القاهرة – غزة 2: لجميلتي سلام

864

دينا

1/1/2016

غالبًا كل الرسائل مسائية السهرة يا لقاء.. ولهذا مساؤك معطّر بروائح مشروب القرفة الساخن المنبعثة بجانبي، رائحة خشبية دافئة لا أستسيغها إلا شتاءً، كيف هي أحوالك في هذا البرد الذي يشتد يومًا عن الآخر.. أنا لا أتذمر بالتأكيد، فاشتداده يلائمني جدًا ويسعدني في الواقع. تفاصيله تزداد من حولي بكثافة بدءًا من الأبخرة الصباحية التي نتبارى أنا وابنتي في إخراجها من أفواهنا ونحن في انتظار الباص، مرورًا بكرات الصوف التي تحاوطني في كل زوايا البيت، حيث بدأت في غزل كوفية تلائم وشاح رأسي الأزرق، نهايةً بالغطاء الكاروهات الأحمر الذي أضعه على أكتافي ليلفني حتى أقدامي وأتجول في المنزل كمومياء مضحكة الهيئة، ويجدها زوجي فرصة ملائمة ليسخر مني كلما رآني به.

 

أكتب لكِ الرسالة الثانية ورسالتك السابقة عالقة بكل تفاصيلها في ذهني، لا أاستطع إحصاء عدد مرات قراءتي لها من كثرتها.. فالرسالة فيها من الجمال ما جعلني باهتة أمامها لا أقوى على النطق، خصوصًا حينما قرأتها أول مرة، تفاصيلها نابضة بحيوية أمامي حتى أنني تمنيت أن تكون كل صباحاتي فيروزية كصباحات غزة، وتمنيت أيضًا لو بعثتِ لي مع الرسالة أغنية بصوتك الذي أتشوّق جدًا لسماعه، متأكدة أنه سيؤنسني ككلماتك. فقط اكسري ذلك الاستحياء لتصلي بصوتك إلى مدى أبعد يسعدك ويجعلك أكثر ثقة بموهبتك.

 

الجميل في رسالتك يا لقاء بهجتها ودفئها الشديد، حتى مع حديثك عن هواجسك الخاصة ومخاوفك إلا أنها كانت مبهجة بالنسبة لي، وجاءت كضمة صغيرة منكِ لتؤازرني في محنتي وحزني، ولأجل تلك البهجة التي نحتاجها في أكثر أوقاتنا الحالكة سأنحّي أنا الأخرى كآبتي جانبًا لأستمتع معكِ بابتسامة مرتسمة على وجهي، ورسالة بها من سعادة ليلة رأس السنة التي تحل غدًا على العالم.

 

في الواقع أنا لا أمارس طقسًا احتفاليًا معينًا لتلك الليلة، ولكن رؤية الأشجار المزينة بالكرات الذهبية والحمراء تُدخل على نفسي سرورًا أستمده من حماسة “جنى” وهي تستعد لحفلتها المدرسية، أو حين اراها تخرج شجرتها الصغيرة التي ابتعناها بعد إلحاح منها، وكأننا ابتعنا قطعًا من البهجة الخالصة لها يا لقاء.. لو ترين انهماكها في تزيينها كما يحلو لها ثم تجلس جانبها بانبهار وتخبرني أنه لا ينقصنا سوى الثلج، ويفتح هذا علينا مناقشة طويلة أحاول أن أقنعها بها أن مصر لا تشهد ثلجًا ولا نتفات بيضاء حيث نقطن، أطبع قبلة على وجنتها وأخبرها بلطف أن لا تنتظر الثلج ولتكتفي بحب المطر.

 

أحب أن أعتقد أن الله كافأني بها، تلك الصغيرة المميزة.. منحني حبها وعطفها عليّ حين تأخذ دموعي بعيدًا وتهديني الابتسامات بديلاً، أحب أن أشعر أنها معجزتي التي أعطاني الله القدرة على تصديقها.. طفلة لها طبيعة كالفراشات خفيفة ملاطفة، أحب أن أطلق عليها لقب صديقتي الأحب والأقرب لي.. نتسامر معًا في كل شيء حتى في أمور الحب، فعقلها رغم طفولته يتعرفه.. أحبها حين تعتني بي وتأخذني في رحابة حضنها العميق، أحب أن أقلقها من نومها ليلاً وأهمس لها بخفة “أنا بحبك أوي يا جنى، وإنتي بتحبيني؟” فتهز رأسها الناعس بقوة بالإيجاب وتحتضنني ثم يأخذها النوم مني ثانية.. لا أعتب عليكِ لو فكرتِ فيّ كأم بلهاء توقظ ابنتها من النوم لتخبرها بحبها.

ولكنني أفعلها دون ندم لإيقاظ طفلتي، بل أقتنع أن همسي ذلك سيستقر في قلبها فورًا، هزّة رأسها التي تمنحني إياها في غفلتها كم هي صادقة وعفوية! ولكم تكفيني يا لقاء حقًا!

 

أحيانًا أخشى أن يمنحني الله طفلاً آخر ولا أعطيه من مشاعري كما أعطيتها، ماذا لو بقيت مفضلتي؟ وماذا لو أوقدت نار الغيرة في قلب أطفالي لأني لم أمنح حبي عدلاً.. نعم ليس في نيتنا أنا ووالدها أن ننجب حاليًا، ولكن ماذا لو حدث؟ كيف أعطي قطعًا من قلبي بالتساوي؟!

تزورني مثل تلك الأفكار كثيرًا وأبعدها، بقربي أكثر من ابنتي، واغتنام لحظاتنا الرائعة معًا، فقلبي الآن لها كاملاً فلتهنأ به وتستمع حتى الشبع.

 

حسنًا.. لقد أخذتك مرة ثانية نحو قلقي وأفكاري التعسة، فدعيني الآن أحدثك عن شيء عجيب أدركته حين كنت أقرأ مقال الجميلة هديل عبد السلام “15 أغنية تحكينا”، حين كنت أتمعّن في عناوين الأغاني التي سردتها بالمقال اكتشفت أنني إما شِخْت كثيرًا دون أن أشعر أو أنني أعيش في عالم موازٍ يستمع إلى ألحان أخرى غير تلك.

 

ضحكت من نفسى كثيرًا وأنا أتساءل بحيرة “مين فايا يونان؟!” وحمدت الله أنني أعرف “جوليا بطرس” و”مكاوي”.

سأخبرك بسر صغير.. أنا لم أستمع في حياتي لـ”مارسيل خليفة” أو”سعاد ماسي” أبدًا.. سؤال آخر يطرح نفسه بقوة عليّ “مين سعاد ماسي”؟!

أفكر وأنا اكتب لك وأسد أذني بصوت “أديل”، هل انغلاقي على الغربي وموسيقاه والحانة والاكتفاء بفيروز وحليم وعبد الوهاب كشرقي جعلني أفقد شيئًا ما بيني وبين هذا الجيل الذي يُلهمه نوع من الألحان والكلمات التي لم تعبر على أذني ولم تتطوع يدي بالبحث عنه لمعرفته.. لا أدري حقًا، ولكنني على الأقل أعرف أن هناك شخصًا ما يُدعى “محمد محسن” ويغني لسيد درويش، وهذا يعد إنجازًا صدقيني.

 

سأختم رسالتي لكِ بذلك الاعتراف الذي يعُرّيني من أي عمق حاول أحدهم أن يلبسني إياه دون إرادتي، وليكفيني درب فيروز سبيلاً.

 

“وغنية.. منسية،

ع دراج السهرية

رجعت الشتوية”

لجميلتي سلام.. سلام إلى فيروز.

 

تصبحين على ألف شمس مشرقة يا لقاء.

 

 

 

 

المقالة السابقة5 وصفات مختلفة وشهية للكوكيز
المقالة القادمةحب ما بعد الزواج

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا