حين احترمت جسدي بأكثر من طريقة

995

لم تكن جدتي لأبي قريبة منا، المشاهد التي أحتفظ لها بها في ذاكرتي قليلة جدًا، أحد أكثر هذه المشاهد وضوحًا هو شكلها وهي جالسة في الفراش تمسك بمكواة كهربائية وتضع قطعة قماش سميكة على ركبتها وتمرر المكواة فوقها، أتذكر أنني تساءلت عن السبب فعرفت وقتها أنها أنها تعاني من التهاب المفاصل وأنها يجب أن تدفئ عظامها دومًا وطوال الوقت حتى تسكن الألم، كانت -رحمها الله- سيدة عنيدة جدًا وقوية الشخصية ولا تسمح لأي كان بأن يخدمها، كان بيتها دومًا نظيفًا جدًا لدرجة غريبة، وكانت تفعل كل شيء لنفسها، ولكنها كانت تقوم بمهامها وهي محنية الظهر وتربط وسطها بحزام صوفي، أتذكر أيضًا أنني تساءلت عن السبب، وعرفت أنه يساعدها في تخفيف آلام ظهرها ويساعدها على الوقوف على قدميها.

ملامح وجهي تشبه ملامح جدتي جدًا، وبنيتي تشبه بنيتها تمامًا، فأنا مثلها طويلة وعريضة، منذ فترة قصيرة نسبيًا دهمتني فجأة حقيقة أنني أتطور لأصير نسخة من جدتي تلك، وفزعت تمامًا عندما تخيلت أنني يمكن أن أضطر لتدفئة ركبتي بالمكواة، أو ألا استطيع الوقوف دون أن أربط وسطي بحزام صوفي، رغم أنني أتمنى لو احتفظت بعنادها وصلابتها وقوة شخصيتها، وصمودها في وجه الكثير من المصائب التي كانت يمكن أن تودي بحياة أي امرأة أخرى، ولكنها كانت أقوى من المعقول.

حين عرفت أنني جميلة

منذ سنوات طويلة لم يعد وزني يمثل لي مشكلة، تصالحت تمامًا مع كوني لست رفيعة، ولم يعد الأمر يمثل لي أي مشكلة، أيقنت أنني لا يجب أصلاً أن أكون نحيفة، وأن هذا ليس هو القانون وأنه يمكن أن أكون جميلة ببنيتي القوية، استغرقت الكثير من الوقت والجهد والرفض والكراهية والبكاء والمعايرات والتنمر حتى أصل لتلك النتيجة، ولكنها كانت تستحق تماماً كل ما بذلته من أجلها، وفي اللحظة التي وصلت فيها لقناعة أنني حقاً جميلة وأنني لا أعاني من أي مشكلة وأن بنية جسدي رائعة كما هي، حدثت معجزة لا أعرف سببها حتى الآن، فقد كف الجميع عن مضايقتي! كفوا عن مناداتي بالألقاب القبيحة وكفوا عن مطالبتي بأن أخسر الوزن الزائد، وكفوا حتى عن التنمر على لوني وملامحي! وكأنها عصا سحرية لمستني فلمستهم جميعًا، فتحول سلوكهم تمامًا من المعايرات الدائمة للاحترام التام.

لا أريد أن أكون جدتي في كل شيء

تعودت على أن أحترم شكلي وملامحي وبنيتي العضلية، ولكنني منذ أن أتممت الثانية والثلاثين وأنا تلح على ذهني صورة جدتي وهي تمسك بالمكواة الدافئة، آثار الحمل والولادة والإرضاع خلفت وهنًا لم يزل من جسدي وعضلاتي، اكتسبت وزنًا قارب على العشرين كيلوجرامًا، ركبتاي تؤلمانني بشكل مستمر تقريبًا ولم أعد سعيدة بما أراه في المرآة، لا أكره ما آراه ولا أحتقره ولكنني أشفق على نفسي من الألم.

أعاني هوسًا دائمًا يتعلق بالتقدم في العمر وفقدان القدرة على أن أتحرك بسرعة وخفة، يفزعني خاطر أن ينحني ظهري أو أعجز عن صعود رصيف مرتفع دون مساعدة، وتحزنني فكرة أن أحتاج المساعدة عندما أريد تحريك قطعة أثاث ثقيلة، تلح على عقلي صور جدتي وأفطن إلى أن قوتها النفسية الشديدة لم تساعدها في جعل ظهرها منتصبًا وأن ثقل الجسد مؤثر ولن أشعر بهذا التأثير وأنا في ثلاثينياتي التي أستطيع فيها أن أحمل الكيلوجرامات الزائدة بسهولة، وأنه سيأتي وقت لن أتمكن فيه من حملها حتى لو لم أكرهها، ستظل قوانين الطبيعة تعمل رغمًا عني.

تغيير نظام حياتي

ولذلك فقد بدأت منذ أشهر قليلة في تغيير نظام حياتي، التغيير الذي قاومته كثيرًا وكنت أظن أنه يمثل بشكل ما رفضًا لذاتي الحقيقية أصبحت الآن مقتنعة أنه على العكس تمامًا فهو احترام لها وقبول تحتاجه نفسي كما يحتاجه جسدي، وأنه لا عيب في أن يغير الإنسان قناعاته تماشيًا مع متطلبات حياته، فأنا لا أريد أن أشعر بالعجز، ولكن هذا لن يتحقق لو لم أغير إيقاع ونمط حياتي، ولذلك بدأت في تغيير جذري كنت أعتبره صعبًا حتى اللحظة التي بدأته فيها، عندها اكتشفت أن العالم تغير كثيرًا وأن البدائل الصحية متاحة بشكل لم أكن أتخيل وجوده.

تغيير نمط حياتي تطلب جهدًا نفسيًا، تنظيم مواعيد تناول الطعام والبحث عن البدائل الصحية وتقليل كميات الزيوت والدهون والكربوهيدرات ليس سهلاً بالنسبة لشخص يحب الطعام ويجيد إعداده، ولكن العالم فعلاً توصل لاختراعات عظيمة، فدقيق الشوفان والسكر الخالي من السعرات الحرارية والمكرونة المصنوعة من الدقيق كامل الحبة أنقذت الكثيرين، لا شيء يأتي بسهولة ولكن بالمفاوضات يمكن أن نتوصل لحل وسط، المهم أنني في كل الأحوال أحترم جسدي وأحبه، وأن صورتي الذهنية عن نفسي جيدة، هذا هو كل ما يهم.

أغير شكلي لأني أحبني

كل هذه الإجراءات ليس سببها أنني أكره ما أنا عليه، ولكن سببها أنني أحب ما أنا عليه جدًا، وأنني أريد الاستمرار في حبي واحترامي لذاتي، لا أريد أن يأتي يوم وأعود للشعور المقيت أنني عبء على نفسي وأن جسدي قبيح وسيئ وأنني لا أستطيع الفكاك من فخه، فهذا الجسد عبر معي الكثير من الصراعات وتحمل أشكالاً من الحياة لم تكن سهلة في الغالب وصمد، يستحق أن أدلله وأكرمه قليلاً كي يتحملني أكثر وكي نحمل بعضنا البعض دومًا دون أن نضطر لاستخدام حزام صوفي أو مكواة دافئة.

المقالة السابقةتسليع المرأة: كيف يستغل الجسد في الدعاية والإعلان؟
المقالة القادمةالدورة الشهرية الأولى: كيف تؤهلين ابنتك لسن البلوغ؟
إنجي إبراهيم
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا