أتذكر يوم الخميس، الثاني عشر من مارس الماضي، عاصفة التنين التي تغير معها كل شيء، وكأنها كانت حدثًا مفصليًا، أو التمهيد الذي يسبق تغير الحياة بشكلٍ كلي، فمنذ هذا التاريخ ونحن في منازلنا، والوقت يطول ويطول، بعد أن كانت أربع وعشرون ساعة تمر وكأنها مجرد دقائق.
أعلم أن جائحة فيروس كورونا المستجد، أعلنت عن نفسها قبل هذا التاريخ بكثير، لكننا في مصر أفقنا على وجودها بعد مرور تلك العاصفة الغريبة، فهل كانت نذيرًا؟ لا أعلم، لكن يبدو أنها كانت كذلك. أتذكر حالي قبل هذا التغير وأتعجب جدًا، كنت لا أجد وقتًا لأنام عدد الساعات الكافي لشخصٍ طبيعي، والآن لا شيء أكثر من الوقت.
على مدار أكثر من شهرين استنفدنا كل الحيل والأنشطة والألعاب لتمضية الوقت، لكن الملل يفرض سطوته على كل شيء، فنتذكر الحياة بالخارج وشوقنا إليها، ونفكر أن نكسر العزل المنزلي ولو ليومٍ واحد، علَّنا نبدد هذا الملل، دون أن تدري بنا الكورونا اللعينة، لكننا نعود لصوابنا عندما نتذكر أحبابًا، قد يؤذيهم انتصار الملل علينا.
وها هو عيد الفطر المبارك يأتي، ويضعنا في اختبارٍ جديد مع الصمود، فالعيد يعني الفرحة والانطلاق وزيارة الأحباب، لكن لأجل الأحباب والأصدقاء، سنصمد كما فعلنا في رمضان، وسنصنع البهجة في منازلنا، وسنتواصل مع الأحباب إلكترونيًا صوتًا وصورة، وما أكثر التطبيقات التي تمكننا من ذلك، وسنجد أنشطة جديدة نزجي بها الوقت، وما أن تذهب هذه الجائحة، سنعوض كل ما فاتنا ونحن معًا، لم يغادرنا أحد.
لست هنا لأبيع لقارئي الوهم، فأخبره أن القراءة هي النشاط الأفضل على الإطلاق، الذي سيبدد الملل ويقتل الضجر، ويجعلك تتقبل العزل المنزلي بصدرٍ رحب، فرغم أني قارئة منذ قرابة خمسة عشر عامًا، لم تستطع القراءة أن تكون الحل الدائم الذي يهون مرارة العزل المنزلي وطول أيامه.
كيف نشفى من حب القراءة؟
أعترف أني مررت كثيرًا بقفلةِ قراءة، فكنت أمسك كتابًا، وما أكثر الكتب التي اشتريتها من معرض القاهرة الدولي للكتاب! فأقرأ صفحة اثنتين ثلاث، ثم أغلقه، لا لأن الكتاب ممل أو سيئ، بل لأن حالتي النفسية مع طول الانعزال لم تعد في أحسن حالاتها. هل هذا يعني أن القراءة نشاط غير مجدٍ مع الملل؟ على العكس تمامًا، فما عرفت نشاطًا أكثر مقاومة لضجر هذه الأيام الطوال، إلا القراءة، وما وجدت صحبة أجمل من صحبة الكتب، لكني بدأت باعترافٍ من غيره سيظن كثيرون أن بهم علة ما، وأنا فقط أريد طمأنة الجميع بأن كل الطبيعي، من غرق في الكتب ومن عافها في هذه الجائحة.
العزل المنزلي حرمنا الخروج للشوارع، الذهاب للمقاهي، السفر والقيام بالرحلات، حضور الحفلات، وأكثر. فماذا إن أصبح كل هذا داخل منزلك؟ بل هو بالفعل داخل منزلك، فالكتب رحلاتٍ مؤجلة، فمن أن تقرأ أحدها، حتى يأخذك في رحلةٍ عجيبة أو تجربة مثيرة أو مغامرة محفوفة بالمخاطر. مع الكتب يمكنك أن تزور بيتًا مسكونًا بالأشباح، أو تركض وراء مجرم، أو تقابل جني المصباح أو تزور بلدك في الماضي، فخيالك هو حصانك الذي سيطير بك بين السطور والكلمات إلى أرحب الفضاءات.
في هذا المقال، أرشح 10 كتب وروايات، قضيت معها أوقاتًا رائعة، وأحسب وأتمنى أن يجد فيها غيري متعته، حاولت أن تكون القائمة متنوعة ما بين الكتب والروايات، الأدب العربي والمترجم، القراء المحترفين ومن يتلمسون طريق القراءة من جديد، للجميع: قراءة ممتعة.
1. أبي طويل الساقين وعدوي اللدود
كلما طلب مني أحدهم ترشيحًا للقراءة، أرشح على الفور رواية “أبي طويل الساقين”، لا أعلم هل الرواية رائعة بالفعل أم أن ارتباطي بالعزيزة “جودي آبوت” صديقة الطفولة، هو ما يجعلني أهيم حبًا في هذه الرواية. “جودي” اليتيمة المكافحة التي علمتنا الكثير في طفولتنا، لم نجده في أميرات ديزني اللاتي ينتظرن الحلول الجاهزة من فرسانهن على الدوام.
“أبي طويل الساقين” و”عدوي اللدود” ثنائية روائية للكاتبة الأميركية جين ويبستر. الرواية الأولى عبارة عن مراسلات ما بين “جودي”، فتاة يتيمة تعيش في ملجأ للأيتام، يتكفل بها وبتعليمها رجل مجهول الهوية بالنسبة إليها، مقابل أن تكتب له رسائل تخبره عن حياتها، فتبدأ رسائلها دومًا بـ”أبي العزيز طويل الساقين”. أما الجزء الثاني “عدوي اللدود” فهي عبارة عن مراسلات “سالي مكبرايد”، الصديقة الأقرب لـ”جودي،” حيث تعهد إلى “سالي” بمهمة الإشراف على ملجأ جون غرير للأيتام.
2. إذاعة الأغاني
“الكون كله بيدور” أغنية جميلة تشعرك بحالة من البهجة، أحبها وكلما سمعتها تذكرت 6 أيام، من أصعب وأجمل وأفضل أيام حياتي، مجموعة من الذكريات والوجوه والمشاعر أصبحت مرتبطة تمامًا بهذه الأغنية، نفس الأمر كان مع الكاتب المصري عمر طاهر، الذي كتب عن ذكرياته مع هذه الأغنية وغيرها في كتابه “إذاعة الأغاني”.
الكتاب عبارة عن 21 حكاية من أجمل ما كتب طاهر، حيث يأخذ القارئ في رحلة إلى عالمه، ويشاركه ذكرياته وملابسات سماعه لكل أغنية، مع أسلوب عمر طاهر السهل الممتنع، وعذوبة الأغاني والموسيقى ستمر أيام العيد أفضل ما يكون.
3. هي وهو
رواية “هي وهو” من أجمل روايات الكاتب الفرنسي الشهير مارك ليفي. رواية قادرة على أخذك من يدك لجولة في شوارع العاصمة الفرنسية باريس، حيث المقاهي العامرة بروادها، المتاحف، الأوبرا، والحياة الباريسية الأنيقة.
تدور أحداث الرواية حول هو “بول” كاتب أمريكي، كانت روايته الأولى ضمن قوائم الأفضل مبيعًا لفترة طويلة، ثم خابت كل الروايات التي كتبها بعد ذلك، فينتقل للعيش في باريس باحثًا عن إلهامٍ يعيده للقوائم الرائجة مرة أخرى. أما هي “ميا” ممثلة إنجليزية شهيرة، تعيش علاقة عاطفية معقدة مع زوج غير مخلص، تقرر ترك حياة الفن والفنانين، والسفر إلى باريس للعمل كنادلة، وهناك تلتقي “بول”، ونعيش معهما علاقة هي وهو، بكل كما فيها من شد وجذب وتحولات.
4. بعلم الوصول
رسائل الشوق والمحبة، مجموعة من الرسائل القديمة المنسية بين الكتب أو في المقتنيات والملابس القديمة، جمعها الكاتب أحمد خير الدين على مدار عدة سنواتٍ، حتى أصبح وجهًا مألوفًا لكل باعة المقتنيات والكتب القديمة.
شغف خير الدين بالرسائل وُلد من تلهفه على رسائل والده المغترب ما بين السعودية والإمارات، يقول خير الدين: “لم أكن عباس البوسطجي في قصة يحيى حقي، لكني شاركته الهوس بفتح الرسائل الواردة واكتشاف حياة البشر المحيطين به، أقارن بين الرسائل، وأقتفي أثر اللغة وتطورها بمرور الأيام، وأتأثر بتعبيرات أصحاب الخطابات عن مشاعرهم في علاقات الحب والأخوة والصداقة، ويمتد بي الهوس من تاجر إلى آخر ومن رسالة إلى آلاف”.
إن كنت من محبي أدب الرسائل، فهذا الكتاب لك، فهو تجربة ثرية تأخذك إلى عوالم مختلفة باختلاف أبطال هذه الرسائل وحكاياتهم.
5. نون
رواية “نون” للكاتبة الجميلة سحر الموجي، أقرب الروايات إلى قلبي، قرأتها مرة واثنتين وثلاث، وأعرف أن أمامي مراتٍ عدة للإبحار في عوالم هذه الرواية الرائعة. تدور أحداث الرواية حول أربعة أصدقاء: “سارة”، “حسام”، “دنيا”، “نورا”. شخصيات متباينة تجمعهم علاقة إنسانية مرهفة، نعيش معهم أحلامهم وأوجاعهم ونظرتهم للحياة والعلاقات العاطفية والإنسانية وبحثهم عن الذات، في جو فرعوني غريب. تنتهي الرواية وأنت مؤمن أنه “لسة فيه سِحر في العالم”.
6. كل البنات حلوين/ لهذا اخترت أن أحكي
كواحدة من كاتبات “نون”، فشهادتي مجروحة في هذين الكتابين، لكن يعلم الله أني قارئة مخلصة لكتابات “نون”، أكثر من كوني كاتبة ضمن كاتباتها، وقد يشفع لي أني لم أشارك فيهما بأي مقال.
“كل البنات حلوين”، مجموعة من أجمل مقالات “نون” في واحدة من أقوى حملاتها، حملة “كل البنات حلوين”، التي ساعدت آلاف الفتيات على قبول أنفسهن والخروج من قولبة المجتمع لهن فيما يتعلق بمعايير الجمال النمطية. الكتاب رسالة محبة وقبول من “نون” لكل امرأة، وقبلة على جبينها تخبرها بأنها حلوة كما هي.
ولأن “نون” تؤمن بأن الحكي قوة، كان كتاب “لهذا اخترت أن أحكي”، مجموعة من الحكايات على لسان كاتبات واعيات لثقافة الحكي وأهمية المشاركة والتعبير عن المشاعر، كاتبات استطعن أن يكسرن كل الدوائر التي أُغلقت على أفكارهن وأحلامهن ومخاوفهن، وسجلن انتصارهن على الأزمة وعلى الحياة.
7. لقيطة إسطنبول
رواية للكاتبة التركية الشهيرة إليف شافاق، لها مذاق حلوى العاشوراء، حتى أن فصولها عنونت بمكونات هذا الطبق اللذيذ. غالبية شخصيات الرواية نساء، أبرزهن “آسيا” و”آرمانوش”. الأولى من عائلة “قازانجي” التي تعيش في إسطنبول والثانية أرمينية من عائلة “تشكمكجيان” الهاربة من إسطنبول، وما بين العائلتين تتشابك الأحداث والصلات بطريقة غريبة للغاية، تُجاهد “آسيا” لتهرب من الماضي بينما تجاهد “آرمانوش” للوصول إليه، وما بين هروب الأولى وسعي الثانية، نشاهد كيف عانى “الأرمن” من إبادة عرقية على يد الأتراك قديمًا، وكيف يحاول الأتراك حاضرًا إبادة كل ما يربطهم بالماضي.
8. أشياء غريبة يقولها الزبائن في متاجر الكتب
عشاق الكتب والمكتبات سيقعون في غرام هذا الكتاب البسيط اللطيف بجزئيه الأول والثاني، فهو من نوعية الكتب التي تُلتهم في جلسة واحدة لسلاستها. يستعرض الكتاب مجموعة من المواقف الطريفة التي تُقابل أمناء المكتبات وباعة الكتب خلال عملهم. من هذه المواقف الطريفة، زبون يسأل: ما هي الكتب التي يمكنني شراؤها من هنا، والتي ستجعل الضيوف في منزلي يقولون في أنفسهم: “واو، هذا رجل ذكي جدًا!”.
9. كالماء للشوكولاتة
رواية مدهشة للكاتبة المكسيكية “لورا أسكيبيل”، كُتبت الرواية في 12 فصلاً، كل فصل معنون بشهر ميلادي ابتداءً بيناير وانتهاءً بديسمبر، وكل شهر مرتبط بطعام مكسيكي معين، تصف الكاتبة مكوناته وطعمه في بداية الفصل قبل الدخول في الأحداث، ما يجعل هذه الرواية واحدة من فواتح الشهية. تدور أحداث الرواية حول عائلة “دي لا جارثا”، الأم المتسلطة “إيلينا”، وثلاث فتيات “روساورا”، “خيرتروديس” و”تيتا”. وبحسب العادات والتقاليد المكسيكية تُحرم الفتاة الصغرى “تيتا” من الزواج، حتى ترعى والدتها إلى أن تموت.
“تيتا” مرتبطة عاطفيًا بالشاب “بيدرو” لكن والدتها ترفض زواجهما تنفيذًا للتقاليد، فيتزوج من أختها “روساورا” ونعيش مع الثنائي البائس 22 عامًا من الشد والجذب والصبر على الحب المستعر داخلهما.
10. حجرتان وصالة: متتالية منزلية
متتالية قصصية للكاتب الراحل إبراهيم أصلان، تشبه المتتالية حياتنا الحالية في ظل العزل المنزلي، فهي تحكي عن موظف مصري أحيل للتقاعد، فجلس إلى جانب زوجته في المنزل، وهي الجلسة التي تفجر الكثير من المواقف الإنسانية الرائعة، بعضها مضحك وبعضها مبكٍ، متتالية جميلة لها رائحة وتفاصيل البيوت المصرية الدافئة.
اقرأ أيضًا: 5 روايات مترجمة غيرت نظرتي للحياة