مسلسلات رمضان 2020: ما كل هذا الملل والفيلر؟!

1035

لم أكد أشاهد الإعلانات التشويقية عن مسلسلات رمضان 2020 حتى شعرت للوهلة الأولى أن هناك شيئًا ما خطأ، أليست تلك هي مسلسلات العام الماضي بالضبط؟ تغيرت الأسماء، لكن ذات الوجوه، تؤدي ذات الأدوار بذات الطريقة والأداء؟ لكن مهلاً لعلي أستبق الأحداث، بالتأكيد هناك جديد، إن كان الممثلون يستسهلون التكرار، فهناك مخرجون ومنتجون يهمهم خروج أعمال مميزة وجيدة.

لكن ما بدا لي أكيدًا أن الأعمال الناجية من التأجيل بسبب كورونا، لم تنجُ من فخ التكرار والرتابة والملل، إلا أن المسألة الأغرب في كل هذا المشاهدون أنفسهم، وأنا منهم، حيث رحنا نتابع المسلسلات، ننفعل ونبكي ونضحك من جديد، كأننا لم نلحظ أن كل شيء مكرر حتى أن الثيمات لم تتغير منذ أربع سنوات على الأقل، ليصبح الممثل الحقيقي هو “نحن” المشاهدون.

الموعد السنوي لسجن محمد رمضان

أعلم بشكل شخصي كم يرفض الفنان محمد رمضان أعمالاً تُعرض عليه كل يوم باعتبارها “ضعيفة” مع بعض القوانين الخاصة التي يضعها لكتاب السيناريو، وعلى رأسها الجملة الشهيرة “أنا مش بموت في الأعمال اللي بقدمها”، فإذا ما كان هناك مشهد وفاة يقوم السيناريست بتغييره ليظل البطل الشجاع على قيد الحياة.

يدرك محمد رمضان مزاج الشعب المصري جيدا، لهذا حظي بجماهيرية متزايدة، رغم الهجوم، منذ العام 2014 وحتى الآن، فكرة البطل المظلوم الذي يتخلص من كل القيود وينتقم في النهاية ممن ظلموه، حالة المظلومية عموما وثيمة الانتقام، باللغة العامية “بتاكل مع الناس جدا”، لهذا يبدو السجن عنصرًا رئيسيًا يصر عليه في أعماله الدرامية، منذ ثلاث سنوات، تتكرر ذات التفاصيل بنفس طريقة التصوير، مع نفس المخرج -محمد سامي- يبدأ الأمر في كل مرة داخل حارة شعبية، وسط أسرة فقيرة، يموت الأب عادة في الحلقة الثالثة، ومن بعدها تتطور الأحداث. فكرة الأشقاء ودورهم، إيجابي أو سلبي ثيمة أساسية، ويأتي العنصر الأبرز والأشهر “دخول السجن” ولا يمر أمر السجن ببساطة، في البداية يجب أن يدخل قفص المحاكمة، ثم يصدر الحكم وسط لوعة العائلة، وأخيرًا المشهد الخالد، حين يتم رشه بالماء، وتعفيره بالمادة البيضاء المطهرة استعدادًا لقضاء مدته في السجن، كما حدث في “ابن حلال” 2014، و”الأسطورة” 2016، حتى حين أصبح ضابطًا دخل السجن أيضًا واتهم زورًا كالعادة في “نسر الصعيد” 2018، ليتكرر الأمر بأريحية في كل من “زلزال” 2019 وأخيرًا قرر أن يتعمق أكثر في حالة المظلومية مع اللجوء إلى القصة الأكثر جماهيرية في مصر وهي قصة سيدنا يوسف حيث أخذ عنها ثيمتها في “البرنس” 2020 ليحقق نجاحا ضخما رغم التكرار الممل.

قرار واضح لا أدري ممن، بأن تتواصل من اللوعة طوال المسلسل بحيث يواصل المشاهِد البكاء شاعرا بالضيق طوال فترة المشاهدة، مع وجود سيدة أو اثنتين في الخلفية تواصلان النوح والبكاء على حاله، سواء كانت فردوس عبد الحميد بصحبة روجينا، أو سلوى عثمان بصحبة إنعام الجريتلي هذا العام، وصولاً إلى مرحلة الانتقام العنيف جدًا، حيث يشعر المشاهد بالتشفي والسعادة حين يتمكن البطل محمد رمضان أخيرًا من النيل من أعدائه.

زوجة عادل إمام المتسلطة دائمًا

تفتقد أعمال الفنان عادل إمام عموما لفكرة احترام المرأة، هي عادة  آداة جنسي،ة بالسلب أو بالإيجاب، إما جميلة جدا تستحق المغازلة والتحرش، أو قبيحة جدا تستحق السخرية والخيانة.

أينما ظهر ووقتما بدأ مسلسله أصبحت متأكدة أنه لديه زوجة نكدة بكل تأكيد، إن لم تكن موجودة فسوف يرتحل من محافظة إلى أخرى ومن بلد لآخر حتى تكتمل الحدوتة، لكن الثابت في كل الحواديت هو الأداء الهادئ له باعتباره رجلاً حكيمًا خابرًا كل شيء ولم يعد هناك المزيد ليعرفه، ناهيك بأن المؤلف واحد تقريبًا مع اختلافات طفيفة، هو يوسف معاطي، أما الإخراج فهو ثابت لابنه رامي إمام.

كانت ثيمة النصب مع التنقل هي الأساس في مسلسلات مثل “فرقة ناجي عطالله”، حيث يمر “ناجي” وفرقته على عدد من الدول، منها لبنان وسوريا والعراق وتركيا، ومن بعده تكررت الثيمة بحذافيرها في مسلسل “العراف”، حيث ينتقل الرجل النصاب من محافظة إلى أخرى بدون أن تكتشف أجهزة الأمن أمره.

لكن يبدو أنه مل فلجأ إلى الثيمة التي استمرت حتى اليوم، حيث يظهر بصحبة زوجة متسلطة، جاء هذا على استحياء في مسلسل “صاحب السعادة”، حيث قدم شخصية “بهجت” وزوجته “عيشة”، لكن في السنوات التالية بدا أنه لا بأس من أن يضحك الجمهور على الزوجة وبالتالي يتعرف على امراة أخرى أكثر جمالاً وأنوثة منها، كما هي الحال في “عفاريت عدلي علام”، و”فلانتينو”.

من لبلبة إلى هالة صدقي وأخيرًا دلال عبد العزيز، تتغير البطلة وكذلك أداء الزوجة، ويبقى أداء عادل إمام واحدًا، مكررًا، مملاً للغاية، بحيث لم يعد هناك ما يضحك.

 

أمير كرارة الضابط بالفطرة

“عاوز تطلع إيه يا حبيبي؟ عاوز أطلع ظابط” ربما لهذا السبب يواصل أمير كرارة اللعب على ثيمة “البطولة” بالضغط على الحلم القديم لدى أكثر المشاهدين.

لن أتحدث عن مسلسل “الاختيار” تحديدًا، فالقصة والتفاصيل المتعلقة به أصعب وأثقل من الحديث عنه، لكن الأمر يتعلق بأمير كرارة نفسه، هذا هو العام الرابع على التوالي الذي يواصل فيه القيام بدور الضابط، بثلاث مواسم من “كلبش”، حيث ظهر بالشخصية الشهيرة “سليم الأنصاري” انتهاء بدوره في “الاختيار” حيث قدم شخصية البطل الشهيد أحمد المنسي، لم يبد أن هناك شيئًا ما تغير في الشكل أو الأداء، سليم الأنصاري هو نفسه المنسي هو نفسه أمير كرارة، نفس الشخص بنفس نبرة الصوت والأسلوب وتعبيرات الوجه، لا شيء تغير، بما في ذلك انبهار المشاهدين ومتابعتهم كأنهم يرون شيئا جديدا.

 

سكر زيادة مقتبس بإهمال

“أنا حلوة وهافضل حلوة طول عمري.. ” على الرغم من أنه يعد الظهور الأول لأكثرهن منذ سنوات عديدة، إلا أن قصة “سكر زيادة” بدت معروفة سلفًا، باعتباره مأخوذًا عن المسلسل الأمريكي الشهير The golden girls والذي عرض 7 مواسم متتالية، بداية من 1985 وحتى 1992، وصولاً إلى النسخة الإسرائيلية وعدد من النسخ الإسبانية والتركية واليونانية، حيث كرر الجميع ذات القصة والحبكة، باستثناء أن النسخة المصرية عامرة بالمبالغة والتصابي الفج، ففي الوقت الذي ظهرت فيه البطلات الأصليات بشعور بيضاء ووجوه مجعدة جاء الظهور المصري عامرًا بالبواريك الحمراء والصفراء والبناطيل الملونة، وكم مرعب من البوتوكس والفيلر اختفت خلفها أي قدرة على التأثير أو نقل المشاعر، فالرسالة الأصلية من العمل هو الجمال وإن كان مفتعلا.

حتى المختلف لم يسلم

“أنا خارج الصندوق شاهدوني” لا أنكر إعجابي بمسلسل “النهاية”، مجرد المحاولة للخروج عن المألوف أمر يستحق الثناء، لكن تشابه بعض المشاهد بين النهاية وعدد من الأعمال الأجنبية، ناهيك بالأداء المكرر ونبرة الصوت ذاتها التي يلتزم بها يوسف الشريف لم يلبث أن أصابني بالإحباط.

يحرص الشريف على التأكيد المستمر أنه خارج صندوق التكرار، وأنه يقدم أمورا  جديدة ومختلفة، عبر قصص مبتكرة، وبعيدة عن التوقعات، لكن ما يفوته في كل مرة أنه هو نفسه مكرر.

“أنا ممثلة عبقرية وأستطيع البكاء” ما تزال دينا الشربيني تبكي منذ العام الماضي رغم اختلاف القصة بين العامين، إلا أن الأداء واحد، ثيمة فقدان الذاكرة جمعتها بزميلتها ياسمين صبري في “فرصة تانية” لينضم إليهم عقب منتصف رمضان شريف منير في مسلسل “ونحب تاني ليه؟” حيث يبدو فقدان الظاهرة محببًا للغاية إلى كتاب السيناريو المصريين.

وسط كل هذا التكرار مع الكم الضخم من مسلسلات رمضان 2020 فقدت شهيتي لمشاهدة أي شيء، لن أتحدث عن “رجالة البيت”، فقد نال الكثير من التقريع والتجريح، كما لم أتحدث عن المسلسلات التي قدمها أبطال مسرح مصر، حيث يتواصل أداؤهم بذات الطريقة والأسلوب الساذج دون أدنى تغيير يذكر، هو ذات الشخص الذي يمثل على المسرح يأتي بنفس النبرة والوجه والشخصية ليمثل في مسلسل أو فيلم.. لا جديد تحت الشمس.

ما فعله بنا الفن الرديء

بحسب هشام بصيلة في كتابه “أنت مشاهد إذن أنت ناقد” فإن المشاهد هو صمام الأمان نحو فن جيد راق، لكن هذا لا يحدث في الحالة المصرية بالوقت الراهن، لأن المشاهد “مغلوب على أمره”، تهيئه البيئة المحيطة بكل تفاصيلها كي يصبح غير قادر على استيعاب الفن الجيد، وعاجزًا في الوقت نفسه عن رفض الفن الرديء.

الفن الجيد يحفز، يلهم، يثير الشغف ويضيء مناطق غير مرئية في نفوسنا، لكن ما يحدث لنا هو العكس، مع غياب فن جيد ومزيد من التكرار تصبح الحياة بالتزامن مع كل تلك الأخبار الحزينة والمخاوف اليومية، لا تطاق.

اقرأ أيضًا: بطلات مسلسلات رمضان 2020: كلهن يفتقدن الحب

المقالة السابقةمن زينة رمضان إلى بالونات العيد: طقوس البهجة رغم الحزن
المقالة القادمة10 كتب وروايات خفيفة تجعل الإجازة مختلفة
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا