بقلم: لبنى علي
من المعروف لدى الجميع أن التسوق النسائي يستغرق عدة ساعات، لذلك لا يتحمل هذا النوع من التسوق سوى الصديقات من النساء، فيفضل دومًا عدم اصطحاب الأزواج للمشاركه فيه، فلا يستطيع الرجل فهم هذا النوع من النشاط لدى المرأة، وعند طلب رأيه وهو منهك، فالرد دومًا أنه جميل جدًا أو قصير جدًا، فلايمكن أن يساعدك في اختيار أفضل الألوان للون البشرة من نفس قطعة الملابس، فهو يرى أن جميعها متشابهة، ويصيبه الذهول والدهشة من قدرتنا النسائية الخارقة على التركيز في كل هذه التفاصيل، وهو يشتري ملابسه في دقائق معدودة.
في إحدى المرات وأنا أتسوق التسوق المعتاد مع “رشا” صديقتي العزيزة. كنت على خلاف مع صديقة مشتركة لنا وكان عيد ميلادها قريبًا خلال أيام، ورغم خلافي معها قررنا شراء الهدية لـ”مريم”. ووقع الاختيار على شراء نظارة شمسية، فقد ذكرت مريم في إحدى المرات أنها تريد شراء واحدة، واخترنا بالطبع نوعها المفضل وما يناسب تفاصيل وجهها. وجلسنا معًا أنا و”رشا” لتناول طعام الغداء بعد الانتهاء من مهمة الشراء. وتناقشنا وذكرت لها عدة مرات أنني قررت كتابة بطاقة معايدة على الهدية دون الذهاب لمنزل “مريم” وتقديمها لها شخصيًا، ولا أنكر محاولات “رشا” العديدة في إقناعي للذهاب إليها وأنا رافضة للفكرة تمامًا. فذكرت لي “رشا” جملة لم أستطع محوها من ذاكرتي، وكانت الجمله كالآتي:
“عملتي حاجة حلوة كمليها للآخر، مترميش البونبوناية في سلة القمامة يا لبنى”. أعجبتني الجملة كثيرًا وكانت كالسهم الذي غرس في القلب ولم أستطع محوها من ذاكرتي.
وتابعت “رشا” الحديث وقالت إن أخاها اشترى فستانًا لزوجته بمناسبه عيد زواجهما عبر الإنترنت، وعندما وصل الفستان كان مجعدًا كثيرًا وبحاجة إلى الكي، وبما أن أخاها يتميز بالكسل الشديد أراد أن يقدمه لزوجته دون كيِّه، ولكنها أنقذت الموقف حين أعلمها بالأمر، وأقنعته بكي الفستان قبل تقديمه لها، وبحمد الله استجاب وفعل ذلك في اللحظات الأخيرة. وأخبرتني إذا لم يكن فعل ذلك ستكون فرحة زوجته فرحة منقوصة.
فحقًا نحن من يحدد مصير أفعالنا، ففعل الخير يجب أن يكتمل حتى النهاية، فإذا اعتبرنا الخير الذي نقدمه هو بونبوناية، فنحن من يحدد مصيرها، هل نعطي البونبوناية لمن نحب ليتمتع بمذاقها الرائع، أم نشتري البونبونايه من أجل من نحب، وفي نهاية الأمر نلقي بها في القمامة.
وانتهى الحديث بيننا ولم نتفق على شيء، ولكني وعدتها بإعاده التفكير بالأمر.
وفي اليوم التالي وفي الصباح الباكر وأثناء تناولي لفنجان قهوتي المفضل رن جرس الباب، كانت جارتي “ندى” قد عادت لتوِّها من سهل حشيش هي وزوجها، ولكني لاحظت أنها ليست على ما يرام، دعوتها لتناول قهوتها معي، فقالت لي إنها لم تستمتع بهذه الرحلة على الإطلاق، على الرغم من روعة المكان، خصوصًا أن سهيل حشيش تتمتع بمناخ دافئ حتى في فصل الشتاء. فتعجبت كثيرًا كيف لم تستمع بهذه الرحلة التي يتمناها أي إنسان، خصوصًا في برودة شهر يناير، ورغم أنني شخص لا يحاول التدخل في شؤون الغير، ولكن فضولي دفعني لأسألها بشكل مباشر كيف لم تستمتع بهذه الرحلة، وكان الرد أن زوجها طوال أيام الرحلة كان يذكرها دومًا بتكلفة الرحلة المبالغ فيها، وكيف أنه دفع هذا المبلغ المالي الكبير لإسعادها، فضاعت السعادة، وهو الهدف المنشود من الرحلة في الأساس، وضاع الجهد والمال الذي بذله الزوج من أجل إسعاد زوجته.
بعد رحيل “ندى” أدركت أن “رشا” محقة، وربما كان ظهور “ندى” في هذا التوقيت هو رسالة إلهية حتى أدرك هذا الأمر. واتصلت بها هاتفيًا وحددنا موعد ذهابنا إلى “مريم”. فلست على استعداد أن أرمي البونبوناية في القمامة.
وفي الميعاد المحدد بيننا، التقينا ثلاثتنا في منزل “مريم”، وبمجرد ذهابي لـ”مريم” احتضنتني، وجلسنا معًا ولم نعد نذكر ما هو سبب الخلاف بيننا، أو بمعنى أدق أدركنا أن الأمر تافه ولا معنى لخلافنا من الأساس، وأن ما يجمعنا أكبر بكثير من خلاف عابر سيمضي، ويبقى في القلب الصداقة والثقة والمعزة والعشرة. وتحدثنا حديثًا مفصلاً عما حدث في الأيام الماضية وعمت ضحكاتنا أرجاء المكان.
مقالة هادفة واسلوبها قريب للقلب