اخترت نفسي

2220

بقلم: لبنى شمس

رغم أن المرأة لا تحب أبدًا ذكر عمرها.. فإنني مختلفة، فأنا فخورة بكل سنوات عمري الـ٣٦، ولا أنكر عمري أمام أحد أبدًا. فكلما تذكرت نفسي وأنا في عشرينيات العمر، أتذكر مشاعري المختلطة والمرتبكة. مرحلة العشرينيات بها كثير من الانفعالات والمشاعر. كم كنت ألوم نفسي حتى على أخطاء الآخرين، وكنت أرى أنهم إن ابتعدو فلا بد أني أنا المذنبة. أما بعد أن أتممت عامي الـ٣٣ مشاعري أصبحت أكثر نضجًا، وأدركت أني لا أملك كل التفسيرات لكل الأسئلة التي راودتني السنوات الماضية. كنت في الماضي أبحث دومًا عن إجابات، لماذا تغير الناس من حولي؟ لماذا ابتعدوا؟ لماذا غدروا؟ هل أنا بهذا السوء الذي يصفونه؟

وظلت أسئلتي بلا أجوبة، وكان هذا يصيبني بالألم والإحساس بالعجز، العجز عن الفهم وعن إيجاد حل لمشكلاتي معهم. ولكن كما ذكرت منذ أن أصبحت امرأة ثلاثينية بدأت رحلة مع الذات، وفي هذه الرحلة تعلمت من آلامي وجراحي، تعلمت الكثير، وتوصلت من خلال هذه الرحلة إلى التصالح مع النفس.. وهذه الرحلة كانت بعدة خطوات:

أولاً: اخترت نفسي

بعد سنوات عديدة من جلد الذات وعتاب النفس، وصلت للسكينة بفضلك أنت يا الله. فقربي منك ودعائي لك ليلاً ومناجاتي جعلني أفهم ماذا تعني السكينة. وعندما وصلت للسكينة أحببت نفسي وتوقفت عن لومها والندم على ما فات. أنا لا أسعى للجنة، ولم تكن يومًا هدفي. فهدفي الحقيقي هو رضاك عني يوم ألقاك فيه.

وبفضلك يا الله تعلمت أن أكثر من أخافه وأخشاه هو نفسي، نعم أنا، لأن هدفي الأول هو ألا أفقد احترامي لذاتي. فخسارة نفسي بالتبعية تعني أن أخسرك يا الله. ولا يوجد بعد خسارتك مكسب حتى وإن أعطيتني الدنيا بما فيها من رزق ومال وصحة وجمال وسلطة، وكل نعم ممكن أن يتمناها المرء لنفسه، فلا يوجد قيمة لكل هذه المكاسب لو خسرت نفسي، فأنت يا الله إن أردت استبدالي بأي لحظة فقط ستقول كن وسيكون عبد آخر أفضل مني، فأنت لست بحاجة إلي، أنت الغني. أما أنا إن خسرت نفسي فسأخسرك، ولا يوجد بعد خسارتك أي مكسب. لذلك اخترت نفسي، اخترت ألا أفقد احترامي لها أبدًا وأن أحاول دائمًا أن أفعل ما يرضيك.

ثانيًا: من أكون

كثيرًا ما كنت أنفعل وأغضب أو أبكي حزنًا ولا أدري ما هي الأسباب. فقررت أن أحاول فهم نفسي وتحليل أسباب غضبي وحزني، وأيضا ما هي الأشياء التي تسعدني وما هي مخاوفي، حتى أستطيع التعرف على نقاط ضعفي وقوتي، وحتى أستطيع تدريب نفسي على التحكم في غضبي وانفعالاتي، والابتعاد قدر الإمكان عن ما يؤذيني، وتحديد ما هي الأشياء التي تسعدني، حتى وإن كانت بسيطة لممارستها ومكافأة نفسي بها قدر الإمكان. وأيضًا قمت بتحليل نشأتي والنظر لحياتي بعين محايدة لدراسة أخطائي وأسبابها، ليس فقط لمنع تكرارها، ولكن أيضًا حتى أستطيع أن أتفهم أسبابها، ولا ألوم نفسي عليها مجددًا. ولا أجزم أنني استطعت فهم ذاتي فهمًا كاملاً. ولكني أحاول فهمها دومًا، وسأظل أحاول، ونتيجة لذلك أصبحت أنا صديقتي.

ثالثًا: أنا صديقتي

قررت أن أكون صديقتي، وأن لا ألوم نفسي على أخطاء الماضي، بل أحاول أن أفهم أسبابها وأسعى لتطوير نفسي وتدريبها، لمنع تكرار هذه الأخطاء، فأنا إنسانة طبيعية لديَّ العيوب والمميزات كما كل البشر. وإن من ابتعد أو غدر من المعارف والأصدقاء والمقربين وجد لنفسه عذرًا لكي يفعل ذلك، وأقنع نفسه بهذه الأعذار واختار أن يرى عيوبي فقط، حتى يجد تفسيرًا لسوء تصرفه معي. أدركت أني أفضل من الكثير وأني يجب أن أحب نفسي، حتى أستطيع أن أسعد المقربين في دائرتي، فلا يستطيع إنسان تعيس أن يسعد من حوله.

أصبحت أدرك قيمة الوقت الذي أختلي به مع نفسي كي أشرب فنجان قهوتي المعتاد مع قطعة الشوكولاتة، فهذه الدقائق القليلة تستطيع تغيير يومي كله إلى الأفضل. أصبحت لا أهتم لرأي الناس بي، وكل ما يهمني هو علاقتي بالله وأسرتي وأصدقائي. ولا أنكر أن عدد الأصدقاء أصبح قليلاً، وحتى هذا الأمر لم يعد يؤلمني، لأني أرى أن الله اختار لي أن يبقي الأفضل فقط في حياتي.

ولا أنكر أني ما زلت أفكر في أجوبه لأسئلتي، لماذا ابتعدوا أو لماذا غدروا، ولكني ما عدت ألوم نفسي كما كنت، فأصبحت أفكر بعقلانية وأواجه نفسي بأخطائي الماضية والحالية، حتى أكون أفضل في المستقبل. وتقبلت فكرة ـن ليس لكل الأسئلة إجابات.

اقرأ أيضًا: في رحلة البحث عن الذات: عندما اشتقت إلى نفسي

المقالة السابقةاضطراب الاكتناز القهري عند الأطفال
المقالة القادمةالبحث عن المعنى
مساحة حرة لمشاركات القراء

1 تعليق

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا