظت أنني في كل رسالة أخبركِ عن إحدى صديقاتي التي ساهمت في صنع أسبوعي، الأمر مصادفة ليس إلا، لكنها مصادفة تخبركِ كم أنا محظوظة بصديقاتي اللاتي لا يدخرن وسعًا في إسعادي.

 

هذا الأسبوع يحمل بصمات صديقة الطفولة “رولا” التي أعادتني تلميذة صغيرة تنهي دوامها المدرسي ليبدأ دوام آخر في بيت صديقتها القريب من المدرسة والقريب من القلب، فقد اجتمعنا للاحتفال بيوم ميلاد صغيريها التوأمين “ياسين” و”مريم”، ولأصدقكِ القول يا دينا، كان الاحتفال يخصنا أكثر مما يخصهما، كنا نحتاج بشدة لجرعةٍ من الفرح تبدد شيئًا من مرارة الأيام الأخيرة، واستطعنا أن نحصل عليها. ربما مر عليكِ ما قاله محمود درويش: “وإذا جاءك الفرح مرةً أخرى.. فلا تذكر خيانته السابقة.. ادخل الفرح.. وانفجر” هذه العبارة هي حقيقة ما حدث بالضبط، دخلنا الفرح وانفجرنا ضحكًا وغناءً ورقصًا، فكان يومًا جميلاً بحق، يكفي أني قضيت وقتًا مع والدة “رولا” التي هي أقرب للصديقة منها للأم، والتي أضحك وإياها كلما اكتشفنا شيئًا جديدًا متشابهًا في كلتينا، بينما تقف “رولا” تحدق فينا اندهاشًا.

 

لطالما كانت عائلة “رولا” عائلتي، حتى عندما تزوجت وصار لها عائلتها الصغيرة أصبحت تخصني بدورها رغم عدم اقتناع صغارها بأي ممارسات أمومية أقوم بها، لأنهم يعتقدون أني أصغر سنًا على دور الأم، فهم يترجمون فارق الطول ما بيني وبين والدتهم لفرقٍ في العمر، ولا يصدقون قسمي الدائم لهم أننا في نفس العمر، حتى أني اضطررت في المرة الأخيرة أن أخبرهم ممازحة، أن فارق الطول ما بيننا حصلت عليه زيادة عَرِضية ليس إلا. رغم انقضاء عدة أيام ما زلت أعيش بهجة الحفل، أتذكر ضحكات الجميع، مشاغبات “ياسين”، دلع “مريم”، رقة “رغد”، عبوس “ليان”، والصغير الذي لا يهدأ “كيمو” فامتلئ بالفرح مرةً أخرى أن وهبني الله كل ذلك في حياتي.

 

حفلة يوم الميلاد انتهت تاركةً إياي أشارك الصغيرة “رغد” اللعب بقطع الصلصال الملونة، فكانت هذه بهجة أخرى ذكرتني بما سمعته عن كتب تلوين الكبار التي تساعدهم على التخفف من الضغوط اليومية، أخبرت “رولا” بأمر تلك الكتب فشجعتني بشدة على التجربة، لأعيش يومين من السعادة وأنا أجمع الصور لأصنع كتابي الخاص الذي أتلهف شوقًا لطباعته وتجربة أولى اللوحات.

 

رغم أجواء الفرح التي عايشتها هذا الأسبوع لكنني مررت بيومٍ عصيبٍ البارحة، تركني منهكة نفسيًا وجسديًا، مع ذلك استيقظت وأنا راغبة في التخلص من آثار هذا اليوم من خلال تجربة أي شيءٍ جديد. فكرت كثيرًا واستقر الأمر على تجربة مطبخية جديدة، فبعد أن سئمت تحضير الطعام الفلسطيني والمصري، قررت أن أغامر مع المطبخ السعودي وقد كانت “الكبسة” خياري، ونجحت في صنعها بالشكل الذي يرضيني. مع كل مكون كنت أضيفه لقدر الطعام كنت في المقابل أنزع عن كاهلي أثرًا ليومي السابق.

 

بالفعل التجارب الجديدة لها مفعول السحر في تحسين الحالة المزاجية، بالتأكيد الناجحة منها، فلا أتخيل كيف سيكون حالي لو فشلتُ في تحضير الطبخة، أعتقد أني كنت سآكلها لأموت انتحارًا. الجدير بالذكر أن “رولا” كانت بطلة “موقعة الكبسة” أيضًا، فهي التي منحتني وصفة التحضير تفصيليًا. أنا أحب هذه الفتاة من كل قلبي يا دينا، لا أخبرها بهذا الأمر مباشرة لأنه كالحقائق الواضحة مثل شروق الشمس كل يوم من الشرق، لكنها تعلم، بالتأكيد تعلم أني أحبها بشدة.

 

يبدو أن الأسبوع ما زال عامرًا بالمفاجآت الصغيرة يا دينا، ويبدو أن قلبي سيتوقف هذه المرة من فرط السعادة. فأثناء كتابتي لهذه الكلمات جاءتني دعوة على الفيسبوك لحضور فيلم في سينما غزة. أنا لا أصدق، ليتكِ بجواري لتؤكدي لي أن الدعوة حقيقية بالفعل ولست أحلم، بل ليتكِ هنا لنذهب معًا. سينما في غزة يا دينا! سينما في غزة! غالبًا سأظل في حالة الانبهار هذه حتى أجلس في قاعة السينما السبت القادم.

 

لا يدهشكِ انبهاري هذا، سيزول اندهاشكِ حتمًا حينما تعلمين أني لم أذهب للسينما قط، فلم تسنح لي الفرصة عندما كنت في مصر، وفي غزة لا توجد واحدة، حتى التي أحدثكِ عنها إمكانياتها محدودة بالمقارنة بقاعات العرض السينمائي المعروفة، لكن لا يهم، أعرف أن الأمر ممتع للغاية، فمنذ عام حظيت بتجربة مشابهة من خلال مبادرة شبابية لعرض الفيلم الهندي PK، يومها كانت ترافقني الصديقة “سمية محمد”، وكان يومًا لا يُنسى. هذه المرة يبدو أن رفقتي لن تقل عن خمس صديقات، فعدوى حماستي انتشرت في الأنحاء. وهكذا غاليتي ترين أن النتيجة غزة 1 : الحصار 0، وهذه فرحة أخرى تدركين حجمها في نفسي.

 

وما زلنا مع المفاجآت وقلبي يترنح، الآن عرفت أن بعض الكتب التي أردت قراءتها بشدة أصبحت متوفرة إلكترونيًا. هذه اللحظة تحديدًا لا يجب أن تسجل كتابيًا، ينبغي أن تشاهديها يا دينا، ينبغي أن تشاهدي صديقتك وهي تتقافز فرحًا ثم تحط لترقص رقصة الفراشة السعيدة، صدقيني الأمر يستحق المشاهدة لأنكِ ستضحكين كما لم تضحكي من قبل.

 

قبل أن أنهي رسالتي لديّ اقتراح، ما رأيك أن نتبادل الأدوار؟ اتركي لي فوضى المنزل ورائحة الطلاء التي أحبها، لست أدري هل يعود ذلك لكوني مهندسة أم أني مشروع مدمنة ينتظر أن يتحقق. سأترككِ أنا بين يديّ “سهير” ابنة عمي لتأخذكِ في جولة في غزة، حتمًا ستكون السينما جزءًا منها. أعدكِ، ستعودين من الجولة والفوضى قد انتهت وعاد كل شيءٍ لمكانه، لكن ضميري يحتم عليّ أن أنصحكِ قبل عملية التبادل أن تضعي الكتب في مكانٍ بعيدٍ عن متناول يديّ، لأني بكل صراحة لا أضمن نفسي أمام إغرائها.

 

أخيرًا وعلى سبيل التشويق يا دينا، الرسالة القادمة سأريكِ كتاب التلوين الخاص بي، وسأحدثكِ عن سينما غزة، أما أنا فأريد منكِ صورًا للكتب التي اشتريتِها من المعرض.. صفقة عادلة كما ترين.

تبقى ميل .. تبقى اسأل

متل الأول .. ضل اسأل

الله لا يشغلك بال .. 

ودّي لي منك مرسال.

 

لا حرمني الله مراسيلك يا دينا، ولتظلي أبد الدهر تتنفسين حبًا وسعادة.

صباحك دافئ.

أحبك.

المقالة السابقةخريف العلاقات
المقالة القادمة10 أفلام رومانسية من أرض الواقع

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا