بطلات مسلسلات رمضان 2020: كلهن يفتقدن الحب

1603

في مسلسلات رمضان الكثيرة هذا العام، من اللافت للنظر الحضور القوي للبطلات من النساء، وهو ما يجعل الدراما عادة أكثر حميمية، لكن الأوضح من حضور النساء هو تجلي حاجتهن للحُب. وهو الأمر الذي لم يكن لافتًا في مسلسلات رمضان في سنوات سابقة، حيث كان “تحقيق الذات” و”استجلاب الحقوق” هما محور احتياجات البطلة، وحيث الثقة أو القوة أو الغنج هي السمات الأشهر في الشخصيات النسائية في المسلسلات القديمة. مثل أغلب نساء “حديث الصباح والمساء”، “ليالي الحلمية”، “الراية البيضا”، “ضمير أبلة حكمت”، وغيرها من المسلسلات.

ونحب تاني ليه؟

نجد ياسمين عبد العزيز في مسلسل “ونحب تاني ليه؟” تجسد دور المرأة في منتصف العمر التي تحتاج إلى الحُب، هو محور حياتها وسبب انشغالها وهمها، تعيد شخصية “غالية” لخيالنا، مشاهد البنت المراهقة لكن في جسد امرأة ناضجة، وهو ما يتسق تمامًا مع الكثير من النساء الآن واللاتي تفتقرن للحُب وتنشدنه في المسلسلات أو الكتب خوفًا من العلاقات السامة التي خضنها في بداية حياتهن، تسأل “غالية” “مراد” الأسئلة التي تراود كل امرأة تتوق للحُب وتخافه في آن: “هتحافظ عليَّ؟ توعدني تبقى حنين عليَّ؟ توعدني تبقى صريح معايا؟ الرسالة الضمنية التي تحملها الشخصية للنساء هي “حِبّي تاني” ولا تخافي، ومع ذلك كل النساء يترقبن اللحظة التي ستنقلب فيها الطاولة وينتهي الحُب بجرح عظيم.

لعبة النسيان

“لعبة النسيان” من مسلسلات رمضان التي نجد فيه شخصيتين نسائيتين على النقيض، “لميا” و”نادين” أخت زوجها. “لميا” شخصية قوية ومتحققة، تعيش مع زوج محب ومتفهم، ولا يضيره أنها تفرض شخصيتها المختلفة عنه، أما “نادين” فهي شخصية مهزومة في ثقتها في الحب وبالتالي في نفسها، تعيش وحيدة على أثر تجربة ارتباط سيئة عانت فيها من العنف. وكنت أتمنى أن يقدم العمل العكس، لأن المهزوزة بحاجة أكبر للحب. لكن يبدو أن المسلسل أكثر واقعية من أحلامي، لأن المرأة الأكثر احتياجًا للحب هي من تبقى وحيدة.. أو أن الوحدة تدفعها لتكون أكثر احتياجًا للحُب.

فرصة تانية

في مسلسل “لما كنا صغيرين” ومسلسل “فرصة تانية” نجد شخصيتين نسائيتين مثيرتين للشفقة، شخصية “هالة” التي تجسدها منّة فضالي في “لما كنا صغيرين”، والتي تطارد طليقها وتصر على العودة له أو أن تكون في حياته، بل وتهدد أي امرأة تقترب منه وتؤذيها. وشخصية “ريهام” التي تجسدها أيتن عامر في “فرصة تانية”، وهي المرأة التي تطارد رجلاً لا يحبها، وتجبره بالابتزاز العاطفي على الارتباط بها، ثم تعيش معه في مقابل مشاعرها ومالها واهتمامها، كأنها تقايضه. النموذجان واقعيان، يتحملان إهانة بشعة من الرجال، ومع الأسف أنها إهانة مقبولة منهن ومن المجتمع، إذ كيف تفرض امرأة نفسها على رجل لدرجة تقبُّل الإيذاء النفسي والبدني برحابة. هؤلاء النساء يفتقدن بشدة إلى حب أنفسهن وتقديرها. الرسالة التي تصل للمُشاهد من الشخصيتين هي “توقفي عن بخس مشاعرك” لأن هذا يفقدك الاحترام.

ليالينا 80

في مسلسل “ليالينا 80” كل النساء تفتقدن الحُب، تجسد غادة عادل دور “مريم” الزوجة التي تعيش مع زوجها في جفاء وبُعد نفسي خلقته باختيارها، المرأة التي لا تتراجع ولا تلين لأن مشاعرها نضبت بالمسافات، وحتى صدمة الخيانة تواجهها بالصمت واللا مبالاة، لأنها لا تملك من المشاعر إلا الإحباط. ذكرني هذا الموقف بأنني عندما أكون في حالة من الإحباط والحزن لا أخاف من الصراصير. أو الأشياء التي دائمًا تخيفني. تحمل الشخصية رسالة أنه “لا تلُم امرأة على الجفاء إن لم تُشعرها بالحب”.

بـ100 وش

“إكمني وحدانية مليش ولا قريب ولا حبيب ولا غريب”، الجملة كررتها شخصية “نجلاء” التي جسدتها دنيا ماهر في مسلسل “بـ100 وش” أحد أهم مسلسلات رمضان، والتي أصبحت أيقونة بين المشاهدين، ليس فقط بسبب كاريزما الشخصية البسيطة التي تشبه الكثير من النساء، لكن لأن الجملة لمست أوتار الشعور بالوحدة عند الناس، فتأثر بها الجميع رجالاً ونساء، وأصبحت حالة اجتماعية مثل: أعزب/متزوج/ مليش قريب ولا حبيب ولا غريب. لطالما كان الهزل هو طريقة تعبير الإنسان عما يدفنه في نفسه من مشاعر. وأتت هذه الجملة لتكشف المشاعر الدفينة تمامًا وتجعلها مادة للضحك، وهي طريقة قديمة يتبعها الإنسان ليسخر من أوجاعه. نجحت “نجلاء” في أن تجعل الوحدة أقل حِدة، وأن تصير ببحثها عن الأهل والأصدقاء والحب والونس، جزءًا من كل مشاهد.

اللي قادرة

من أكثر المشاهد الدرامية التي أثارت اللغط في وسائل التواصل الاجتماعي هي أغنية “اللي قادرة”، المُصوّرة على مشاهد من مسلسل “ليه لأ”، والتي ظهرت فيها البطلة أمينة خليل كعروس تترك حفل الزفاف، تمامًا في اللحظة التي يُفترض فيها أن توقّع عقد الزواج. المشهد الذي رأيته مُلهمًا ومدهشًا، يعبر بشدة عن قوة اتخاذ القرار أيًّا كان الزمان والمكان، يعبر عن مقاومة الضغط النفسي والاجتماعي الذي قد يؤدي بفتاة حرّة أن تختار ما لا يناسبها ولا يسعدها، موقف لا يمكن أن تقوم به إلّا امرأة قوية كفاية لتتحمل تبعاته، امرأة أدركت لحظة التنوير حتى لو متأخرة.

الغريب أن بعض رواد فيسبوك وجدوا في المشهد سببًا للنفور والضيق، والذي عبروا عنه بهذلية وقارنوه بموقف الشاب الذي هرب من فرحه منذ عدة أشهر آخذًا معه “تورتة الفرح”، بحجة الازدواجية في المعايير وأن كليهما سبب للفضيحة، مع إضافة أن الكليب دعوة فجة لتحريض البنات على الفساد والتمرد. والمقارنة هنا مجحفة بين شخص خطط لفضيحة آخر وشخص قرر أن ينقذ نفسه. بين شخص فكر كيف يخذل الآخر وشخص فكر ألا يخذل نفسه. إن نقد البعض لمشهد تراجع العروس في اللحظة الأخيرة هو بالضبط السبب في استمرار العلاقات السامة بحجة “استحمل/ي” “كل الرجالة/الستات كده” “بلاش فضايح”. وهو السبب لرفض المجمتع للمطلقات. إذا كان تراجع عروس فضيحة فكيف يكون طلاق امرأة؟

سكر زيادة

في مسلسل “سكر زيادة” وبرغم اللغط حول عمليات التجميل التي تشوه القدرة التمثيلية للفنانات، وبرغم الشائع أن الفنان عادة ما يفقد شعبيته مع التقدم في السن، لكن نجد هنا فنانات تحدين المتعارف عليه من الأفكار والانتقادات، بل وتحدين القوالب الجاهزة التي اعتدن التمثيل من خلالها. استخدمن الكوميديا للعودة، وهو ما أراه مناسبًا وجذابًا، خصوصًا في غياب هذا النوع من الكوميديا غير المفتعلة. في صور وألوان جذابة ومحتوى أشبه بالسيت كوم، تقدم البطلات بخفة وبعيدًا عن تاريخهن وأدوارهن المتعددة، رسالة بسيطة لكن عميقة في محتواها “حِبّي الحياة” أيًّا كان عمرك، لأنه لا يوجد تاريخ صلاحية لحب الحياة.

رغم المبالغات في أداء الكثير من الشخصيات الدرامية النسائية والكثير من القوالب المكررة، تبقى هناك دائمًا فكرة ولقطة تثير في المُشاهد تحليل ما، وتدعوه لمراقبة حياته وحياة الآخرين للتعلم وللمزيد من الفهم. تجعله يشعر أنه هو من عاش هذه الحياة، هو من قال هذه الجملة، هو من مرّ بنفس الشعور، هو من عايش نفس المأساة، هو من مرّ بنفس الموقف، هو من يحتاج إلى هذه الرسالة في هذا الوقت. وهذا هو دور الفن، المتعة والإلهام.

اقرأ أيضًا: الكاتبات والوحدة

في مسلسلات رمضان.. الاستحواذ باسم الحب

المقالة السابقةفي العزل المنزلي: 7 دروس تعلمتها عن نفسي وعن الحياة
المقالة القادمةتم البدر بدري.. لكن إن فاتتك بهجة رمضان يمكنك تعويضها

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا