عيد ميلادي 25: العمر مجرد رقم والنضج اختيارك

11318

بقلم/ سلمى محمود

في اليوم السابع من الشهر الماضي كُنت على موعد مع يوم مولدي الخامس والعشرين، مَر الاحتفال باردًا، هادئًا، دون أي حدث مُميز أو ذكرى حلوة عابرة تجعلني أبتسم. لأكون أكثر وضوحًا لم يكن هناك احتفال من الأساس، إنما مُجرد يوم عادي كسابقه من أيام، لم يحمل شيئًا مميزًا من ذلك النوع الذي يقلب اليوم رأسًا على عقب، ويحوله من مجرد يوم بائس لا ملامح له، إلى ذكرى لطيفة أتغنَّى بها، لكن لا شيء مميز، فقط بعض التهاني الباردة الخالية من أي مشاعر أو عواطف، والتي أُرسلت بدافع الواجب، ولم يتغير به شيء سوى عمري الذي نقص عامًا آخر.

في عيد ميلادي خاطرة

منذ فترة طويلة، لم تعد مناسبة عيد الميلاد تُبهجني مثلما كانت تفعل، كانت تُثير شغفنا للحياة وتترك أثرًا حلوًا في نفوسنا، كنا نعتبرها بمثابة خطوة تقربنا أكثر من أحلامنا، وكأننا نصعد درجة في سُلم طموحاتنا التي تبلغ عنان السماء، كنا ننتظرها ونحن صغار على أحر من الجمر، ونعد الأيام تشوقًا لقدومها، نختار أفخم الفساتين لارتدائها ونُنظم الاحتفالات وندعو أقرب الناس إلينا ليشاركوننا فرحتنا. مؤخرًا اختفى ذلك الشعور المُفرح، وأصبحث تُثير في قلبي حزنًا وشجنًا لا أعرف مصدره.

لم أعد أنتظر عيد ميلادي مثلما كُنت أفعل، إنما أصبحت أهرب منه ومن ذكراه. أصبح اليوم ثقيلاً على قلبي كجحر يزن مئات الأطنان، عرفت شعور صديقتي تلك التي كانت تختفي عن الأنظار في هذا اليوم. كنت أتعجب مما تفعل وأفكر لماذا قد يهرب شخص من ذكرى حلوة كتلك! حتى فهمت لماذا تتصرف على النحو الذي كُنت أظنه غريبًا، ولكنه بدا لي منطقيًا بعد ذلك.

اقرئي أيضًا: في عيد ميلادي هديتي لنفسي مفاجأة سارة جدًا

النهاردة عيد ميلادي

أطفأت هذا العام 25 شمعة بالتمام والكمال، لا أعرف كيف ومتى حدث هذا! أشعر وكأنه رقم كبير يثير في داخلي رهبة وقشعريرة غريبة، رغم أن البعض يراه ينضح بالشباب والانطلاق. في وقت سابق كنت لأفرح بذلك، كنت لأشعر بمشاعر أخرى مختلفة غير تلك التي أنا عليها الآن، مزيد من التحرر، القوة، الانطلاق. كنت لأقول لنفسي بسعادة وثقة وانتصار “هنيئًا يا أنتِ؛ تجاوزتِ سن الطفولة والمراهقة بما تحمله من قيود ومخاوف، ودخلتِ مرحلة الرُشد، حيث النُضج والتحرر. أصبحت تملُكين نفسك وقراراتك الآن، ويمكنك أن تفعلي ما تريدين وما يمليه عليك عقلك”.

ربما كبرت للدرجة التي قد تجعلني أتصرف على النحو الذي أريده دون قيود أو تدخلات، نعم أشعر بالتحرر والانطلاق، ولكن في المقابل أشعر أيضًا بالشجن والحُزن. هناك غُصة غريبة ومُوجعة في قلبي لا أعرف مصدرها. أشتاق لطفولتي وأحن لكل لحظاتها وتفاصيلها، أشمُّ تلك الرائحة فيقفز في عقلي ذكرى حُلوة بعيدة لطالما تمنيت أن تعود، ثم أسمع تلك الموسيقى فأسافر عبر الزمن إلى لحظات مرت في حياتي وأنِستُ بها.

اقرئي أيضًا: في عيد ميلادي الثلاثين ماذا تعلمت في تلك الرحلة! محاولات في مواجهة الثلاثين

أنظر إلى البعض في عمر الطفولة فأشتاق لطفولتي التي لم أعشها كما أردت، بل وأشعر بالغيرة عندما أراهم يلهون ويلعبون، ثم أتذكر طفولتي البائسة وأشعر بالضيق، أرى فتيات في عُمر المُراهقة يعشن سنهن بالطريقة التي تمنيت أن أعيشها، وأشتاق لمراهقتي، أنظر إلى الشباب وأفكر في مصيري، وهل سأحظى بالحياة التي تمنيتها يومًا أم سأنتهي مجرد نسخة واهية مثل مئات النُسخ التي أراها كل يوم دون أي إنجاز واحد يُذكر!

أفتقد أيامًا كان أكثر همي تأخر والدي في إحضار مجلتي المُفضلة، وحروبي الطفولية السخيفة مع أشقائي الذكور عندما يعبثون بعرائسي ولُعبي، ولحظات حُزني عندما أضطر أن أترك مشاهدة كارتوني المُفضل لأنام مُبكرًا، وبكائي عندما أجبر على الاستيقاظ مبكرًا وشرب كوب اللبن الذي لم أحبه يومًا.

كانت حياه مُريحة، هادئة، تلك التي تتصرف بها دون تفكير، كانت حروبنا طفولية لذيذة لا خاسر ومنتصر بها، كان هناك دائمًا أحد يقف في ظهرك يمنحك الأمان ويمكنك أن تعتمد عليه في كل شىء، كان هناك متسع من الوقت للتجربة والتعلم، تسقط لتقف مُجددًا، تقع لتُسندك أيدي أحدهم لتنهض مُجددًا وتُكمل طريقك، كان هناك دائمًا فُرصة أخرى ومتسع من الوقت للخطأ وإفساد الأمور دون عقاب أو حساب.

أما الأن فأنا كبرت بما يكفي لأفهم، كبرت لأعرف أن العمر ليس مجرد رقم كما يدعون، إنما هو أكبر من ذلك، لتصبح لدي مخاوف ومعارك أكبر من النوم باكرًا وتأخر والدي عن شراء مجلتي المُفضلة، كبرت لدرجة أنني أصبحت أرى عُمري كالحد الأقصى المطلوب لبعض الوظائف.

أصبحت أحاديث الزواج والأطفال شيئًا عاديًا، فالقاعدة الآن أن أجد من في مثل سني يرتدين دبلة إما في اليد اليمنى أو اليسرى، بل وأحيانًا تجر وراءها طفلاً يتعلق في آخر ثوبها، أما الاستثناء فهو أن تبقي في ذلك السن دون زواج. كبرت لأعي أنه عليَّ أن اتدبر شؤوني وحدي، ولا مجال للتجربة والخطأ بعد، ربما تخلصت من قيود الطفولة حيث نتيجة الثانوية العامة وعقاب الأهل، ولكن أصبحت هناك قيود أكبر بكثير، قيود من ذلك النوع الذي يجثُم على قلبك ويسلبك راحتك ويؤرق لحظات حياتك.

أشعر وكأني في سباق طويل لا أعرف متى سينتهي، وهل سأصل في الموعد أم سيفوتني السباق برُمته. أفكر في كُل مرحلة في أشياء كثيرة تؤرقني، في أحلام كُنت أحلم بها وأنا مفتوحة العينين، هل ستتحقق أم ستقف عند كونها مجرد أحلام واهية. أنظر إليها من بعيد وهي تبتعد عني حتى تختفي عن الأنظار، دون أن ألمسها بيدي وأشعر بها. في أشياء كثيرة على قائمة أحلامي أتمنى لو سنحت لي الفرصة لأفعلها، ولكن يظل هناك سد منيع بيني وبينها، إما بسبب الأهل وإما المجتمع أو غيره.

في وظيفة أحلامي التي تمنيتها هل سأكون محظوظة بما يكفى لأعمل بها ولو ليوم واحد، أم عليَّ تقبل وظيفتي تلك تحت شعار “إن لم تجد وظيفة أحلامك فكل وظيفة تعمل بها هي وظيفة أحلامك”. في إن كُنت سأحصل يومًا على أصدقاء حقيقيين ممن يحسدك البعض على علاقتك بهم وليس مُجرد قوائم اتصال. في ماذا ينتظرني في نهاية السباق، هل نفس الحياة الروتينية التي أعيشها أم يُخبئ لي شيئًا جديدًا، هل يكون عامي الخامس والعشرون عام حظي أم يستمر هذا الروتين القاتل عامًا آخر؟ هذا ما أتمنى أن أعرف إجابته قريبًا ليستريح قلبي ويرتاح عقلي.

المقالة السابقةزمن الصيف الجميل: ذكريات البهجة رغم ضعف الإمكانات
المقالة القادمةالحمل والصيف: دليلك لإجازة آمنة وممتعة
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا