في عيد ميلادي: هديتي لنفسي مفاجأة سارة جدًا

3028

نهار يوم الجمعة الثامن من مايو، استقيظت صباحًا كالعادة ونظرت إلى شاشة هاتفي المحمول، لأتذكر أن اليوم عيد ميلادي السابع والعشرون، أتذكر أيضًا بكل بؤس العالم أنني أقترب من الثلاثين بقوة.

انتهت من حياتي فترة تُعادِل ربع قرن، لا أستطيع أن أتذكر فيها إنجازًا إنسانيًا مهمًا قمت به يشعرني بأهمية كل هذا العمر الذي مضى.

صباح غير سعيد

ها أنا ذا، أجلس في سريري في ظلام دامس سببته الستائر الـ”بلوك آوت”، لا يقطعه سوى إضاءة هاتفي المحمول، أتقلب في مضجعي متذكرة أيضًا أنه لا وسيلة لي على الإطلاق في الخروج من هذا الحبس المنزلي الذي سببته الكورونا

أول عيد ميلاد لي وأنا متزوجة من حب عمرى ولن نذهب كما تعاهدنا لمطعمي المفضل بوسط البلد في شارع فؤاد، أقرب شوارع الإسكندرية إلى قلبي

لن أرى أمي وهي تصنع كعكة الفراولة بالكريمة الشهية، لن نسرق منها أنا وأختي عجين الكيك النيئ قبل أن تخبزه فتصيح بنا “يا بت بس”، ولن نطفئ الشمع كما تعودنا كل عام.

أخطو بخطوات متثاقلة إلى الشرفة وأنا أفكر في أن أخبز لي ولزوجي كعكة، لكني أعلم أنها ستحترق حتمًا، فأنا والمطبخ لسنا أصدقاء، وحتى إن لم تحترق فأنا متأكدة أنها لن تكون هشة إسفنجية ذهبية ككعكة أمي.

تعرفي على: 15 سببًا لجعل عيد ميلادي مختلفًا

أفكار بائسة في زمن الكورونا

منذ أن بدأت حياتي تتغير بعد جائحة كورونا ليصبح المكوث في البيت هو سمتها الرئيسية، أصبحت تجتاح عقلي الكثير من الشكوك في شكل الحياة قبلاً، فهل كان هناك فائدة حقيقية فعلاً من اللهث خلف الماجستير والعمل والمشاوير؟ هل ضاع العمر حقًا في اللا شيء؟

يقولون إن الوحدة تصنع بك الأسوأ، وبالرغم من اعتقادي التام -قبل الكورونا- أنني بيتوتية من الدرجة الأولى، حيث كنت أرجئ كل المشاريع مع الأًصدقاء والمقربين إلى أجل غير مسمى

إلا أنني بعد هذا العزل أشعر باقترابي من حافة الجنون، رغم وجود شريك لي في حياتي يؤنسني وحدة هذه الوحشة، ووجود الإنترنت الذي لم نعد نعرف معه معنى الانقطاع عن أحد، إلا أن هذا لم يعد يكفيني

أريد أن أتنفس الهواء العليل في الساعة السادسة مساءً على الكورنيش، وأرى الأمواج تتلاطم بالصخور على الشاطئ، أفتقد رائحة بسكويت المثلجات من المحل الصغير على أول شارع البيت

أفتقد قهقهتي مع صديقاتي بالكافيه المفضل لنا، أفتقد احتضاني لهن إذا ما بكت إحدانا، وأفتقد تلامس يدي مع أيديهن إذا ما ألقيت نكتة قاتلة قائلةً “كفك”.

هل ستصدقون إن أخبرتكم أنني حتى أفتقد مقر عملي؟ أفتقد إيميل تجميع طلبات الإفطار صباحًا، إيميل الحساب، ورائحة القهوة من ماكينة القهوة في الدور الأخير، أفتقد حتى مديريني، رغم أنني لم أتصور قط أن أفتقدهم. ولكن، الآن وبعد فراق للحياة بمفوهمها الطبيعي دام شهرين أو أكثر، هل كان كل هذا حقًا يستحق اللهاث خلفه؟ لو أن لهيب الحياة يخفت بمجرد أن يجتاحنا مرض لا نعرف له مصلاً، فهل حقًا يستحق كل هذا أن نفني عمرنا خلفه؟

هل برغم التحايل على الموقف بالعمل من المنزل، والقيام بمقابلات واجتماعات أونلاين، ومكالمات صوت وصورة لمن نشتاقهم، شعرنا بالاكتفاء؟ هل سيأتي يوم ونعود لحياتنا الطبيعية ونستكمل رحلة البحث عن إنجاز، أم سنعتاد البقاء في المنزل، في مساحات الراحة والأمان، حيث لا سباق، لا أهمية لمن الأجمل أو الأشطر، لا أهمية لخطب ود مدير أو أهل، فقط أنت وأفكارك، يصرع أحدكما الآخر؟

زادت الأفكار حدة في يوم عيد ميلادي. اليوم الذي يؤرخ قدومي للعالم، فهل قدمت أي شيء لنفسي أو للعالم يدعوني للاحتفال بمجيئي إليه، خصوصًا في ظل هذه الظروف وما تؤججه في روحي من تساؤلات؟

اقرئي أيضًا: في عيد ميلادي الثلاثين ماذا تعلمت في تلك الرحلة!

خطاب من شخص لم أتوقعه

جلست أمام التلفاز لأفكر ما الذي يمكنني فعله اليوم ليتغير هذا المزاج الكئيب اللعين، لكن حقيقةً كل الأفكار تاهت عني، لم تكن تجتاح عقلي أي أفكار سوى أفكاري عن اقترابي من الثلاثين، وأنا لم أقم بأي تغيير حقيقي يمكنني أن أهادي به نفسي كهدية في هذا اليوم، أو أقنع به نفسي أن وجودي في العالم لا يماثل دوران ترس صغير في آلة كبيرة، كنت أحاول حقًا أن أجعل هذا اليوم مختلفًا، لكني لم أنجح.

أخرجني صوت هاتفي المحمول من هذه الأفكار، أعرف هذا الصوت جيدًا، صوت استقبال إيميل جديد. يا فتاح يا عليم، لقد أخذت إجازة من عملي خصوصًا هذا اليوم حتى لا أتكلم مع أي أحد عن أي شيء، ماذا يريدون مني الآن؟! أفتح الإيميل لأجد رسالة من نفسي عام 2015، أرسلتها لنفسي في عيد ميلادي عام 2020 عن طريق تطبيق إلكتروني يسمح لك بإرسال رسائل لذاتك في مراحل زمنية مختلفة، وحقيقةً كنت قد نسيتها تمامًا.

تعرفي على: أجمل أفكار هدايا للأمهات في جميع المناسبات، اختاري لها ما يميزها

مفاجأة سارة جدًا

أخذت أقرؤها بتمعن مرة واثنتين وثلاث، واغرورقت عيناي بالدموع، هذه أنا منذ خمس سنوات؟! مستحيل! أطلب من نفسي القيام بأشياء قررتها في نفس اليوم في عام 2015، وأرجوني بأنه إن كان قد مر كل هذا الوقت ولم أشرع فيها بعد، أن أقوم بها فورًا.

كنت في علاقة مسيئة مع أحدهم، أهلكتني للنهاية واستنزفت الأخضر واليابس في روحي، شعرت بالأسف حقًا لنفسي في العام 2015، ترجوني أن أرحل إذا كنت لا زلت مستمرة في هذا، ترجوني أن أحاول الكتابة لأنه بسبب هذه العلاقة لم أعد أستطيع أن أخط كلمة في ورقة، ترجوني البحث عن حياة جديدة، أن أكتب كتابًا وأجد حبًا أستحقه، ترجوني أن أحب نفسي لأنني أستحق أن أُحَب بهذا القدر الكبير، ألا أبخس نفسي قدرها أبدًا.

نعم، تركت العلاقة المسيئة غير آسفة للبحث عن آفاق أرحب، أيقنت أنني لا يجب أن أخشى الفقد لأن بعض الفقد خفة، وقد أصبحت خفيفة، حد الطيران، ووجدت حبًا حقيقيًا حين أحببت نفسي بصدق، حين أخبرتها ألا تستمد الود والعرفان من الخارج، بل أن ينبع ودها لنفسها من داخلها لتقبل الحب الذي تستحقه من الآخرين. كتبت كتابًا ومقالات عديدة، وعلى وشك إنهاء رسالتي البحثية، وتزوجت برجل يدعمني بكل ما يملك لنهاية العالم، باختصار، كل ما طلبته نفسي في الماضي من نفسي الآن، حققته بالفعل.

كل هذا وأنا حبيسة افكارى بأني لم أحقق إنجازًا حقيقيًا؟! كل هذا وأنا ألوم نفسي دون داعٍ؟!

الأمل الرفيق الأمثل

غيرت رسالتي لنفسي تفكيري 180 درجة، وجدت نفسي فجأة أنظر إلى حياتي بشكل مختلف كليًا عن نظرتي لها من نصف ساعة فقط، إذًا أنا فعلاً قوية، فلمَ أستهين بإنجازاتي الصغيرة التي حين تجمعت مع بعضها كخيوط العنكبوت صنعت شبكة قوية لا تنقطع بسهولة؟

وجدت نفسي أكتب خطابًا إلكترونيًا آخر، وأرسله لنفسي بعام 2025 لأخبرني أنني كنت سببًا اليوم في أن أتخلص من أفكاري السوداوية، وإن كانت جائحة كورونا لم تنتهِ بحلول هذا العام، فلا يجب أن أبتئس، وأن آمل أنني سأعبر هذا المحنة أيضًا، ولأدرك أن نعم، نلهث في الحياة حقًا، لكنها تستحق هذا اللهاث خلفها، بما لا يرهقنا أو يستهلك طاقتنا أيضًا.

كتبت لنفسي لأخبرها بأن الأمل هو الرفيق الأمثل لكل وقت وزمان، الأمل في أن تبقى في أرواحنا قطعة ولو صغيرة قادرة على العطاء برغم الظروف.

المقالة السابقةالنهاية أكثر من مجرد مسلسل
المقالة القادمةغريزة الأمومة: عندما منحني طفلي الحياة
آلاء الكسباني
صحفية وكاتبة مصرية.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا