(1)
كنتُ متنمرة
من غياهب الطفولة لا زال ذلك المشهد يراودني، وقت أن أفلت يد زميلتي في المدرسة لأنها سمينة، وأنا لا أصاحب إلا النحيفات، فالنحيفات جميلات.. النحيفات فقط.
لم يخبرني أحد وقتها أن ما أفعله يسمى تنمرًا، ولم أكن أعلم أني متنمرة، أنا فقط أقيّم البشر بمعايير اكتسبتها ممن حولي.
لسنوات ظلت هذه المعايير تتحكم في اختياراتي، حتى وقعت بالفخ.
(2)
وكنتُ ضحية للتنمر
عوامل عديدة جعلتني فتاة مختلفة عن فتيات المدرسة الثانوية في هذه المنطقة الشعبية، وقعت في الفخ مبكرًا، منذ السنة الأولى لي بالمدرسة وقفت إحدى الفتيات أمامي وسخرت من نحافتي الزائدة.
حاولت الدفاع عن نفسي بقول: “إنتي قليلة الأدب”، فردت بوقاحة: “لأ إنتي اللي قليلة الأدب”، وأكملت حفلتها مع صديقاتها.
أخرجتُ نفسي من الموقف بربطه بمشهد “لينا” في مسرحية “المتزوجون” وهي تحاول هزيمة “نفيسة” في معركة نسائية بقولها “قليلة الأدب إنتي”.. ضحكت وقتها، ولكنها كانت بداية لمرحلة معاناتي من التنمر بسبب نحافتي، بعد أن كانت دافعي لممارسة التنمر.
موقف دفعت ثمنه خوفًا وعزلة، حتى تخرجت من المدرسة الثانوية.. ثلاث سنوات لم أجرؤ فيها على دخول حمام المدرسة، حتى لا تتعرض لي فتيات/ فتوات المدرسة.
(3)
ساندويتش الجبنة بالتنمر
التجمعات النسائية على مواقع التواصل الاجتماعي هي إحدى نوافذي على العالم.. جميع نوافذ العالم تجلب الأذى، ولكنني لا أغلقها.
خلال مناقشات ضارية عن مكونات اللانش بوكس، ما بين مؤيدات للناجتس والبانيه، وحاملات راية ساندويتش الجبنة والخيارة، كنتُ أتابع بملل، حتى قرأت التعليق التالي: “إدي لابنك ساندويتش جبنة، وعلميه ميبصش لأكل زمايله، لأنك كده هتطلعيه متنمر حبيبتي”.
نعم! قرأت التعليق أكثر من مرة لأستوعب الفكرة، أصبتُ بالدوار وقتها، لم أجد علاقة بين ساندويتش الجبنة وأن يصير الطفل متنمرًا، سوى أن هذه الأم لا تدرك تعريف مصطلح التنمر، فألصقته -مسكينة- بأي تعبير سلبي، كعدم الرضا مثلاً.
أهمية تعريف المصطلح يتمثل في الوعي، الذي يحمي الشخص من الوقوع في شركه، إذ كيف لا تكون متنمرًا إذا لم تعرف أصلاً مفهوم مصطلح التنمر؟! وكيف تعلم هذه الأم طفلها حماية نفسه من التنمر، وألا يكون متنمرًا، إذا كانت هي نفسها لا تعي ما تردده؟!
(4)
ابنك يا حاجة!
أنتقي الكلمات من وسط أحاديث طفلي المبعثرة عن يومياته في Kg2، أرتبها لأكوِّن جملاً مفيدة تطمئنني على أحواله، واليوم سمعت ما كنت أخشاه، رغم أنني كنت أتوقع حدوثه:
– عارفة يا ماما، آدم صاحبي، مش التخين لأ، الرفيع…
هذه الجملة كلفتني تأخير عملي في هذا اليوم، من أجل جلسة مطولة مع صغيري، في محاولات لمحو تصنيف البشر بأشكالهم.
لم ولن تكون الجلسة الأخيرة، فالطريق طويل..
الأهم هو هذه الإشارة التي أتتني من جروب أمهات الفصل، والدة الطفل المذكور أعلاه، تطلب الحديث مع أم طفل آخر؛ تأهبت للمعركة، وأنا أعلم جيدًا لأي صف سأتحيز، حتى قرأت شكواها، والتي كانت عن امتلاء مقلمة ابنها بالمياه، والمسؤول عنها الطفل الآخر.
مرة أخرى تأتي أهمية الوعي لاستدراك المشكلة وحلها، قد يعاني الطفل من التنمر يوميًا، ولكن الأم لا تدرك، أو أنها ترى أن هذا مجرد “رخامة عيال”، أو ربما لا تعلم كيفية التعامل مع كون طفلها ضحية للتنمر.
والفرق بين “رخامة العيال” العابرة والتنمر، هو أن التنمر يكون سلوكًا عدوانيًا، يتكرر بنفس النمط، ويحدث بين طرفين يكون أحدهما الأضعف، والضعف هنا ليس بالضرورة أن يكون جسديًا، فهناك طفل ضعيف نفسيًا، وهي الحالة الأخطر.
أما عن التعامل مع الطفل الذي يتعرض للتنمر، فيكون عبر الخطوات التالية:
1- تمكين الطفل وتقويته، عبر اقتراح الردود وطرق التعامل عندما يتعرض للتنمر.
2- الثناء على جهوده في محاولة صد المتنمرين، حتى لو أخفق، اشكريه على محاولاته، فهذا يعزز ثقته بنفسه، ويمنحه دافعًا للنجاح في المرة التالية.
3- إذا لم تفلح المحاولات السابقة، أو كان الطفل يتعرض لاعتداء جسدي، عليك التحدث بنفسك مع المسؤول عن الطفل، ثم المسؤول الأعلى منه، لا تتركي المشكلة إلا إذا تم حلها، فالأمر ليس بسيطًا، إنها نفسية طفلك.
(5)
أنا أم لطفلين، هدفي أن أربيهما جيدًا، حتى لا يصبحان متنمرين، ولا ضحايا للتنمر.