العنف ضد المرأة: معنفات عالقات في البيوت بسبب كورونا

1738

هو كل واحدة جوزها يشتمها تطلق؟!

عادةً لا أشكو، فقد اعتدت الأمر، لطالما طلبت من عائلتي أن تسمعني لكن لا أحد يهتم، فالطلاق أمر غير مطروح للنقاش نهائيًا، ولذلك كنت أرفض التحدث إليكِ في البداية، فما نفع الكلام عن مشكلة ليس لها حل؟ أنا مُدرِسة في مَدرسة “إنترناشونال”، متزوجة ولديَّ طفلان، أعطتنا المدرسة إجازة بنصف المرتب بسبب الكورونا، نذهب أحيانًا للمدرسة لأخذ المواد التعليمية كنسخ مطبوعة لنحولها إلى نسخ إلكترونية ونضعها على موقع المدرسة الإلكتروني للطلبة، ومع هذا لا نتاقضى الراتب كاملاّ، بدافع أنه يجب أن نشارك المدرسة في محنتها، التي لا أجدها أصلاً بما أن الطلاب قد دفعوا مصاريف الفصلين الدراسيين، لكن هذه ليست المشكلة الأساسية.

زوجي يحملني مسؤولية نقص المصروف المنزلي، مع أنه تم تخفيض مرتبه هو الآخر، يقول لي أبشع الكلام كلما رأى وجهي، أتعرفين هذا النوع من الكلام الذي يحتل مساحة دماغك بالكامل ويتردد في أذنك حتى بعد انتهاء “الخناقة” بساعات طويلة؟ الكلام الذي يُشعرك أن الموت أهون؟ رغم أنه يجلس في المنزل 24 ساعة، وأنا التي أتعرض لخطر الإصابة كل حين لآتي بطلبات المنزل ولأذهب للمدرسة كما أخبرتك، لكن أنا دائمًا وأبدًا السبب في كل المشكلات، وأنا دائمًا وأبدًا “البومة” كما يسميني، سر تعاسته الأبدي.

عائلتي تخبرني أنه مجرد كلام، يجب أن يدخل أذني اليمنى ويخرج من اليسرى، لكنهم لا يعلمون كم هذا مضر بصحتي النفسية، يعتبرونني مجنونة لرغبتي في الانفصال فقط لأنه بذيء اللسان، حيث السؤال الأبدي: “هو كل واحدة جوزها يشتمها شتيمتين تتطلق؟!”، لكن الأمر حقيقةً يزيد عن حده، فليس هناك قهوة يخرج إليها ليشتكي لأصدقائه من “بومة” البيت، وليس هناك عمل يعيده للمنزل منهكًا ليأكل وينام كعادته، هناك فقط الفراغ المطلق، الفراغ الذي يجعله يتمادى في إيذائي ويحولني إلى مسخ مثله. أجاهد حتى لا أخرج طاقاتي السوداء على أطفالي.

الحظر لتوطيد العلاقات الأسرية؟

يقولون إن الحظر وسيلة لتوطيد العلاقات أسريًا، لكني أرى هذا هراء، تمامًا كصورة الأسرة المجتمعة في حديقة الفيلا في إعلان مجمع سكني للأغنياء فقط. أنا لم أعرف في حياتي غير البيت وأولادي، لم يسبق لي العمل من قبل، تخرجت من كلية التجارة وجلست بمنزل والدي منتظرة ابن الحلال، وحين تزوجت، أصر زوجي أن أظل كما أنا وأتفرغ للبيت والأولاد.

ظلت حياتي هادئة نوعًا، المشاحنات الزوجية العادية، حتى أتت “اللي ما تتسمى” كورونا، وتوقف زوجي عن العمل وتوقفت معه يوميته، وإحقاقًا للحق، لقد حاول إيجاد عمل آخر، ربما ليس بالقدر الكافي، لا أعرف، لكنه فجأة قرر أنني يجب أن أنزل للبحث عن عمل معه، فأخبرته مرارًا أني لا أعرف حتى كيف أعمل، والأولاد لن يجدوا من يرعاهم، فأصر أن أحاول حتى أعاونه في مصاريف البيت، لأنه لم يعد قادرًا على تحملها في الظروف الراهنة.

انطلقت في رحلة البحث عن عمل، لكني لم أجد ما يتوافق مع مؤهلي، لم أجد سوى عاملة نظافة بمرتب 500 جنيه في الشهر. فأخبرته أنه لا يوجد سوى “هدة حيل” ونقود قليلة، فضلاً عن عدم وجود أي وسائل لتعقيم نفسي بعد استخدام أدوات التنظيف هناك، فأجبرني على قبول الوظيفة، بل ومنعني من شراء الكحول لغلاء سعره قائلاً: “مش اللي نجيبه للأكل والشرب هنصرفه”، وماذا عني؟ ماذا سيحدث إن التقطت العدوى وتسببت بها لأطفالي؟ فيعرض وجهه ولا يجيب عن أسئلتي.

هل كيلو ليمون يُكلِّفك حياتِك؟

كنت أجلس أمام “راوتر” منزلي محاولةً القيام بأي شيء قد يساعدني في تحسين الإنترنت الذي لا يأتي في اليوم إلا مرتين، حتى سمعت صوت صرخات مدوية دبت الرعب في قلبي، كانت واضحة بشكل كبير وعالية تمتلئ بالألم، وكأن أحدهم يحترق حيًا. هرعت إلى الشرفة لأجد الشارع كله متجمعًا محاولاً تتبع مصدر الصوت، لنجده يصدر من شقة في العمارة المقابلة لمنزلي من الدور الـ12، جزعت نفسي حقًا، فمن يصل صوته بهذا الوضوح والألم من دور مرتفع هكذا حتمًا قد رأى هولاً عظيمًا، لم نعرف ماذا نفعل سوى إبلاغ النجدة.

وصلت الشرطة في خلال 15 دقيقة، وكان الصراخ ما يزال مدويًا، لم يخفت للحظة، فإذا بنا نكتشف أنه كان لسيدة وأولادها، ضربها زوجها ضربًا مبرحًا، وحين حاول أولادها التدخل لوقف الضرب نالوا حظهم أيضًا. نُقِلت السيدة للمستشفى بسبب إصاباتها، وقد صعقني منظر وجهها وهو مضرج بالدماء، لأجد جارتي تقول لي من الشرفة المجاورة “تخيلي لماذا ضربها كل هذا الضرب؟ لأنها طلبت منه كيلو ليمون من أجل شم النسيم، ولم يكن لديه ما يكفي من المال، أتمنى حقًا لو يعود الرجال لأشغالهم”.

نسب العنف ضد المرأة تتضاعف مع انتشار كوفيد-19

“سحلني على سلم البيت لأبيع ذهبي وأتكفل بمصروفات البيت لأن كورونا السبب في تسريحه من عمله”.

“تم تسريحي من عملي بدون إخباري، ذهبت للمصنع لأجد أنه لم يعد لي مكان فيه، وحين سألت قالوا إن مواعيد الحظر بسبب كورونا أجبرتنا على تسريح عدد من العاملات، فالرجال وافقوا على البقاء في المصنع والعودة صباح اليوم التالي، فعدت للبيت ليتهمني زوجي بأني سبب ضائقته المادية أنا وأطفالي، لأننا لا نشبع من تناول الطعام، وأمرنا بالذهاب لبيت والدي ليتكفلوا بي”.

“أصبح زوجي يخفي الطعام عني وعن طفليه البالغين من العمر سنتين وست سنوات، يخبرنا أنه يجب أن نأكل ما يسد الرمق فقط، لا نصل حتى للإحساس بالشبع، قائلاً ماذا سيحدث إن لم نجد مالاً نشتري به المزيد من الطعام، رغم أن جمعية خيرية قد أرسلت ما يكفينا من المواد التموينية”.


حالات كثيرة لا يتسع المقال لذكرها كلها، حكايات يدمي لها القلب، عن ضحايا العنف في مصر من النساء، نساء يعانين في صمت بسبب الكورونا، لكن نوعًا آخر غير المعاناة من العدوى أو خوف الإصابة بها، حالات موثقة حقيقية قابلتها بنفسي، وحالات حكت لنا عنها الأستاذة ميسون عبد السلام، مدير مركز مبادرة أجيال المستقبل ومدير فرع جمعية الأحلام الأفرو-آسيوي، من خلال ما قابلته في عملها مع النساء المعنفات من المصريات واللاجئات.

لن ننكر أن كل هذا ليس جديدًا علينا، نعرف تمامًا أن المرأة المصرية مُعنَفة، سواء كان هذا العنف جسديًا أو نفسيًا، في البيت أو في العمل، كم من المرات التى قمنا فيها بالتدوين عن الحالات التي تعرضت لعنف منزلي مبرح، اغتصاب زوجي، تحرش في بيئة العمل أو في الشارع، لكن هذه المرة، تتضاعف وتيرة العنف ضد المرأة بشكل غير مسبوق، ويبقى الموضوع مغلقًا باعتبار أنها أسرار بيوت، أو بسبب النظر للمرأة التي تتحدث أنها خائنة للعشرة، فما المشكلة لو تحملت بعض الكلمات أو اللكمات القاتلة في ظل زوج دفعه يأسه من مصروفات البيت أو فراغ وقته حيث لا قهوة ولا كافتيريا ولا أرجيلة إلى تعنيفها؟! ماذا لو تم تسريحها من عملها فلا تجد قوت أسرتها؟! كلها شكليات في ظل وجود خطر فيروس قاتل يهدد حياة البشرية.

تقول الناشطة النسوية “شروق مصطفى” إنها قد واجهت حالات في منتهى السوء فيما يتعلق بالعنف وتأثير كوفيد-19 على النوع الاجتماعي، حيث زاد العنف ضد المرأة بصورة مرعبة في المنطقة العربية، وإن لم توجد إحصائية دقيقة حتى الآن إلا أن الشكاوى من العنف تضاعفت بشكل ملحوظ عما كانت عليه قبل انتشار كورونا، بل وإن نسبة تسريح النساء من أشغالهن عن الرجال في تزايد مستمر، كل هذا يحدث على مرأى ومسمع من الجميع، فقط يتعامى عنها المجتمع.

المُعنَفة ضحية وليست مُلامة

نحن ندرك أن تأثير فيروس كورونا المادي كان كارثيًا، خصوصًا في دولة نامية مثل مصر تحتل فيها العمالة باليومية وعمالة القطاع الخاص نسبة كبيرة، لكن هذا لا يبرر البتة تصرفات أى مُعنِف، المعاملة الآدمية القائمة على الاحترام المتبادل هي أول شروط تكوين أسرة، إنما التعنيف هو وسيلة بائسة لمحاولة إثبات الرجولة في ظل الإحساس بعدم القدرة على توفير احتياجات المنزل الأساسية. العنف ضد المرأة لا يتوقف عند طبقة معينة، بل يزيد ليطول الطبقة الوسطى والوسطى العليا، وإن لم يكن بالضرب فهو بالكلام الجارح وبالتعنيف النفسي الذى قد يندرج تحت بنود الضحك، كاستخدام بعض البرامج اسكتشات “كوميدية” للتسرية عن “حبس” الرجل مع زوجته في مكان واحد بسبب الحظر.

وأخيرًا، أرجو من كل ضحية عنف ألا تلوم نفسها، فهي ليست بأي حال من الأحوال سبب العنف أو مُلامة عليه، فلتحاول فقط بكل جهدها أن يعلو صوتها، فلتحاول أن تحصل على المساعدة وقتما كانت قادرة على ذلك، يجب أن تعرف أن من حقها ألا تسكت عن العنف مهما كان مصدره، حيث لا يبرر أبدًا العنف أنه “جوزك أبو عيالك”.

اقرأ أيضًا: العلاقات المتفجرة والعزل وكورونا: دليلك لعلاقات صحية

المقالة السابقةمع تصاعد مخاوف الحظر: ما هو الخوف الصحي وغير الصحي؟
المقالة القادمةقائمة أفضل مسلسلات طويلة تركية وكورية ومصرية
آلاء الكسباني
صحفية وكاتبة مصرية.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا