البحث عن المعنى

1430

بقلم: رضوى محمد

انتبهت لنفسها عندما تداخلت أضواء الطريق الكثيفة داخل عينيها التي شعرت بحرقة تتآكل فيهما، فور أن أغمضتهما بسبب حبيبات الهواء المتضاغطة، التي ظلت تلاحقها طوال الطريق، وهي غارقة في عالم موازٍ دون أن تشعر. قاطع دهشتها صوت السائق عندما قال: “لقد وصلنا. حمد الله على السلامة”، بدأت تتساءل كيف مر الطريق الطويل الذي استغرق ساعات دقائق معدودة دون أن تشعر أو حتى تنتبه! ما زالت تذكر أنها بالكاد ركبت السيارة منذ دقيقات ملحوظة، استطاعت الوصلات العصبية ومراكز التفكير في عقلها ربط سريان الوقت بهذه السرعة إلى التفسير العام للنظرية النسبية، الذي أوضح أن الوقت يمر بشكل غير ملحوظ في اللحظات السعيدة، فمثلاً إذا جلس الإنسان مع من يحب ساعات مطولة لن يشعر بالوقت إلا لحظات، وكذلك إذا قضى إجازة سعيدة في مكان خلاب، أو قام بنشاط ممتع.

جميعنا لا نشعر بقيمة الوقت عندما نكون سعداء، ولكن بالنسبة لرفيقتنا مرت الساعات دون أن تشعر، فهل هذا يعني أنها كانت ساهبة في مناظر الطبيعة الخلابة، وهي بالكاد تذكر شكل الطريق أو حتى السماء، ولا يوجد احتمال للنوم أيضًا، فعندما استفاقت لاحظت عينيها اللتين لم ترمشا حتى كاد الألم فيهما كما لو أنها وضعت حمض الخليك بدلاً عن قطرة العين التي ذكرها الطبيب المعالج لها عند آخر زيارة، بسبب شكوتها المستمرة التي لم تجد لها علاجًا ولم تجد لها مبررًا طبيًا؟

جميع تلك التساؤلات حول شرودها بهذا الشكل العميق، معتزلة جميع من حولها، بل كي يصح التعبير، كانت معتزلة كل ما هو دنيوي، كأنها ترى شخصها في عرض سينمائي، لا يوجد سواها، فهي البطلة ومساعد البطلة أيضًا، فنحن نبدأ بالحياة عندما نستطيع الحياة خارج أنفسنا. خرجت منها تبحث على يد النجاة لها من عالمها المظلم، فهل من الممكن أن تمر ساعات الحرب كدقائق؟ أدركت أن الوقت يمر سريعًا ليس فقط في ساعات السعادة والنور، بل أيضًا في أحلك الأوقات وحشة وظلمة، حين تعتزل العالم وتعيش كأنك جسد بلا روح، حين تستمتع بحياتك الخيالية وحتى حروبك الداخلية وظلامك، بعيدًا عن الخارج، كأن حتى الظلام بعيدًا عن البشر ممتع ومفيد.

غاصت في أفكارها مرة أخرى، باحثة عن معنى لوجودها، فالسؤال الآدمي الوجودي الأزلي منذ القدم “لماذا نحن هنا؟!”،  أفاقت من أفكارها فور رؤيتها ضوء القمر الذي ظهر عندما اتخذ السائق دورانًا مؤديًا إلى المحور المتجه لوجهتها، القمر الذي استطاع دومًا أن يسحرها بجمال توهجه بعيدًا عن ضوضاء العالم وما يسببه البشر، أخذت تتساءل مجددًا تلك التساؤلات غير المتناهية التي تشفق على رأسها بسبب ما تفعله، فدومًا ما تتحدث إليها متأسفة على كل ما تسببه من ألم بسبب هذا الصراع الأبدي.

دائمًا ما كانت تنجذب للقمر وتوهجه وكيف له أن ينير الكون بأكمله وهو في الأساس جسم معتم حالك الظلام. تذكرت ما درسته من أساسيات العلوم في تفسير ضوء القمر، وهو أنه يمتص أشعة الشمس، أو بمعنى أوضح فهو انعكاس لأشعة الشمس، وكأنها أول مرة تدرك تلك المعلومة، فحتى القمر يحتاج لمن يمتص منه الضوء كي ينشر هو الضوء، فكيف لها هي أن تنشر الضوء دون مصدر له، فهي كالقمر شديدة الظلام، ولكنها تريد أن تنير من هم في ظلمة مثلها، كأن مقولة فاقد الشيء يعطيه تمثلت فيها. عجزت عن الإجابة على سؤالها،

ماذا تفعل إن لم تجد مصدر ضوء غير أن تكون هي المصدر والوسيلة؟ لقد اعتادت على النهوض مع بقايا أشلائها المنهزمة من المعركة الأولى، كل ما عليها فعله هو أن تجمع ما بقي، فأمثالها يأبى السقوط والضعف.

كي أكون صريحة فنحن دومًا بحاجة لمن يأخذ بأيدينا في رحلة الحياة، فقط أن نشعر بأننا مقبولون كما نحن، ولكن إن لم يوجد فطريق الحياة مستمر، لن يتوقف لحزنك أو ضعفك، هذا ما يجعل المقاومة الرفيق الصادق المستمر. جميع تلك التساؤلات أصبحت ركنًا أساسيًا من الحياة اليومية، ولكن جميع تلك التساؤلات حقائق واقعية، وهذا أسوأ جزء، فالحقيقة ليست سوى وهم ولكنه وهم ثابت، فعندما يدرك الإنسان الحقيقة يفكر، وعندما يفكر تبدأ رحلة الألم، فالحقائق دومًا مؤلمة، بالأخص عندما تكون فاقد الحيلة، كل ما عليك فعله هو التعايش، ومن هنا نسأل: هل الجهل السعيد أفضل من الحقيقة المؤلمة؟

اقرأ أيضًا: رسايل.. البحث عن معنى الحياة

المقالة السابقةاخترت نفسي
المقالة القادمةلا تلقي المعروف في سلة القمامة
مساحة حرة لمشاركات القراء

1 تعليق

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا