3 أسباب للوقوع بحب حلقة لم الشمل من فريندز

1380

friends: the reunion

كلمة أنا متحلاش إلا بدفا الجماعة

زى لمّا تخبط على باب الحبايب ويسألوا: مين؟

 تقول: أنا، ويعرفوك من حِسَّك.

1. في البدء كانت الألفة

مثل الكثيرين غيري، وكواحدة ضمن جماهير مسلسل “فريندز” الأوفياء، كنت أنتظر حلقة الـ”Reunion” التي عُرضت قبل يومين وجمعت بعضًا مِن أحب الأشخاص إلى قلبي معًا على الشاشة. الأصدقاء الذين برغم غيابهم الدرامي لسنوات طويلة، لم يفارقوا أيامي، وظلوا بشكل أو بآخر رفقاء دربي العسير.

تبدأ الحلقة بدخول “ديفيد/روس”، إلى موقع التصوير القديم، حيث ديكور شقة “مونيكا”، أبتسم ابتسامة هادئة بحنين جارف وإن شابه غُصَّة، فهذا الرجل صديقي، أعرفه من مكان وزمان ما. ثم سرعان ما يتوافد الخمسة الباقون واحدًا تلو الآخر، لأتمنى لو كان بإمكاني اختراع آلة زمن تجعلني واحدة منهم أو على الأقل معهم الآن. فهؤلاء الذين لم ألتقِهم يومًا إلا وكان بيني وبينهم ذلك الحاجز الزجاجي اللعين، فيما أشاهدهم يتلون سطورًا أُعدِّت لهم مُسبقًا، استطاعوا أن يكونوا لي ملاذًا دافئًا وسندًا خلال أشهر الحمل، والسنوات التي تلت ولادة ابنتي وجاءت مليئة بالاكتئاب والوجع وساعات السهر الطويلة. أتذكر كيف ظللت لثلاث سنوات كاملة أو ربما أكثر لا أشاهد أي شيء على الإطلاق طوال اليوم سوى “فريندز”، لساعات وساعات وساعات، حتى بات الخلفية الموسيقية لحياتي وحياة طفلتي، ينتهي فأُعيده من جديد، أضحك وأبكي معه، تمامًا كما فعلت بالمرة الأولى.

يتوالى سرد الأبطال للكثير من الحكايات والحوارات والكواليس، بالتزامن مع عرض مشاهد أحببتها، وأجزاء من حلقات كانت حجر أساس وحائط صد ضد الأحزان والأوجاع في ماضيَّ. فتتوافد إلى رأسي الذكريات، الحلقة الأولى التي شاهدتها بالصدفة بأواخر التسعينيات في بيت عمتي مع ابنها الذي يكبرني بسنوات، والتي كانت سببًا في أن أطلب من والدي أن نحظى بالـ”دِّش”، لأستكمل متابعة ما يدور بحياة هؤلاء الأعزاء.

كنت وقتها أصغر من المرحلة العمرية التي يمر بها الأبطال، مما جعلني أرى المسلسل عملاً طريفًا تُضحكني مواقفه، لكن مع وصولي العشرينيات وبلوغي أعمارهم، أعدت اكتشافهم، استشعرت أوجاعهم وأفراحهم بإنجازاتهم مهما كانت بسيطة، وعانيت مثلهم من القلب المكسور والوظيفة التي لا أحبها والعالم الذي لا يُشبهني، واختبرت ضرر أن يرفع الأهل سقف توقعاتهم طوال الوقت، مما يضع أولادهم في مأزق المثالية المُخادع، والمحاولات الدائمة للوصول للكَمَال وإلا تعرَّضوا للكثير من النقد والعتاب.

كل شيء راجع ومش راجع.

اقرأ أيضًا: باترون للصداقات المثالية

2. ثم جاءت الفكرة وانكشفت الحقيقة

أين ذهب أبطال العمل القدامى؟ كان هذا التساؤل الذي دار بذهني، فيما أرى أمامي شعرًا أبيض وأجسادًا ضخمة والكثير من البوتوكس والتجاعيد، تُرى ما الذي حلَّ بأصدقائي؟ كيف هِرموا هكذا وبقيت أنا صغيرة، تلك الفتاة العشرينية المُتخبطة التي تحلم بأن تقوم بثورة على العالم، قبل أن يُحبطها الخوف والتردد وتبتلعها دوامات التأجيل؟!

وهنا خطر إلىَّ سؤال آخر، هل يُعقل أن أكون قد كبرت أنا أيضًا؟! فمع أنني تزوجت منذ اثنى عشر عامًا وصرت أمًا لطفلة جاوزت الثامنة من العمر، بل ولم يعد يفصلني عن الأربعين سوى سنوات أقل من أصابع اليد الواحدة، فإنني ما زلت أراني من الداخل كما كنت قبل خمسة عشر عامًا، حتى أنني لا أصدق سني حين أخبر الآخرين عنه، مما يجعل تلك المرة هي الأولى التي أشعر فيها أنني كبرت حقًا ولم أعد صغيرة بعد الآن، ولا أظنني قد أعود لصورتي الذهنية عن نفسي كفتاة عشرينية مرة أخرى.

فها هو “مات/جوي” الشاب الجذاب الذي اعتادت أن تتهافت عليه النساء، وقد صار ممتلئًا وتكسو جسده الدهون، دون أن يبدو عليه أنه غير مُتصالح مع وزنه أو يدور كالأبله بفلك “الدايت” و “الجيم” اللا متناهيين، سعيًا خلف “الفورمة” أو وزنه حين كان بمقتبل العمر، وهو ما يفعله بمنتهى الخفة والتلقائية الجذابة. وها هي “ليزا/فيبي” وقد نضجت وهدأت وإن لم تتخلّ عن ضحكتها وعفويتها، قبل أن تُصرِّح بكونها ما عاد يُمكن لها أن تظل بلهاء تفعل ما يحلو لها دون حساب أو اعتبارات، إذ تُحتِّم عليها الحياة والعُمر أن تنضج وتصبح أكثر اتزانًا، لكن مع الحفاظ على اختلافها، مؤكدة أهمية ذلك.

أما “جينيفر/رايتشل” و”ديفيد/روس” فيبدو أن الحياة برغم قسوتها عليهما، فإنهما استطاعا بشكل ما التصالح مع ما جرى، فجاء حضورهما غامرًا بالابتسامات الطيبة وشعورهما بالحنين والامتنان للحظات دافئة وعاطفية عاشاها خلال المسلسل. ثم أخيرًا مع “كورتني/مونيكا” التي وجدت دون جلبة، تتحدث بين حين وآخر فتبدو كما لو أنها ما زالت “مونيكا”، فعلاً المرأة العاقلة التي تُفكر قبل أن تتكلم، فلا تقول إلا ما ترغب بإخبار الآخرين عنه، وليس كل ما في جعبتها.

اقرأ أيضًا: عذرًا جيل الألفينات .. إلا فريندز

friends: the reunion
friends: the reunion

“النهاردة كنت كويس قدام الناس، بس ما كنتش أنا،

ومش عارف إمتى هاكون كويس وأنا!”

3. عن الوحدة والغربة والغصة التي تسكُن الروح

الحديث عن “ماثيو/تشاندلر” يستلزم فقرة جديدة تخصه وحده، فهو الرجل الذي أضحكني أكثر، قبل أن يتحوَّل لمن يُبكيني اليوم! أنظر إليه وأرى انعكاسًا غريبًا لحالي، فبالرغم من أن حياتي لا تُشبه ما مرَّ به في شيء، لكنني أعرف جيدًا كيف يُمكن للمرء أن يوجد وسط جمع من الناس يُلقي النكات هنا وهناك، مُتظاهرًا بأن كل شيء على ما يُرام، وهو من داخله تنخره الوحدة ويشعر بالغربة، عالمًا أن ما مِن أحد منهم يعرف حقيقة ما يمُر به، ليظل يتساءل: تُرى هل يهتمون بي حقًا، أم أنهم يقبلونني فقط بسبب ظروف أجبرتهم على أن تجعلني واحدًا منهم؟!

“أنا لا يتصل بي أحد”.. كانت هذه هي الإجابة التي صرَّح بها “ماثيو/تشاندلر”، حين تحدث الآخرون عن الرابطة القوية وشعور العائلة الذي جمعهم طوال عشر سنوات هي عمر عملهم معًا، وهو ما ترتَّب عليه بالتبعية وجودهم بجوار بعضهم، ليس على الدوام بالطبع وإنما فور الحاجة. ومع أنه أجاب ذلك بنصف ابتسامة، تُشكك في مصداقية ما يقول، إذ ربما كان يُلقي إحدى نكاته المعتادة، لكن بإمعان النظر إليه يسهُل معرفة الحقيقة، واستشعار مدى مرارة حلقه والغصة التي تنهش قلبه، حتى ولو كانت تعود لأسباب لا تخص سواه، جناها هو على نفسه أو أفكار سلبية أوهم بها حاله.

بكيت.. مسحت دموعى،

بمسح دموعى.. بكيت.

بمزيج  من الفرح الطازج والمُدهش والحزن الأصيل، شاهدت حلقة “لم الشمل” لتُثير بي ليس فقط الحنين والشجن، وإنما الكثير من الاستفهامات كذلك. من جهة حول ماهية الصداقة والقُرب الحقيقي من الآخرين، وليس ما نتظاهر به من انسجام حين نكون بينهم، والفرق بين التصرُّف وفقًا لما نُريد أن نكون عليه، وما نحن عليه بالفعل، مُتصالحين مع عيوب الذات سواء الداخلية أو الخارجية، ومن جهة أخرى الأريحية والخفة التي نستحق أن نمنحها لأنفسنا، وسهولة وجمال الاعتراف بمكنونات صدورنا على الملأ، حتى ولو أتي ذلك متأخرًا، فهو قطعًا أفضل من ألا يأتي أبدًا.

تنويه: كافة الاقتباسات لفؤاد حداد.

اقرأ أيضًا: متى أصبح فقد الأصدقاء عاديًا وغير مُوجع؟!

المقالة السابقةدائرة الفقد والألم
المقالة القادمةالاغتصاب الزوجي وحق المرأة في الجنس
امرأة ثلاثينية متقلبة المزاج، أعشق الرقص على السطور كتابةً، أُحب الفن بمختلف أنواعه وأعيش عليه. والآن كبرت وصار عليّ أن ألعب في الحياة عشرات الأدوار طوال الوقت، لأستيقظ كل صباح أُعافر حتى أستطيع أن أُحاكي بهلوانات السيرك فأرمي الكُرات المُلونة بالهواء ثم ألتقطها كلها في آنٍ واحد.

1 تعليق

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا