تسليع المرأة: كيف يستغل الجسد في الدعاية والإعلان؟

3278

“أصبحت صورة الجسم العاري ماركة مسجلة، نروّج بها أي بضاعة. صورة المرأة العارية هي تعويذة التاجر، التي يرسمها على إعلانات السجائر وإعلانات الخمور والصابون والبيرة، والكاميرات والساعات والحراير والأقمشة، حتى أدوية الزكام وشفرات الحلاقة ومعاجين الأسنان.. وهي دائمًا عارية أو نصف عارية أو بالمايوه. وكأنما لا وسيلة لجذب الانتباه إلا باستخدام هذا المعبود الجديد”.. يلخص هذا الاقتباس من كتاب “الروح والجسد“، للدكتور مصطفى محمود، معنى “التشييئ الجنسي للمرأة The objectification of women” عن ظاهرة تسليع المرأة.

معنى تسليع المرأة جنسيًا

تسليع المرأة أو التشييئ الجنسي للمرأة يعني النظر إليها كأداة متعة جنسية، بدلًا من كونها إنسانًا مستقلاً في أفعاله وقراراته. ويترتب على ذلك تقدير قيمتها بناء على جاذبيتها الجنسية، واستبعاد شخصيتها وفكرها. وكان أول إعلان استخدم المرأة للترويج، إعلانًا أمريكيًا عن ماركة صابون عام 1911، ولاقى رفضًا كبيرًا في الصحف وقتها. وبعدها تدهور الأمر كثيرًا، ليصل إلى حد الإباحية. وفي ظل العولمة انتقل الأمر من الغرب إلى وطننا العربي، دون مراعاة لقيمنا وثقافتنا.

مظاهر التشييئ الجنسي للمرأة في الإعلانات والثقافة

1. المرأة كأداة زينة في الإعلانات

تستخدم المرأة كشيء للتزيين، في الإعلانات، مثل وقوفها بجوار سيارة بطريقة مغرية وبملابس كاشفة، لتعزيز العلامة التجارية، وليس تصويرها كعميل أو مستخدم للسلعة. والملفت للنظر أن النساء يُستخدمن في الإعلان حتى عن السلع الرجالية والتي لا تمت للنساء بصلة.

في البيوت، تٌربّى الفتاة على أنها تابعة للرجل، وأن الزواج هو ما يعطيها قيمة، وأن جسدها يجب أن يكون مثاليًا لتعجب زوجها. حتى الفتيات الصغيرات تطلى ملامح الصغيرات البريئة بمساحيق التجميل ويكسون بملابس النساء، ويصورن بأوضاع جسدية وتعبيرات وجه إغرائية

2. الإغراءات الجنسية لنادلات المطاعم تبيع أكثر

يتم اختيار نساء بمقاييس جسدية معينة، مع إجبارهن على ارتداء ملابس قصيرة ووضع مساحيق التجميل، لاستخدامهن في المعارض الدعائية لمنتج أو خدمة. نفس الأمر يحدث في بعض المطاعم مع النادلات. ومن الأمثلة الفجة في هذا الصدد مطعم في الولايات المتحدة كان يوظف فتيات يرتدين البكيني لغسيل السيارات، لتشجيع زبائن المطعم على غسل سياراتهم. وفي الأغاني تظهر النساء أيضًا كأشياء للزينة، يتخذن أوضاعًا جنسية، وترقصن وهن مرتديات ملابس مثيرة. كما يتم تصويرهن بطرق تؤكد أجزاء أجسادهن، وملامح وجوههن، وجاهزيتهن الجنسية. كما تركز كلمات الأغاني على وصف جسد المرأة وأجزائه، وتزخر بالإيحاءات الجنسية.

3. التشييء الجنسي للأطفال: انتبه لتربية ابنتك

تٌربّى الفتاة على أنها تابعة للرجل (أبيها أو أخيها ثم زوجها)، وأن الزواج هو ما يعطيها قيمة، وأن جسدها يجب أن يكون مثاليًا لتعجب زوجها. حتى الفتيات الصغيرات لم يسلمن من التشييئ الجنسي. فتطلَى ملامح الصغيرات البريئة بمساحيق التجميل، ويرتدين ملابس النساء، ويصورن بأوضاع جسدية وتعبيرات وجه إغرائية. وتصور النساء وهن يرتدين ملابس أطفال قصيرة ويلعقن المصاصات.

كما تجد الفتيات في الرسوم المتحركة يرتدين ملابس كاشفة، ولا علاقة لها بالأدوار التي تؤديها الشخصيات. ويتم تصويرهن في كثير من أفلام الأطفال ككائنات منزلية، وأشياء رومانسية وجنسية، لا يشغلهن سوى مظهرهن والفتيان. وترسخ الدمى تلك المعاني أيضًا، فكل العرائس تقريبًا لها مقاييس جسدية معينة، غالبًا ما تتمثل في البشرة البيضاء، والقوام النحيف، والملابس القصيرة، والعيون الواسعة، والرموش الطويلة. وهي نفس المقاييس الجمالية التي ترسخها الإعلانات والأفلام والأغاني.

لماذا يستخدمون الجنس في الإعلانات؟

الهدف الأساسي للمعلن يتمثل في إقناع المستهلك وجذب انتباهه. وحتى يحقق هذا الهدف، فإنه يجب أن يجعل المخ يتفاعل. والجنس يدغدغ مراكز العاطفة في المخ، ويحطم المحرمات أو “التابوهات” ويلمس الاحتياجات الأساسية عند الإنسان. وفي ظل ازدحام الإنترنت والتليفزيون بالإعلانات، فإن المنافسة بين المعلنين صارت أكثر شراسة، مما يشجع على استخدام الجنس بشكل أكبر. بالإضافة إلى ذلك، فإن الإعلانات صارت لا تهدف إلى بيع منتجات فقط، ولكنها تروج لنمط حياة.

أشارت الدراسات إلى أن الاستغلال الجنسي للمرأة في الإعلان يجعل صورة العلامة التجارية سلبية، وذلك عند كل من الرجال والنساء

هل صحيح أن “الجنس يبيع Sex sells”؟

درس الباحثون الإعلانات منذ الستينيات، ووجدوا أن الجنس يلفت الانتباه، ولكن هذا لا يُترجَم بالضرورة إلى بيع المنتجات. كما أنه لا يفيد في مساعدة العميل على تذكر الإعلان أو المنتج الذي يتم الترويج له. وأشارت الدراسات إلى أن الاستغلال الجنسي للمرأة في الإعلان يجعل صورة العلامة التجارية سلبية، وذلك عند كل من الرجال والنساء!

آثار تسليع المرأة ليست على المرأة فقط

يترك التشييئ الجنسي للمرأة آثارًا سلبية ليس على المرأة فقط، ولكن أيضًا على الرجال والأطفال فتيات وفتيان، وعلى المجتمع بأسره.

1. علاقة المرأة بنفسها وصورتها الذاتية

يشير د. عبد الوهاب المسيري إلى أن المقاييس الجمالية التي يروج لها الإعلام لا علاقة لها بالوظائف الإنسانية للمرأة، كالحمل والولادة والرضاعة. فعلمنة الجسد بهذا الشكل تخلق حالة مضبوطة معمليًا تجعلك تنفر مما هو إنساني. إن الأم تمر بتسعة أشهر شاقة من الحمل، يزيد فيها وزنها ويتعرض جسمها لتغيرات كبرى. وبعدها تتعرض للجراحة ربما عدة مرات لتنبثق منها الحياة، ثم تسهر الليالي ترضع وتنوم وتغير الحفاضات. أما حركتها فتقل، وتصير ملازمة للمنزل لفترات طويلة لرعاية صغارها. هل يعقل أن تحتفظ تلك المرأة بجسد فتاة في العقد الثاني من العمر؟! إنه أمر مستحيل ومضاد للطبيعة.

وعلى الرغم من ذلك، فإن المرأة تتأثر بالصور التي تراها في الإعلانات، وتقارن نفسها بتلك النماذج الزائفة بشكل دائم. وطبعًا تكون هي الخاسرة في هذه المقارنة غير العادلة. والأدهى عندما تحاول النساء والفتيات الصغيرات الوصول إلى تلك الصورة التي تصدر لهن على أنها النموذج الأوحد للجمال، فإنهن يخسرن الكثير في هذه المحاولات. يخسرن حبهن لأنفسهن، يخسرن رضاهن عن الذات، يخسرن سلامهن النفسي، ويخسرن صحتهن. باختصار يخسرن أنفسهن.

2. تسليع المرأة: كيف يسبب أمراضًا نفسية للنساء؟

وتكون النتيجة مشكلات صحية ونفسية، كاضطرابات الطعام والاكتئاب والخجل والقلق والاشمئزاز من الذات والشعور بالفشل والخزي. وربما تدفعهن إلى الاهتمام بمظهرهن على حساب مستقبلهن الأكاديمي والمهني وتنمية شخصياتهن بشكل متكامل. كما تتشوه الأنوثة، ليصبح معناها منحصرًا في الإغراء والجمال الجسدي والخضوع للرجل. والنتيجة أن بعض النساء يعشن حياتهن خاضعات لتلك المعايير المغلوطة. بينما يتطرف البعض الآخر في الاتجاه المعاكس، فيوئدن أنوثتهن التي صارت ترتبط لديهن بالضعف وقلة الحياء. والقلة هن من يفهمن حقيقة الأنوثة وقيمتها.

3. هل تتأثر العلاقة الحميمة بالتشييئ الجنسي للمرأة؟

ترتبط الحياة الجنسية الجيدة عند البالغين بالحميمية، والثقة بالنفس، والشعور بالسعادة. وكما اتضح فإن استغلال جسد المرأة في الدعاية والإعلان يدفع المرأة إلى التركيز على عيوب جسدها، وعدم تقدير جمالها، وربما رؤية نفسها قبيحة. كل هذا يؤثر على إقبالها على العلاقة الجنسية مع زوجها واستمتاعها بها. وبالنسبة للرجل، فإنه قد يجد صعوبة في العثور على شريكة مقبولة. كما يصير تقديره أقل لجمال زوجته وجاذبيتها الجنسية. كما تصير لديه رغبة جنسية أقوى، لكن دون وجود عاطفة.

4. النظرة الدونية: تسليع المرأة أفقدها الاحترام

التشييئ الجنسي للمرأة يجعل العنف ضد النساء والفتيات، والتحرش والاستغلال الجنسي أمرًا مقبولًا. وهو ما يجعل الدفاع عن القضية فاترًا ويعرض المرأة لمزيد من الأخطار. كما أن النظر للمرأة كشيء جنسي يدفع الأولاد والرجال إلى الاعتقاد بأن النجاح والجاذبية يرتبطان بالسيطرة والعنف، وبأن الرجال أعلى درجة من النساء. فتغيب من العلاقة بين الرجل والمرأة قيم هامة لنجاح أي علاقة كالاحترام والتعاطف.


كيف واجهت النسوية تشييئ المرأة؟

هناك عدة حركات ظهرت لمكافحة تسليع المرأة والتشييئ الجنسي لها. وذلك من أجل تصحيح صورة المرأة، وحماية النساء والفتيات الصغيرات من العواقب السلبية المترتبة عليه:

Geena Davis Institute on Gender in Media: هي مؤسسة تهتم بقضايا النوع في وسائل الإعلام والترفيه. وتهدف إلى التأثير على المنتجين لتصحيح صورة المرأة في الإعلام، والتوقف عن حصرها في أدوار نمطية، وتصوير نماذج أنثوية متنوعة في المواد الإعلامية، خصوصًا تلك الموجهة إلى الأطفال الذين تبلغ أعمارهم الحادية عشرة وأقل.

حملة “لكل بنت 4Every Girl”: تحث صناع الإعلام والمحتوى الترفيهي على إنتاج صور ومواد تمكن الفتيات وتحترم القيمة الحقيقية لكل فتاة.

معًا من أجل الفتيات Together for Girls: هي شراكة عالمية بين عدة أطراف كاليونيسيف، ومنظمة الصحة العالمية، وعدة حكومات ومنظمات المجتمع المدني. تهدف تلك الشراكة إلى إنهاء العنف ضد الأطفال، وتحديدًا العنف الجنسي ضد الفتيات.

مشروع تقدير الذات من دوف: انطلق هذا المشروع منذ قرابة 10 أعوام لمساعدة الفتيات على الاستمتاع بكامل إمكاناتهن، والتغلب على الثقة المتدنية بالذات التي تعوقهن عن ذلك، وتؤثر على صحتهن النفسية والبدنية، وتضعف أداءهن الدراسي وتكوين الصداقات.

في ميثاق الشرف الإعلامي العربي الذي أقرته جامعة الدول العربية، توجد مادة تنص على الالتزام بأخلاقيات المجتمع العربي وعدم استغلال المرأة والطفل في الحملات الإعلانية بشكل يسيء إليهما.

دور الأهل والمؤسسات التعليمية: بالإضافة إلى ما سبق، فإن للأهل والمؤسسات التعليمية دورًا كبيرًا في مكافحة التشييئ الجنسي للمرأة. فالمشاهدة المشتركة بين الأهل والأطفال مهمة في تصحيح الرسائل الإعلامية الخاطئة. كما يمكن أن تقدم المؤسسات التعليمية برامج لمحو الأمية الإعلامية، بهدف تدريب الأطفال والشباب على نقد الرسائل الإعلامية، فلا يكونوا مستهلكين ومتلقين سلبيين طوال الوقت. كما أن تشجيع الفتيات على ممارسة الرياضة يساعدهن في الاهتمام بكفاءة أجسادهن وصحتها وليس بالمظهر فقط.

المصادر:

www.apa.org

www.psychologytoday.com

www.dw.com

www.unicefusa.org

www.youtube.com

المقالة السابقةالرسائل السلبية من الآباء وأثرها على نظرة البنت لجسدها
المقالة القادمةحين احترمت جسدي بأكثر من طريقة

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا