عندما يتحول الكتاب لبساطٍ سحري

429

“أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة في هذه الدنيا، وحياة واحدة لا تكفيني”، هكذا عبر الراحل العظيم “عباس محمود العقاد” عن عشقه للقراءة، ومثله كنت وما زلت وسأظل، أقرأ لأن حياة واحدة لا تكفيني. بدأ حبي للقراءة مبكرًا يوم أن أدمنت قراءة سلسلة “فلاش” للأستاذ خالد الصفتي في المرحلة الابتدائية، ومع دخولي المرحلة الإعدادية تحول إدماني تجاه السلسلة الأروع على الإطلاق سلسلة “ما وراء الطبيعة” للدكتور أحمد خالد توفيق الذي تربى على أدبه عدة أجيال.

 

في الصغر.. كلما وجّه أحدهم إليّ سؤالاً حول هوايتي المفضلة، كنت أجيب بكل فخرٍ: هوايتي القراءة. كبرت وعرفت أن القراءة ليست مجرد هواية، إنما هي منهج حياة لا ينبغي لأحدٍ أن يتخلف عن اتباعه. كبرت أكثر وسحقتني رحى الحياة لأكتشف أن القراءة علاج، القراءة حب، والقراءة سفر عبر عوالم وأماكن لن أستطيع أن أصلها يومًا إلا من خلال الكتب.

 

كلما اندمجت في قراءة كتاب شعرت أن دفتيه تتحولان إلى بساطٍ سحري يطير بي بعيدًا عن واقعي المؤلم في غزة، وبذلك اكتشفت أن فكرة السفر عبر الأزمان لم تعد فكرة مستحيلة مع الكتب، كل ما أحتاج إليه فقط كتاب، وهو سيتكفل بحملي إلى أي فترة زمنية أرغبها.

 

قرأت الكثير من الكتب، لكن البعض منها فقط استطاع أن يحجز لنفسه مكانًا في رف كتبي المفضلة، وبما أننا مقبلون على معرض القاهرة الدولي للكتاب، الحدث السنوي الأجمل على الإطلاق، فإنني سأعرض لكم بعضًا مما يتضمنه هذا الرف، والتي أرى أنها أعمالاً تستحق الاقتناء والقراءة.

 

1- فيرونيكا تقرر أن تموت

رواية للكاتب البرازيلي العالمي “باولو كويلو”، تحكي عن الفتاة “فيرونيكا” التي تملك حيوية الشباب، وفتنة الجمال، والحب، والعائلة، والوظيفة المناسبة، ورغم هذا كله تعاني خواءً شديدًا دفع بها للانتحار عن طريق تناول كمية هائلة من الأدوية التي لم ترسل بها إلى الموت وإنما إلى مستشفى الأمراض العقلية، لتكتشف “فيرونيكا” أن النجاة مؤقتة ليس إلا، وأمامها أيام معدودات لتموت. من هنا تبدأ الرواية فعليًا من خلال تصوير حياة “فيرونيكا” في أيامها الأخيرة، وكيف تحولت الفتاة الراغبة بشدة في الموت إلى فتاة مقبلة على الحياة بكل ما فيها، بعد أن تغيرت مفاهيمها عن الحياة والموت.

 

2- نقطة النور

رواية للكاتب المصري “بهاء طاهر” يعرض من خلالها حكاية أسرة مصرية تقطن حي السيدة زينب في فترة السبعينيات. البهاء الطاهر بأسلوبه السهل الممتنع الذي يجذبك لقلب الحكاية دون أن تدري، يخاطب فيك الروح من خلال هذه الرواية، ليخبرك أن الحب وحده هو نقطة نورك في الحياة، وأن الحب هو السبيل الصحيح وما دونه الضياع والضلال.

 

3- أبي طويل الساقين

رواية للكاتبة الأمريكية “جين وبستر”. تعود بي هذه الرواية لطفولتي حينما كنت أتسمر أمام شاشة التلفاز في انتظار إطلالة العزيزة “جودي آبوت” بطلة المسلسل الكرتوني “صاحب الظل الطويل” المأخوذ عن هذه الرواية. المسلسل الكرتوني لم يختلف عن الرواية التي تحكي قصة “جودي”، الفتاة التي تعيش حياة مزرية في ملجأ للأيتام، إلى أن يقوم أحد الأثرياء بالتكفل بالإنفاق عليها في دراستها الثانوية فالجامعية، شريطةَ أن تقوم بمراسلته بشكلٍ دوري لتنقل له أخبارها. تعرض الرواية رسائل “جودي” التي تفيض بالعفوية والحيوية فتنقل لقارئها عدوى البهجة وحب الحياة.

 

4- أسرار صغيرة

كتاب للإعلامية اللبنانية “ريتا خوري”. هذا الكتاب الرائع كان أشبه برحلة داخل عوالم “ريتا” الخفية التي تحررت من كل قيودٍ تكبلها وفتحت قلبها ومخازن أسرارها، لتحكي للقارئ عن حياتها، تجاربها، تفاصيلها، أحلامها، إخفاقاتها، أوجاعها، ومخاوفها. مع “ريتا” يتحول الحكي العفوي البسيط لقطع أدبية لا تُمل قراءتها. الكتاب مجموعة من التدوينات التي لا تعبر عن كاتبتها فقط، وإنما عن الكثير من نساء الوطن العربي.

 

5- طعام.. صلاة.. حب

كتاب للكاتبة الأمريكية “إليزابيث جليبرت”. سيرة روائية تحكي خلالها الكاتبة عن رحلتها التي استمرت لمدة عامٍ واحدٍ تنقلت خلاله ما بين إيطاليا، والهند، وإندونيسيا. إليزابيث المنهكة عاطفيًا بعد سلسلة من العلاقات الفاشلة قررت القيام بهذه الرحلة بحثًا عن السعادة، التوازن، والسلام النفسي. في إيطاليا استسلمت “إليزابيث” تمامًا لشهوة الطعام لمدة ثلاثة أشهر، ثم غادرت للهند حيث التقشف التام لسحق شهوات الجسد في سبيل إحياء الروح، ثم جاءت المحطة الأخيرة في بالي – إندونيسيا لتتعلم كيف توازن ما بين متطلبات الجسد والروح للوصول للسلام النفسي الذي كانت تنشده.

 

6- ترانيم في ظل تمارا

آخر ما كتب الأديب المصري “محمد عفيفي” قبل وفاته. كتاب رائع متفرد بذاته يحكي خلاله “عفيفي” ذكرياته مع زوجته أمينة، وأوجاعه على فراق ولديه اللذين فقد أحدهما شهيدًا والآخر مهاجرًا للولايات المتحدة الأمريكية. “ترانيم في ظل تمارا” بالفعل ترانيم في حب الطبيعة التي تراها بأعين مُحبة تفيض بالسلام النفسي الذي يجعل صاحبها يشرب الشاي بنكهة نور الضحى مرة وبالياسمين مرة أخرى، ويصادق الأشجار مانحًا كل واحدةٍ منها اسمًا، فتجد شجرة اسمها تمارا، وأخرى زهيرة، وأخرى رينا. وحتى الحيوانات لكلٍ منها اسمه الخاص، فالقطة “موني”، والكلب “صوت سيده”، والفراشة البيضاء “فروشة”. وهكذا ترى أن ترانيم عفيفي حالة فريدة من البساطة، السلالة، الروعة، والدفء.

 

7- قواعد العشق الأربعون: رواية عن جلال الدين الرومي

رواية للأديبة التركية “إليف شافاق”. هذه الرواية الرائعة التي تتغلل عميقًا في الروح أشبه برحلةٍ روحانية تصف للقارئ العلاقة التي ربطت ما بين المعلم الروحي المتصوف “شمس الدين التبريزي” وتلميذه الشاعر المتصوف “جلال الدين الرومي”. العلاقة التي نسجت من خلالها الكاتبة أربعين قاعدة للعشق الإلهي صالحة لكل زمانٍ ومكان. الرواية دعوة صريحة لأن ندين بدين الحب لنبذ التعصب، ولنكون أكثر تسامحًا مع أنفسنا والآخرين.

 

8- على فراش فرويد

رواية للكاتبة المصرية الشابة “نهلة كرم”. الرواية التي وصمها البعض بالجرأة الشديدة، لم أجد فيها إلا الصدق الشديد في التعبير عن حال الكثير من النساء اللاتي يتم إجبارهن على التخلي عن أحلامهن وطموحاتهن، وقتل مشاعرهن، وطمس أرواحهن لأجل السير في الطريق الذي رسمه المجتمع لهنَّ سلفًا. بين حكاية “نورا” وحكاية “مريم” تصحب “نهلة” القارئ في رحلة في أعماق الكثير من النساء، ليرى دواخلهن دون تنميقٍ أو تجميل، ليرى الحقيقة المجردة وليست الجرأة التي يتحدثون عنها ليتنصلوا من مشاركتهم في الوأد المعنوي للنساء.

 

9- البنت البردانة في قلبي

ديوان شعر بالعامية المصرية للكاتبة “سماح صادق”. الديوان الذي استغرقت في قراءته نصف ساعة فقط، ثم عدت لقراءته مراتٍ عدة، لم يحتل مكانًا في رف كتبي المفضلة فحسب، بل استطاع احتلال جزءٍ من قلبي لفرط بساطته وجماله وصدقه، فقصائد الديوان التي عبرت عن العديد من المشاعر والأحاسيس بكلماتِ بسيطة دون تكلف ولا تعقيد من الصعب أن لا تقتحم القلب اقتحامًا. ويظل لقصيدة “مراية” مكانة خاصة في نفسي.

 

10- نابروجادا

رواية للكاتبة المصرية الشابة “سلمى أنور”. ليست هذه المرة الأولى التي أكتب عن هذه الرواية، ولا أظنها الأخيرة، وإني لأشكر الصدفة التي جعلتني أقرؤها. رواية “نابروجادا” كانت حقًا بساطًا سحريًا حملني لحي نابروجادا في الدنمارك مخلفًا ورائي حصار غزة وعتمتها. جمعت الرواية العديد من الحكايات الشيقة التي كان القاسم المشترك فيما بينها الكاتبة التي عاشت تلك الحكايات ثم عادت لتحكيها للقراء وتصحبهم في رحلة غنية بالتجارب الإنسانية التي تمس شغاف القلب والروح.

 

الحديث عن الكتب لا ينتهي، ورف الكتب المفضلة ما زال ممتلئًا وأدرك تمامًا أنه قابل للزيادة. تختلف أذواقنا في الكتب بالطبع لكننا نتفق بالتأكيد في حب الكتب، الحب الذي يدوم ولا يخذل أبدًا. فاقرؤوا لتصحوا.

 

 

المقالة السابقةالقاهرة – غزة 4 : تلات حاجات حلوة
المقالة القادمةوأهدتني أمي مفاتيح العالم
نون
كاتبات

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا