دينا
29/1/2016
مساء الخير غاليتي لقاء..
علّكِ بخير ويغمركِ خير غزة وخير القطاف المبهج الذي أضاء وجهي منذ رأيت ذلك الصبي بملامحه العربية وهو يُدلي حبات الفراولة الحمراء من يديه، في لحظة هُيّئ لي أنه يمنحني إياها وأنني قادرة على عبور تفاصيل الصورة والتقاطها منه أحشو بها فمي حتى أمتلئ بطعمها الخرافي وحُمرتها الرائعة.
جميلة هي أرض الله التي وهبنا إياها، وما أجمل بهجتها التي أضفت عليكِ الراحة رغم أسبوعك العصيب وأخباره المزعجة!
أريد أيضًا أن أبث إليكِ خالص عزائي لصديقتك الجميلة “سلوان”، رحمة الله على والدتها، ولينالكم صبرٌ من الله، ولتسكن دموعها ويصيبها مسٌ من صبر وجَلد على آلام الفراق المر. لا أراكم الله مكروهًا بعد هذا الحدث الحزين، ولتكوني لها نعم السند والصديق الذي تحتاج إلى حنوِّه ومرافقته لمحو الوجع والحزن.
لا أدري لما تحب الأحزان أن تركض وراءنا بتلك القوة! ولماذا تصر على احتلالنا واغتصاب التفاصيل الحلوة التي نتجرع بها ملل الأيام المارة بتبلد؟ يبدو أن السعادة باتت مكلفة حقًا وأن ثمنها صار باهظًا على أمثالنا الحالمين بعالم تكسوه ابتسامات واسعة وأحضان دافئة وتفاصيل صغيرة مُبهجة قادرة على هزيمة الحزن الملتف بأضلاعنا.
أخشى دائمًا هزيمتي أمام الوجع المتكوِّم داخلي، فأنا قادرة على خنق كل شيء عن العالم، فلا يتلمَّس له رائحة ولا يشعر بآثاره على ملامحي، قادرة على تصنُّع ألف ابتسامة ونحيب قوي يحتل قلبي ويغرقه حتى انعدام إحساسي به، قاتلاً ذلك الإحساس المزيف ويُشعرني بانفراط قوتي أمامي على الأقل ويُشعرني بمدى ضعفي عن لضم كل أجزائي المهترئة معًا، فأبدو بحال متماسكة أستطيع معها مواجهة تحدياتي اليومية التي تتراص أمامي وهي مخرجة لي ألسنتها لانتصارها المستمر عليَّ.
أتابع بفضول هاشتاج #تلات_حاجات_حلوة الذي أطلقته الجميلة “رانيا منصور”، أرى فيه تجليًا لقدراتنا على المعافرة لإبراز لمحة جمالية بسيطة على أيامنا الغارقة في مستنقعات من الفتور والكآبة وقلة الإيمان بأرواحنا، أرى فيه محاولة لجلب قليل من الرضا على الدوائر المغلقة التي انحبسنا فيها، فصارت هوايتها أن تعيد نفسها كشريط سينمائي معطوب.
تلك الروح الطيبة التي تحاول عدم الاستسلام لفخاخ الكآبات من حولها هامت وتلبست العديد من الفتيات الجميلات المثابرات على رؤية ثلاثة أحداث حلوة، رغم كونها تتسم بالبساطة والصغر، ولكنها أشعرتهن بالانتصار اليومي.
أنا بشكل شخصي كائن غير فيسبوكي بالمرة، أتابع بنهم وإن كنت شحيحة المشاركة بما ينضي حياتي أو يفرحها مع الجميع، لا أخفي عليكِ يا لقاء، حاولت المشاركة في الهاشتاج أكثر من مرة، ولكن تخذلني بلادة أصابعي على الهاتف، وتخذلني قوتي على الخروج من قوقعتي المظلمة التي أحيا داخلها في صمت.
حتمًا سأجد دافعًا ما يجبرني على تَشارك أحداثي الحلوة مع صُحبتي الرائعة من الصديقات، وإن كنت سأبدأ معكِ أنتِ بأن أبوح لكِ بثلاثة أحداث جميلة رافقتني خلال الأسبوع كالقناديل المضيئة فوق رأسي.
بدأ الأسبوع بأن توكلت على الله وأيقظت سيارتي ليلاً، وأنا للعلم لا أحبذ القيادة الليلية ولا تستهويني، وأخشى على نفسي من المطبات الخفية والإنارة الضعيفة للشوارع، ومن هولاء الذين يظهرون فجأة أمام ضوء السيارة كالأشباح، ولكني فعلتها من أجل عيون الجميلة “ونس” ابنة صديقتنا “ياسمين عادل” التي تقطن هي الأخرى في مدينة السادس من أكتوبر، ولكن في حي أبعد كثيرًا عني..
فعلتها بعد أن تهت مرتين تقريبًا ولففت حول الميدان العظيم أكثر من مرة بسبب دخولي في تقاطعات خاطئة. كنت أسير على سرعة ستين كيلومترًا وأخذت كمية سباب من السائقين تكفي لجعل أقدامي تتخشب أكثر على الفرامل، وأعمتني إضاءاتهم المتقطعة لي في المرآة، وأقسم لكِ أني كدت أبكي من فشلي في الوصول إلى بيتها.
فعلتها لأجل الجَمع الرائع بفتيات هنّ بهجة وعليهن نور وفي قلوبهن حب يغمرني كلما التقيت بهن. الأجواء الاحتفالية بعيد ميلاد “ونس” جعلتني سعيدة لأنني خضت تلك المغامرة الليلية، فرحة ابنتي وسط باقي الأطفال كانت لا تقدر بثمن.. كانت متفاعلة وغير خجولة كعادتها، واندمجت حتى أنها لم تقبع ملاصقة لي كما كانت تفعل قبلاً مع الغرباء.
تحررت في هذا اليوم من أعباء نفسية كانت تطبق على أنفاسي، وشعرت أن حبستي المستمرة في المنزل تطفئني وأن رؤية وجوه أحبها رسمت ابتسامة حلوة على وجهي قبل النوم.
أما عن الحدث الثاني، فكان حلمًا جميلاً به من الشفافية والنقاء الذي ينير القلوب ويمسح عليها حتى تطيب، رأيتني مع والدتي في بيت الله نعتمر.. قِصَر الحلم جعله أشبه برفة أجنحة الفراشات البيضاء التي رأيتها في الصحن الأبيض أثناء زيارتي السابقة هناك، وعندما أفقت وضعت الحُلم كأمنية في قلبي ليحققها لي الله وقتما شاء، وكلي أمل أن لا ينساني رب الناس ويدعوني فألبي.
وحدثي الثالث والأخير كان أن صديقة الجامعة ورفيقة دروب الصحافة ومطاردة المصادر الخبرية والنزول إلى العشوائيات لاقتناص تحقيق مثير، قد صارت أمًا لطفلة هشّة لبشرتها حُمرة، وتلتف في غطاء ملون من الكروشيه، لقد صارت “سارة” أمًا ترقد بجانب طفلتها واهنة البسمة، ذات عين باسمة لتلك الصغيرة التي لا أكتفي من مشاهدة صورتها من حين لآخر، ينتابني حنين لأمومة مُشبعة، وأشعر أن البنات خُلقن ليكُنَّ مصدر نور للحياة.
أعتقد أنني سألتهم طفلتها قُبلاً وسأغمرها بالأحضان قريبًا، فصورتها لم تعد قادرة على احتواء سعادتي وتوقي إليها وإلى أمها، التي تملك قطعة غالية جدًا من قلبي.
الاسبوع كان مليئًا بأكثر من ثلاثة أشياء حلوة يا لقاء، ولكن تلك كانت الأبرز، وكلما انزويت مكتئبة أتذكرها فتغدو على شفتيّ بسمة ويذهب الهم مبتعدًا، لتخبريني أنتِ أيضًا بثلاثة أشياء حلوة بارزة في أسبوعك الفائت، ولتكن مفرحة رغم ألم الفقد وأحزان الفراق، ولتحدثيني عن صورتك الرائعة والبحر خلفيتك وعن مرفأ غزة.
“بعيونك ربيعي زهر وحِلى“.
لنزهر يا لقاء رغم الألم.
دمتِ بألف خير.