يتبادر إلى أذهان الآباء والأمهات تساؤل ملح عن كيفية استغلال أوقات فراغ الأطفال بما يعود عليهم بالنفع. يقسم الأهل أوقات فراغ أطفالهم بشكل يتيح لهم ممارسة الكثير من المهام، فالأطفال اليوم دائمًا مشغولون وتمتلئ اوقاتهم بالأنشطة المنظمة والمعد لها بدقة من قبل الأهل، كالرياضة والفنون وتعلم اللغات الجديدة. فأصبح لدى الأطفال الكثير من المهام والالتزامات والقليل من أوقات الفراغ.
بين اللعب الحر والأنشطة المنظمة
نشرت منظمة Action for healthy مؤخرًا دراسة استقصائية لأكثر من 1000 أب لأطفال تقل أعمارهم عن 12 عامًا، تشير إلى أن 85٪ من الآباء يعتقدون أنه يجب استغلال أوقات فراغ الأطفال في الأنشطة المنظمة، مثل الرياضة والفنون وتعلم الحساب، لأنها تساعدهم على العيش بشكل أفضل في المستقبل. الأمر الذي أدى إلى تقييد الأوقات التي يستغلها الأطفال في اللعب الحر واللعب التخيلي كالمحاكاة والتمثيل. لإفساح المجال للأنشطة المنظمة.
هل استغلال أوقات فراغ الأطفال فى اللعب الحر مضيعة للوقت؟
غالبًا ما يكون لدى الآباء نوايا حسنة، لكن العديد من الآباء مذنبون في المبالغة في استغلال أوقات فراغ لأبنائهم في الكثير من الأنشطة الرياضية والمعرفية وغيرها. حيث يريد بعض الآباء ببساطة منح أبنائهم فرصًا لم تتح لهم، ويأمل آخرون في جعل أطفالهم أكثر قدرة على المنافسة والتفوق على أقرانهم. وعلى الرغم من أهمية أن يهتم الأهل بتنمية هوايات واهتمامات أبنائهم، فإن من المهم أيضًا أن يتعلم الأطفال كيفية استغلال أوقات الفراغ بشكل ممتع.
وفقًا لطبيب الأطفال روبرت مواري والذي يدير منظمة Action for Healthy الأمريكية، فإن أوقات الفراغ تساعد الأطفال على التفاعل مع الآخرين وبناء المهارات الاجتماعية والعاطفية الهامة. فهي ليست مضيعة للوقت، على عكس الاعتقاد السائد لدى الأهل. فترجيح كفة الأنشطة المنظمة على اللعب يحرم الأطفال من الفوائد المعرفية والجسدية والاجتماعية والعاطفية، التي يمكن أن يوفرها اللعب.
اقرأ أيضًا: الطفل الحركي وكيفية التعامل معه
ما هو اللعب؟
يعرف اللعب بأنه نشاط موجه يقوم به الأطفال لتنمية مهاراتهم وقدراتهم العقلية والجسمانية والوجدانية، ويحقق في نفس الوقت المتعة والتسلية. فيما يعرف أسلوب التعلم باللعب بأنه هو استغلال أنشطة اللعب في اكتساب المعرفة وتوسيع الآفاق المعرفية.
ما أهمية اللعب للأطفال؟
العلاقة بين اللعب والمهارات المعرفية
نشر موقع parenting science دراسة تفسر العلاقة بين اللعب واكتساب المهارات المعرفية المختلفة. أجرى علماء الأعصاب تجربة مثيرة حول كيفية تطور نمو الدماغ عند الفئران. حيث قاموا بتربية مجموعتين من الفئران، واحدة في بيئة مليئة بالألعاب والمتاهات، والمجموعة الأخرى في بيئة فقيرة خالية من أي وسائل للترفيه واللعب. عندما فحص الباحثون أدمغة الفئران، اكتشفوا أن الفئران في المجموعة الأولى لديهم قشور دماغية أكثر سمكًا من الفئران الموجودة في البيئة الفقيرة للترفيه. كما أنهم أكثر ذكاءً وقدرة على شق طريقهم عبر المتاهات بسرعة أكبر.
يرجع السبب في ذلك أن اللعب يؤدي إلى إفراز مادة BDNF، وهي مادة أساسية لنمو وصيانة خلايا الدماغ. هذا ما يحدث للأطفال أيضًا، حيث تُظهِر عدد من الدراسات التجريبية أن الأطفال يولون اهتمامًا أكبر للمذاكرة والأنشطة الأكاديمية بعد أن يقضوا وقت فراغهم أو استراحات قصيرة في اللعب الحر دون قيود. كما أنهم يكتسبون الكثير من المهارات المعرفية في أوقات اللعب.
اللعب والمهارات اللغوية
كشفت الدراسات عن وجود صلة بين اللعب -لا سيما اللعب التخيلي كالمحاكاة والتمثيل- وتطوير المهارات اللغوية. حيث وجد أن اللعب الدرامي الاجتماعي يؤدي إلى تحسين الأداء في كل من المجالات المعرفية واللغوية والعاطفية. كما أنه يساعد على تطوير اللغة التعبيرية (اللغة التي يعبر بها الأطفال عن أنفسهم) واللغة الاستقبالية (اللغة التي يفهمها الأطفال).
اللعب والتفكير الإبداعي
تشير بعض الأبحاث إلى أن طريقة لعب الأطفال تساهم في قدرتهم على حل المشكلات المتباينة. فألعاب البازل والمكعبات تساعد على تنمية الخيال والمهارات الإبداعية التي تساعدهم على إيجاد حلول إبداعية لمشكلاتهم المختلفة.
اللعب والانتباه
إن استغلال أوقات الفراغ في اللعب الحر تساعد على زيادة الانتباه والتركيز. على عكس استغلال أوقات الفراغ في التمارين الرياضية، فالتمارين الرياضية لها فوائد مهمة في حد ذاتها، لكنها لا تقدم نفس مميزات اللعب الحر. يعتقد الباحثون أن السبب في ذلك هو أن التمارين الرياضية تخضع لقوانين شديدة التنظيم، وتعتمد على القواعد التي يفرضها الكبار. لجني كل فوائد اللعب يجب أن تكون استراحة اللعب ممتعة حقًا.
كيف تساعد طفلك على استغلال وقت فراغه؟
من المهم أن يساعد الأهل أبناءهم في تنظيم أوقاتهم ما بين الدراسة والتمارين، لكن دون أن يغفلوا عن أهمية خلق مساحة خاصة لأطفالهم. فأوقات الفراغ سميت بذلك الاسم حتى نمنح فيها فرصة لأبنائنا أن يعبروا عن ذواتهم دون ضغوط والتزامات. أوقات الفراغ أمر هام للأطفال، خصوصًا عند دخلوهم سن البلوغ والمراهقة.
الاستمتاع بوقت الفراغ
تشير الدراسات إلى أن الأطفال الذين تنقسم أوقاتهم ما بين التمارين والدراسة دون إفساح مجال لأوقات الفراغ، غالبًا ما يشعرون بالإرهاق والضغط، الأمر الذي قد يؤدي إلى عدد من المشكلات، بما فى ذلك المشكلات السلوكية والعاطفية.
قاوم رغبتك في تسجيل طفلك في كل نشاط متاح. الأفضل من ذلك ساعد طفلك في تحديد أولويات اهتماماته. واجعل وقت الراحة والاستمتاع من ضمن هذه الأولويات التي يجب مراعاتها.
امنح طفلك الوقت للتفكير والتنفس
ضع في اعتبارك جميع التحديات والعقبات التي قد يواجهها طفلك، خصوصًا عندما ينتقل من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ والمراهقة. فأعباء كزيادة الواجبات المدرسية، والضغط من أجل التفوق والمنافسة، والرغبة في خلق صداقات مريحة. كلها تحديات تتطلب القليل من الوقت للتفكير والنقاش وإيجاد الطرق المناسبة لإدارتها.
إن السماح لطفلك باستغلال وقت الفراغ في التفكير في شؤونه الخاصة، سيساعده على وضع كل شيء في منظوره الصحيح والمضي قدمًا، كما يمنحكما الوقت فرصة للتحدث مع بعضكما والعمل على حل المشكلات معًا.
امنح طفلك وقتًا للاسترخاء
يقضي الأطفال الكثير من الوقت ما بين التمارين الرياضية والمدرسة وتعلم المهارات المختلفة. يساعد وقت الفراغ طفلك على الاسترخاء وعدم القيام بأي شيء، أو القيام بشيء كان يتطلع إليه طوال أسبوع شاق من المهام، كما يساعده على بدء أسبوع جديد بروح أكثر حماسًا.
وقت الفراغ يجعل الناس سعداء
تظهر الدراسات أن الناس يكونون أكثر سعادة بشكل عام في عطلات نهاية الأسبوع، حيث يختار الأشخاص أنشطتهم الخاصة ويقضون الوقت مع الأشخاص الذين يحبونهم، ويفصلون أنفسهم عن مسؤولياتهم اليومية، لذلك لا تبخل على أطفالك بهذه السعادة.