بقلم: ندى عصفور
قادتني أيام الحظر الماضية إلى الاختلاء داخل أعماق نفسي، والبحث عن شيء مميز للاستمتاع به، لذا وقع اختياري على مشاهدة مسلسل carnival row الذي شد انتباهي من خلال بوست على أحد الجروبات التي تهتم بتقديم ترشيحات للمسلسلات والكتب، وغيرها من الفنون الثقافية المختلفة التى تشتهيها النفس.
مسلسل carnival row في إجازتي الخاصة
يعد مسلسل carnival row من مسلسلات الفانتازيا التي تعتمد على عنصر الخيال والتشويق، التي تجعل المشاهد يسافر إلى عالم الخيال بكل شغف وعشق، وهو من إنتاج amazon original، ويقوم ببطولته كوكبة من النجوم مثل أورلاندو بلوم، وكارا ديليفين.
تدور أحداث المسلسل داخل مدينة خيالية تسمى “بيرج”، ويسكن تلك المدينة بشر مثلنا تمامًا، وهم يعتبرون من سادة المدينة، ولهم الكثير من الحقوق، ويعاملون معاملة جيدة، وكائنات أسطورية مهاجرة بعد أن دمرت الحروب مواطنهم، فهاجروا لتلك المدينة. وهم يختلفون تمامًا في الشكل عن سكان البلدة الأصليين، حيث يشبه البعض منهم الخرفان بقرونه وأرجله، والبعض الآخر يشبه الفراشات بجناحاتها الرائعة، لذلك يعاملهم أهل البلدة باحتقار، وأنهم الطبقة الدُنيا في المجتمع، فهم في نظرهم مجرد حيوانات، لا بد أن يتعاملوا معهم بالسوط والسجن، ولا يحق لهم العمل إلا في الأعمال التي يترفع عنها سادة المجتمع من البشر.
لكن مع أحداث ذلك المسلسل الرائع حدث بركان من الأفكار داخل عقلي. هل يمكننا أن نتقبل التعايش مع من يختلف معنا في الشكل أو الفكر أو الرأي، بكل سهولة ويسر بلا تعقيدات، ولا التنمر الذي يهزم الأبدان ويسيل الدموع ويوجع القلوب؟ ولكن جن عقلي بذلك السؤال أكثر عندما أردت أن أمتع فكري ومكتبتي برواية الكاتبة المختلفة د. خولة حمدي “في قلبي أنثى عبرية” التي أوقعتني في فخ من التساؤلات التي أفاضت كل أنحاء جسدي بالتفكير.
“في قلبي أنثى عبرية” وبركان التساؤلات
رواية الكتابة د. خولة حمدي، “في قلبي أنثى عبرية”، من الروايات التي حازت على آراء متفاوتة، فمنهم من توُجها وجعلها من ملكات مكتبته الخاصة التي يعتز بها، ومنهم من انتقدها، ولكن في الواقع رأيتها من زاوية مختلفة وبعيدة كل البعد، فقد أحدثت أثرًا كبيرًا بداخلي، فهي من الروايات التي جعلتني أبحث في عالم الاختلافات بعمق أكثر، حيث تدور أحداثها في دولتي تونس ولبنان، بطلتها “ندى” فتاة يهودية و”أحمد” شاب مسلم، ويقعان في الحب، ولكن حب مختلف من نوع آخر، حب يحمل بداخله رحيق المسؤولية والإيمان بقضية، على رغم اختلافهما إلا أنهما كانا أكثر توحدًا من أي شخصين آخرين.
كانت تلك الرواية هي ما دفعتني بشدة للتساؤل من جديد: هل يمكن أن نتقبل الشخص الآخر الذى يختلف عنا جسديًا أو فكريًا أو في الرأي؟ وما مدى تقبلنا له؟ جعلتني أبحث بشدة بين كتب التنمية البشرية، وخصوصًا التي تتحدث عن ذلك الأمر.
الاختلاف هو مصدر الحياة
أثناء بحثي على المواقع المختلفة التي تتكلم في ذلك الشأن، وقراءاتي المختلفة في كتب التنمية البشرية، وجدت أن الاختلاف هو أساس كل ما حولنا، فقد خلق الله الكون يحتوي على أنواع مختلفة من النباتات، وكذلك الحيوانات والطيور، والشمس والقمر، والليل والنهار… وغيرها من الأضداد التي تحيط بنا، ولذلك لا بد أن نتقبل فكرة الاختلاف في حياتنا، ونتعامل معها بشيء من المرونة والحب والاحترام. فقد منحنا الله جميعًا مميزات تجعل كلاً منا متفردًا ومختلفًا عن الشخص الآخر، حتى نحصل على فكرة التكامل، ويحدث التوازن في ذلك الكون، وأن تقبل الشخص لذاته يجعله يتقبل الآخر بصدر رحب وبيسر.
يقول الدكتور إبراهيم الفقي في هذا الشأن في إحدى محاضراته عن فن الاتصال والبرمجة اللغوية العصبية، عن اختلاف الرأي مع الشخص الآخر: “إن هناك مقولة دائمًا يقولها اليابانيون: إذا لم يتفق اثنان في شيء لا يخص القيم، فهذا وقت النمو، وإذا اتفقا في الرأي فأحد الشخصين ليس له لازمة”. ويضع الدكتور الفقي على تلك المقولة شرطًا لقبول هذا الاختلاف بأنه يكون بكل أدب واحترام.
فالاختلاف حقيقة واقعية، فلا مجال للتنمر والتعالى بين البشر، وكل ما علينا فعله أن نضع أنفسنا في موضع الشخص الآخر قبل أن نقذفه بحمم من الكلام الجارح، الذي يمكن أن يقتله بدم بارد، دون أن نشعر. فوالدي دائمًا كان يقول لنا عندما كنا صغارًا: “لقد خلق الله لنا في اليد الواحدة أصابع مختلفة في الشكل والحجم، فكيف لا نؤمن بالاختلاف”.
اقرأ أيضًا: القراءة وأشياء أخرى للتعلم والمعرفة