الرسائل السلبية من الآباء وأثرها على نظرة البنت لجسدها

1608

تتلقى النساء في الوطن العربي طوال الوقت الرسائل السلبية وأثرها على أجسامهن، تبدأ أحيانًا منذ أن كن مجرد أجنة في ظلمة الأرحام، فهناك مجتمعات كثيرة تُقدس الذكر، وتعتبر الأنثى ابتلاء من الله، والجنين -بحسب الكثير من الدراسات العلمية- تصله مشاعر الرفض، وتصله الرسائل السلبية وأثرها. فنجد أن كلمات مثل: “جه غلطة” أو “مكنتش عايزاها” أو “يا ريتها ولد” تصلها وتبدأ حياتها بإحساس عدم القبول. عملية الميلاد بشكلٍ عام يشبِّهها بعض علماء النفس بلحظة خروج آدم من الجنة، حيث يخرج من الدفء والراحة والظلام، إلى البرد والضرب على المؤخرة والنور الساطع. هذه العملية تجعل الطفل يشعر بأنه غير مقبول، ومن ثم تعزز تصرفات الوالدين هذا الإحساس، أو تصرفه عنه بأفعال الحب والقبول والاهتمام.

في كثير من الأحيان لا تحصل النساء منذ طفولتهن على مشاعر القبول، يبالغ الأهل في الحرص عليهن وكأن أنوثتهن قنبلة قابلة للانفجار، ولا يدخرون نصيحة أو رسالة أو فعل لكبت هذه الأنوثة، فتنشأ المرأة وهناك علاقة معقدة بينها وبين جسدها، علاقة هي مزيج من الحب والكره، الفخر والخزي، الرغبة في إظهار الأنوثة، ورغبة معاكِسة في طمسها وطمس معالمها.

كبت الأنوثة: كيف يتحكم المجتمع في أجساد النساء

دماء الدورة الشهرية الأولى إذا ظهرت تصبح الحبر الذي تُرسم به حدود جسد الفتاة، تشد على صدرها حمالة الصدر قدر المستطاع حتى تحجِّم نمو الثديين، وتشد ردفيها بـ”المشد/ الكورسيه”، يضاف إليهما بلوزة ضيقة/ بادي، وتصبح هذه الملابس أساسية أسفل أي ملابس أخرى، لتحجيم الجسد، حتى لا يُعلن عن أنوثته في وجه المترصدين. أن تكوني أنثى يعني أن تلتزمي بطريقة مشي معينة، وطريقة جلوس معينة، وطريقة حديثٍ معينة، جميعها تتكاتف لرسم صورة الفتاة النمطية. تقول د. نوال السعداوي في كتابها المرأة والجنس:

إن جزءًا من تربية الفتيات في مصر يركز على ضرورة أن تنتبه الفتاة إلى كيفية جلوسها، بحيث لا تنفرج الساقان مثلاً، بشكل يجعل ثيابها الداخلية ظاهرة لمن يجلس في مقابلها. ويجب أن لا تضع ساقًا على ساق، لأن هذا يخدش الصورة النمطية للفتاة الخجولة.

رغم كل هذا التضييق وكبت مظاهر الأنوثة عند المرأة في طفولتها ومراهقتها، من خلال الرسائل السلبية المعرضة لها دائمًا، ما إن تخطو أولى خطواتها نحو مرحلة الشباب يبدأ الجميع في النظر إليها كعروسٍ محتملة، ومطلوب من هذه العروس أن تمتع زوج المستقبل بمعالم الأنوثة الطاغية التي غالبًا لا تعرف عنها شيئًا، والتي تم التعامل معها بأسلوب “ممنوع الاقتراب أو التصوير”.

الرسائل السلبية من الأهل: ممنوع الخروج من الإطار

قد يعتقد البعض أن الرسائل السلبية التي تُوجه للإنسان مقتصرة على الكلمات فقط، والحقيقة أن النظرة ولغة الجسد يمكنهما إيصال ما هو أكثر من الكلمات، فتعيش الفتاة في بيتها بين أهلها تستقبل الرسائل السلبية بكل طريقةٍ ممكنة، نظرة متوعدة من الأم، كلمة من الأب، سخرية من الأشقاء في حال خرجت عن الصورة النمطية للفتاة الخجولة ولو لبعض الوقت.

رسائل سلبية من الأم: القالب الأول للأنوثة

الأم هي النموذج الأنثوي الذي تتفتح أعين كل طفلة عليه، حتى أن أولى ألعابها الأنثوية هي أن ترتدي ملابس وأحذية والدتها، وأن تلعب بأدوات زينتها ومكياجها، يكون الأمر في البداية مضحكًا ويستحق أن يُقال في جلسات الأصدقاء والعائلة، ثم ما أن تخطو نحو الأنوثة الفعلية تُصبح هذه التصرفات مدعاة للزجر والنهر. وفي مجتمعاتنا العربية تتحمل الأم وحدها مسؤولية تربية الأبناء بشكلٍ عام والإناث بشكلٍ خاص، لذا فإن معظم الرسائل السلبية التي تتلقاها الفتيات عن أجسادهن تأتي من الأمهات، تتوارث الأمهات جيلًا بعد جيل صورة نمطية للفتاة، قالب معين تُحاول أن تضع ابنتها فيه لتكبر دون أن تتجاوز حدوده، ومن هذه الرسائل:

1. التنمر على الوزن: عبء الأمهات الأكبر

الوزن الزائد أو نقص الوزن واحد من أكبر الأزمات التي تواجه كل أنثى في حياتها، فسواء كانت تعاني من النحافة أو البدانة فستظل تتلقى الرسائل السلبية طوال الوقت، من الأم بشكل كبير ومن الأب والعائلة والجيران، ستسمع عبارات على غرار: “إنتي عايزة تملي شوية”، “لأ خسي شوية”، “بطلي أكل”، “إيه ده إنتي قليلة كده ليه؟”. يمتد الأمر أحيانًا للحديث عن أعضائها الأنثوية، فالنحيفة قد توصم بأنها “فلات”، والممتلئة قد يصبح صدرها ومؤخرتها مثارًا للتندر والتنمر.

2. انتقاد اللون: تبييض البشرة هو الأجمل لدى الأمهات

تتوارث الأمهات جيلًا بعد جيل أن تبييض البشرة هو الأجمل، وغالبية النساء تردد على مسامعهن المثل القائل: “السمار نص الجمال، والبياض الجمال كله”، ترديد مثل هذا المثل على مسامع الفتيات في حد ذاته رسالة سلبية، ستجعل الكثير من السمراوات يبحثن عن النصف المفقود من الجمال، ويعرضن بشرتهن للكثير من مواد وكريمات التفتيح المختلفة.

3. الدورة الشهرية: بداية كل القيود

“البتاعة”، “البريود”، “وجع كل شهر”، مسميات مختلفة لما لا يجب ذكر اسمها، لأنها عيب، ومن العيب أيضًا أن يعرف ذكور البيت أن واحدة من نساء البيت تعاني منها، ما يعني أن عليها أن تكتم ألمها الجسدي والنفسي، حفاظًا على هذا السر الخطير. فكثير من الأمهات تخجل أن تتحدث عن الدورة الشهرية مع بناتهن، تكتفي بأن تخبرها أنها كبرت ولا يصح أن تخرج للشارع، البعض يفرضن على الفتيات التزام الحجاب، لكن قلة من الأمهات مَن تخبر ابنتها بكل التغيرات التي تصاحب البلوغ، وما يجب فعله وعدم فعله في تلك الأيام الحرجة.

4. الأعضاء الأنثوية: عيب وحرام

تتحدث د. نوال السعداوي في الجزء الأول من مذكراتها التي حملت اسم “أوراقي.. حياتي“، كيف كانت تدعو عليها عمتها بأن تنقلب ذكرًا، وتؤمِّن على دعوتها جدتها، وعن ذلك تقول:

في الصباح أدخل الحمام أختلس النظر إلى جسدي، لا أستطيع النظر بين ساقي، أخشي أن تتسع المسافة بينهما أكثر من اللازم، لا أقوى على النظر إلى تلك المنطقة المحرمة المحاطة بالخزي والخوف والخشية من قدرة الله.

الأعضاء التناسلية منطقة محرمة، لا يتم التحدث عنها ولا التلفظ باسمها، وبالتأكيد لا تتعلم الفتاة الاعتناء بها من والدتها إلا عند اقتراب زواجها، رغم أن هذه الأعضاء تحتاج عناية خاصة لأنها عُرضة للإصابة بأمراضٍ عدة، أبسطها الفطريات. الأعضاء التناسلية تُعرف أيضًا باسم المناطق الحساسة، لكن اللافت أن التعامل معها أبعد ما يكون عن الحساسية، إذ تلجأ مجتمعات كثيرة إلى عادة قمعية ليست من الطب أو الدين أو العلم في شيء، وهي عادة الختان، وهي أقصى طعنة قد توجه إلى أنثى في أنوثتها، وتأثيرها النفسي والجسدي لا يُمكن أن يُلخص في سطور.

5. التربية الجنسية: المرأة المحترمة جاهلة بجسمها

التربية التي لا تحصل عليها النساء لا في البيت ولا في المدرسة، ويتركن للمعلومات المتداولة على ألسنة الصديقات في الجلسات الخاصة أو من خلال المواقع الإلكترونية مع انتشار الإنترنت، فغالبية القارئات يذكرن كيف تم إلغاء درس التكاثر في المدرسة، الذي يوضح بشكلٍ علمي الفرق بين الأعضاء التناسلية الأنثوية والذكورية وكيفية حدوث التزواج.

في حياتي قابلت بعض الفتيات لم يكن يعرفن أن عملية الولادة تتم من عنق الرحم إلى فتحة المهبل، وكن يتصورن أن الأمر يحدث من فتحة الشرج، فتيات أخريات لم يعرفن عن العملية الجنسية سوى ما ألقي على مسامعها قبل زفافها بأيام، فسبب لها ما يشبه الصدمة. فإهمال التربية الجنسية، هو شكل من أشكال إهمال الأنوثة وكبتها، حتى أصبح المجتمع يرفض الاعتراف بأن للمرأة احتياجات جنسية، فالمرأة “المحترمة” لا تبادر الرجل، الجنس ليس ضرورة في حياتها، هي متعة للرجل أما الحديث عن متعتها هي فهو “عيب”.

الرسائل السلبية من الأهل
الرسائل السلبية من الأهل-صورة تعبيرية

رسائل سلبية من الأب والأشقاء الذكور: البنات هم للمات

في معظم العائلات العربية يُترك أمر تربية الأبناء للأم، ويقتصر دور الأب على كونه العائل المادي، وفيما يتعلق بالتربية فدوره شرفي لا أكثر، يضع الخطوط العريضة التي تسير عليها الفتيات ويترك للأم مهمة التنفيذ، ورغم ذلك فهو يرسل بعض الرسائل السلبية لبناته، ومنها:

  • التعامل مع أنوثة المرأة كأنها ابتلاء من الله، ويصاحب ذلك تقديس للذكورة، وتمنيات لو رزق بالبنين فقط.
  • التعامل مع ابنته كمشروع فضيحة يمشي على قدمين، أو العار الذي سيصاحبه إن لم يحجمها بكل طريقة ممكنة.
  • “البنات همٌّ للممات” أكثر عبارة يوجهها الأب لابنته.
  • أن يقرر ختان بناته أو أن يوافق نساء العائلة على هذا الفعل.
  • المنع كأسلوب حياة: من ملابس معينة، أماكن معينة، أصدقاء، نشاطات.
  • “امشي وعينك في الأرض”، “امشي زي العسكري”، التمايل الطبيعي في مشية الأنثى يعتبره مظهرًا من مظاهر الميوعة.
  • إلقاء اللوم عليها في حالة التعرض للتحرش، ما يجعلها تلتزم الصمت خشية اللوم أو الضرب في بعض الأحيان.
  • الخجل: قد يخجل الأب من أن يعانق ابنته أو أن يسير إلى جوارها في الشارع.

مشكلة جسد البنت: الرسائل السلبية وأثرها

تندرج الرسائل السلبية من الأهل التي تتعرض لها الأنثى تحت بند الإساءات، بحسب ما ورد في كتاب المشورة لأستاذة سوزي لطفي، فالإساءات تُقسم إلى قسمين:

  • الإساءات الإيجابية أو إساءات الفعل، وهي الانتهاكات التي ترتكب في حق الإنسان، سواء كانت جسدية أو نفسية أو جنسية.

  • الإساءات السلبية أو إساءات عدم الفعل، أي عدم تسديد الاحتياجات الأساسية للإنسان، من رعاية صحية وجسدية، المشاركة الوجدانية، الاحترام والحرية والقبول.

وبالتالي فإن الختان أو إجبار الفتاة على ارتداء حمالة صدر ضيقة، أو التنمر أو الإساءات النفسية التي تظهر في شكل تعليقات سلبية على شكلها ومظاهر أنوثتها، فهي إساءات إيجابية، أما إهمال التوعية والتربية الجنسية وتسديد احتياج كل فتاة من القبول والمحبة فهي إساءات سلبية، ومن تأثير هذه الإساءات على النساء:

  1. الشعور بالدونية وعدم تقدير الذات وقلة الثقة بالنفس والاحتياج الدائم للقبول.
  2. صعوبة في الإنجاز وتحقيق الأهداف بسبب الإحساس بالقيمة المفقودة.
  3. صعوبة في التواصل مع الآخرين.
  4. ضعف الحدود الشخصية، وفي بعض الأحيان غيابها تمامًا.
  5. صعوبة في العلاقات الجسدية الحميمة، مثل: إحجام عن ممارسة الجنس، انسحاب أو انقباض العضلات من التوتر.
  6. مشكلات جنسية، بعضها ناتج عن عدم الحصول على التربية الجنسية، والبعض الآخر بسبب الختان.
  7. اضطرابات نفسية، مثل: الاكتئاب، اضطراب القلق، اضطرابات الأكل، الوسواس القهري.
  8. الشعور بالذنب واحتقار الذات وكره الأنوثة.

كيف نتعامل مع النتائج المترتبة عن الرسائل السلبية من الأهل على الجسد

من المريح أن تعرف كل قارئة أنها ليست الوحيدة التي عانت أو تعاني من الرسائل السلبية وأثرها. كل امرأة أخذت نصيبها من هذا الأذى، ومن المريح أكثر أن هذا الأذى يُمكن معالجته، العلاج يحتاج إلى وقت وجهد لكنه موجود. ليس هناك روشتة يمكن أن أكتبها فتسير عليها كل القارئات فيصلن إلى بر التعافي، لكن هناك خطوطًا عريضة يُمكن أن تساعد:

  • الاعتراف بالمشكلة: تحديد المشكلة هي أول خطوة للعلاج. هل الرسائل السلبية سببت مشكلة نفسية أم جسدية أم جنسية، وأي مشكلة صاحبة الأولوية الأولى لمعالجتها.
  • طلب المساعدة/ العلاج: في حال الشكوى من اضطراب نفسي أو مشكلة جسدية، فالعلاج الطبي هو الحل.
  • الحصول على القبول والحب غير المشروط: تفقدنا الرسائل السلبية قبولنا لأنفسنا، عندما نشعر أننا لسنا مقبولات في أعين الآخرين، يحتاج الأمر إلى وجود أشخاص داعمين أو الوجود في مجموعات علاجية أو مجموعات دعم.
  • حب الذات: جملة معتادة ربما، لكنها قاعدة أساسية في مسألة التعافي، والوصول لمرحلة حب وتقدير الذات ليس أمرًا بسيطًا، بل يحتاج لمجهود جبار ومساعدة من الآخرين “أشخاص/ كتب/ محاضرات/ مقالات/ ورش”.
  • الرعاية النفسية: تدليلك لنفسك وشعورك بأنوثتك قد يحدث على يديكِ أنتِ ولا يحتاج لانتظار الآخر، افعلي ما تحبينه لنفسك، اهتمي بها، امنحيها هدية/ فسحة/ رحلة/ لعبة.
  • التوقف عن توجيه الرسائل السلبية للذات: في كثير من الأحيان نردد على أنفسنا ما سمعناه من الآخرين، هذا يجب أن يتوقف، وأن يستبدل برسائل إيجابية وعبارات محفزة “أنا أنثى”، “أنا جميلة”، “أنا محبوبة”، “أنا قوية”… إلخ.

في النهاية يحتاج إيقاف سيل الرسائل السلبية إلى تكاتف كل امرأة، يحتاج إلى وعيها وإيمانها بذاتها وأنوثتها، الأنوثة قوة وشجاعة وحياة، فاكسري دائرة الرسائل السلبية وأثرها واخرجي للعالم خارجها، التعافي خطوة تتبعها أخرى، أخبري نفسك أنكِ أنثى وتستحقين الحياة، صدقي ذلك وساعدي أخرى على أن تُصدق.

المقالة السابقةماذا لو نظرت لوالدتك على أنها ليست أمًا فقط؟!
المقالة القادمةتسليع المرأة: كيف يستغل الجسد في الدعاية والإعلان؟

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا