دائرة الفقد والألم

1608

بقلم: هايدي كارم

شارك في الكتابة: د/ مشيرة أنيس – عبير نافع

تجمعنا دائرة واحدة وتفرقنا البلدان، نشترك نحن الثلاث في دائرة الألم والفقد ولكن بصور مختلفة، أجمعنا أننا سوف نقاوم أنفسنا أولاً، ولكننا اكتشفنا أن معركتنا دائرة خارجنا، وعلينا أن نقاومها هي الأخرى.

ثلاث أمهات لأطفال من ذوي الهمم

أولنا هي طبيبة نفسية (باختيارها)، تعمل في مجال ذوي الإعاقة منذ أعوام، ولديها العديد من الخبرات والتجارب العلاجية، كانت تظن أنها تعرفت على معنى الفقد والحزن من خلالها، أكملت دراساتها العليا في هذا المجال، إلى أن رزقت بطفلة فتحت لها ولغيرها أبوابًا جديدة، اختبرت معها مشاعر الفقد التي كانت تظن أنها تعرفها قبلاً.

أما الثانية فهي طفلة مرحة على هيئة أم، روحها طاغية على أي شيء رغم جمال وجهها، اختارت أن تسلك طريقًا فريدًا للتوعية بابنتها من ذوي متلازمة داون، علّها تترك أثرً.، لم يكن الأمر سهلاً كما هو ظاهر للبعض، ولا يزال، ولكني على ثقة أنها ستظل تحاول. أما آخرنا هي طبيبة صيدلانية، نشأت علاقتي بدائرة الفقد والألم منذ الصغر، حتى أنني لا أتذكر كم كان عمري وقتها، وعادت مرة أخرى منذ الانضمام إلى أُسر ذوي متلازمة داون والاستماع إلى ما يدور خلف الوجوه المبتسمة، ثم الدراسة والعمل بهذا المجال.

قررنا أن نشارككم بعض الأفكار والمعتقدات عن الفقد، التي عايشناها نحن بأنفسنا أو رُيوت لنا من أمهات وآباء مروا بدائرة الفقد النفسي عندما رزقوا بأطفال من ذوي الهمم، آملين أن يتعرف الآخر على ما يجري خارج عالمه، أو يَشعُر بما لم يَختَبر من قبل. لذا سوف نصطحبك معنا في هذه السطور، لتعريف مشاعرنا بالفقد النفسي لأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، ومقدمي خدمة علاجية وتوعوية للأسر، وكيف لبعض عبارات المواساة المتعارف عليها قد تزيد من وقع الألم النفسي للفقد.

اقرأ أيضًا: ما تعرف عن ذوي متلازمة داون؟

ما هو الفقد النفسي؟

الوجه الأشهر للفقد والذي يتفهمه الكثيرون هو الوفاة، كفقد الشريك أو فقد أحد أفراد الأسرة أو الأصدقاء، ولكن للفقد وجوه أخرى يمر بها البعض دون أن يشعر بهم أحد، مما يزيد معاناتهم وقدرتهم على المقاومة، مثل فقد الأم لجنينها الذي لم يأت للعالم بعد، فيعتبره من حولها كأنه لم يكن، كما أن الإصابه بالأمراض المزمنة أو الإعاقات جسدية أو نفسية، لك أو لأحد أفراد الأسرة تعتبر نوعًا من أنواع الفقد والخسارة التي لا تعوض، ويجب التكيف معها، مثل إصابة كبار السن بالآلزهايمر. تخيل أنك تعيش مع أحد لسنوات وتجمعكما روابط نفسية وذكريات ممتدة ولكنه لم يعد يتذكر أيًّا منها، فتشعر أنك فقدت هذا الشخص رغم وجوده.

يتراوح الفقد النفسي ما بين فقد أبسط الأشياء الحياتية، كفقد الأشياء المادية، أو الفشل في تحقيق خطة ما، حتى يصل إلى فقد بعض الأشخاص الذين يشاركونك الحياة. نتفق جميعًا أن كل الفقد مؤلم، ولكنه ليس بنفس المستوى النفسي، كما يختلف رد فعل كل منا حيال الشعور بالفقد، وفقًا لعوامل نفسية وبيئية، وكيف يتعامل الشخص مع هذا الشعور. يمر كل منا بتجربته الفريدة للتعامل مع الفقد قد يشاركه بعض من حوله هذه الرحلة، والبعض الآخر لا يعرف كيفية التعامل مع الشخص في هذه المرحلة.

اقرأ أيضًا: ماذا بعد رحيل الاحباب! كيف شكلتني تجارب الفقد والرحيل؟

كيف نتعامل مع الفقد؟

يختلف تعاملنا مع شعور الفقد باختلاف البشر، فليس من الضروري أن يمر جميعنا بجميع مراحل الفقد، كما أنه لا يوجد ترتيب محدد أو فترة زمنية محددة لمراحل الفقد الخمسة، البعض قد تستمر مراحل الفقد لسنوات والبعض الآخر قد تنتهي في فترة أقصر. سيل من المشاعر والأفكار تدور داخل كل من فقد شيئًا أو شخصًا كان يمثل له الكثير يومًا ما، البعض ينكرها والآخر قرر أن يواجه ما يدور بداخله، إضافة إلى ما يتعرض له مِمَن حوله ظنًا منهم أنهم يقدمون المساندة، فبعض العبارات التي يتعرض لها الأشخاص وقت الألم قد لا تدعم بل تدمي القلوب.

مراحل الفقد أو الحزن هي خمس، يمر بها الإنسان لمواجهة هذا الشعور، بقيادة العقل اللا واعي، فعند تعرض الشخص لألم نفسي يبدأ الجسم بإفراز هرمونات التوتر، والتي بدورها تعطي إشارة للعقل أن هناك خطرًا ويجب فرض الحماية لتجنب الألم النفسي أو التخفيف من حدته لتبدأ مراحل الفقد الخمسة وهي (الإنكار، الغضب، المساومة، الاكتئاب والقبول)، متى مررنا بهم ووصلنا للمرحلة الأخيرة، تحررنا من الألم، ولكن هذه حكاية أخرى نسردها لكم لاحقًا.

اقرأ أيضًا: عن اختبار الفقد

المقالة السابقةنداءات معية الله التي لم نفهمها
المقالة القادمة3 أسباب للوقوع بحب حلقة لم الشمل من فريندز
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا