بقلم: ياسمين غبارة
“كل طريقٍ مهما كان قاسيًا أو غريبًا إذا اختاره الإنسان وارتضاه فلن يسبب له الألم أو الأذى النفسي المُتوقع”. سمعت مختصًا نفسيًا يشرح هذه الفكرة، والتي أجابت بشكلٍ ما عن حيرة دائمًا ما كانت تنتابني أمام بعض العلاقات والبشر وأشكال الحياة، وأتساءل: كيف يقبلون؟ وكيف يعيشون ببساطة مع هذا الأمرأو ذاك؟
كان الرجل يتحدث فى الأساس عن الوحدة، وأن الوحدة غير مضرة أبدًا إذا كانت باختيارنا. ما وصل إلى إدراكي من كلامه أننا طالما اخترنا شيئًا ما بإرادتنا، ومن منطلق وعينا الخاص بأنفسنا وبالحياة؛ فلن يكون لذلك الشيء القدرة على أن يؤذينا كثيرًا: كالوحدة أو عدم الزواج أو ترك الوظيفة أو الغربة أو التخلي عن حلم أو مال، فالفكرة كلها فينا نحن وما نحن قادرون على تقبله، وذلك هو نفس السبب الذي يجعل موقفًا ما مرفوضًا تمامًا من شخص، ومقبولاً إلى حدٍ كبيرٍ من شخص آخر، ذلك ما يجعل بعض الناس تتأمل حياة الآخرين فى حالة من “مصمصة الشفايف”، والتعجب وإطلاق الأحكام على أن: “فلانة إزاي عايشة كده!“، أو لا يفهمون ما الذي تعب منه فلان بالضبط، وإطلاق حكمة “عادى ما كلنا كده” أمام أي شكوى أو اعتراض أو اندهاش.
كل ذلك هو اعترافٌ صريح من الكون على أننا مختلفون، وأن قدرتنا على تقبل نفس الأشياء ليست واحدة، فما يؤذيك قد لا يؤذيني. وحدتك قد تسبب لك اكتئابًا فى حين أنها قد تكون لشخصٍ آخر وقودًا للاتزان النفسي، تمامًا كما أن وجودك بين الناس هو شيء قد يجعلك تشعر بالحياة، بينما لدى آخر هو سبب للشعور بالقلق المستمر.
مع الوقت يتكشف لي دائمًا أن الاختلاف هو الشيء الوحيد الطبيعي في هذه الحياة، وإن لم نفهمه، فقط يكفي أن نقبله، ولم يكن ما نحتاجه يومًا هو التقليل من اختلافنا أو أن نجعل “العادي” شيئًا واحدًا لدينا جميعًا. ما نحتاجه هو أن نتقبل ذلك الاختلاف بنفس قدرتنا على تقبل فكرة أن هناك شخصًا عندما يصيبه الصداع قد ينام، وآخر قد يحتاج إلى مسكن للألم، وهناك شخص كل ما يفعله هو أن يضع رأسه تحت الماء البارد، وكلهم يريدون نفس الشيء: أن يذهب عنهم الصداع. فكيف نُنكر على شخص مُعالجة صداعه بالطريقة التي تناسبه؟! كيف ننكر على شخص أن يحيا بالشكل الذي يُريحه؟! وهل أصبح هذا الاختلاف عدوًّا للعلاقات البشرية، أم مُبررًا لوجودها؟ هل هو وقود دافعٌ للحياة، أم يحرق الانسجام بين البشر؟!
أعتقد أن الاختلاف لا يضع حواجز، ولكنه يرسم حدودًا، تلك الحدود التي قد تكفل أمانًا في العلاقات الإنسانية. لن أقول اختلفنا أم اتفقنا، بل سأقول اختلفنا ثم اختلفنا، فالاختلاف هو الطبيعي، والاتفاق هو الاستثناء. الاختلاف هو ما يُشكل الحياة ويجعل لها روحًا تنبض، هو ما يجعل للحكاية منطقًا.
وكم ستكون الحياة مملة وفارغة من أي معنى إذا كنا جميعًا سواء، نشعر بنفس الشكل تجاه نفس الأشياء، نعبر عن أنفسنا بنفس الطريقة، نبتسم لنفس الأسباب، ويضيق صدرنا في نفس المواقف. قد لا يوجد شخص كامل، ولكن اختلافنا يخلق نوعًا من التكامل، وهو ما يجعل ترس الحياة مستمرًا في انسِيابيّة عجيبة تدل على خالق النفوس باختلافاتها التي لا تنتهي إلا بانتهاء الحياة.