بقلم: كرستينا ناجي
هل حضرت قبل كده أفلام عن ركوب الأمواج أو الركمجة؟ .. شخص بيتعلّم ازاي يمسك القارب في المحيط، يتحرك بكل انسيابيَّة على الأمواج العنيفة، ويقع مرة ويقوم وهكذا..
وأنا بحضر الأفلام دي بحس بالشبه الكبير بينها وبين الحياة: في مراحلها، وتغييراتها، في مشاعر غضب البطل أنها مش بتيجي من أول مرة ومفاجأة الموجة العنيفة اللي بتخبط القارب وتقلبه في لحظة.
وخلّيني أدعوك -عزيزي القارئ- تنطلق معايا بخيالك في الدقائق الجاية؛ وكأنك هتدخل جوَّا الفيلم، تمسك القارب بتاعك، ونقف على الشطّ سوا جاهز؟ يلا بينا.
القارب البرتقاني
يوم مشمس جميل، رملة ناعمة بتلمع زي حبّات الذهب، قُدامك بحر ملوّن بدرجات اللون الأزرق الساحر، أمواج عالية وقارب مخطط بدرجات اللون البرتقاني في ايدك .. وكأنها لحظات البداية والتعرف على الحياة من نظارتك الخاصة، تشوف جمال، بساطة وسهولة الحياة من على الشطّ. تبدأ تتحرك لقُدام، تدخل وتلمس المياه، فتتفاجئ أنها باردة جدًا، فتتراجع وتحتار أكمّل ولا لأ؟!
ومين فينا محسّش الإحساس ده في أيام كثيرة؟! وقال: خلّيني واخد جنب من الحياة بلاش أدوس فيها قوي .. وكأن نفسنا نحمي ونحصن قلوبنا ومشاعرنا من أي جديد. ويبدأ الكبار يعلمونا إزاي نغامر ونكتسب خبرة، وامتي آجي على نفسي واستحمل برودة المياه، أو صعوبة الناس والظروف علشان أبدأ الرحلة.
في عرض البحر
دخلنا لجوَّا شوية، جسمنا اتعوّد على برودة المياه، لكن فجأة تخبط فينا الموجة ونتفاجئ بحاجات أكبر مننا، والجو يكمل علينا بتغييرات عنيفة، من ظروف صعبة تحتاج للتأقلُم، لمهارات محتاجة أتعلمها علشان أعرف أكمل في بحر الحياة..
لكني في لحظتها بتصدم! وبصدّق أن الحياة كبيرة عليّ، البحر مالوش كبير، والموضوع مش سهل زي ما بنوصفه في كلمات، واحنا قاعدين على كرسي مريح قُدام التكييف.
وآه لو القارب اتكسر أو وقعت من عليه. وكأني بفقد مصدر أماني وأدواتي اللي حيلتي ومسنود عليها -أشخاص أو أشياء- علشان أعوم وأكمل أعيش..
خطوة لورا
أفتكر مشهد حضرته في فيلم، واجه البطل موقف صعب أثناء ممارسته رياضة الركمجة، أمواج عالية جدًا قلبته هو والقارب في نص المحيط وتم إنقاذه بمعجزة.
البطل قرر أنه مش هيمارس الرياضة دي ثاني، وحسّ أنه اتهزم واتكسر. وقال: “مش لاعب”. وبدأ يعيش حياته بعيد تمامًا عن المحيط. لكنه بعد وقت من الهُدنة استوعب تفاصيل مكنش هيشوفها بدون الرجوع خطوة لورا. اكتشف احتياجه للقبول أنه وارد يقع ويتصدم وينهار، ومحتاج للمعافرة وعدم الاستسلام من أول وقعة.
زي -مثلًا- أن كسرة القارب وارد تخليني أفكر أتعلم العوم! أو أشتري قارب ثاني وأحاول مرة كمان، أو أطلب مساعدة وأذاكر اللي قبلي عدوها ازاي؟
بتسأل عن الحياة
“يا اللي بتسأل عن الحياة خدها كده زي ما هي، فيها ابتسامة وفيها آه فيها قسية وحنية..”.
وأنا بسمع “منير” بيقول الكلمات دي بحس بحزن، وأمل وحرية!
أمل وحرية؟! ازاي يعني؟!
بحسّ بالأمل، مش مطلوب مني أفهم كل حاجة. والحمد لله على نعمة المحدودية اللي من خلالها باخد حاجات كده زي ما هي، وأخطّي فوقها وأعدّي بحرية!
معتقدش أن فيه حاجة تعديني على الموجة السخيفة في الحياة غير القبول والثقة: قبول محدوديتي وثقتي في الله -سبحانه- الكبير القدير، اللي يعرف يمشيني على أمواج الحياة رغم التحديات، رغم القارب البسيط اللي حيلتي اللي بحاول أجتهد أني أطوره، وأتعلم أتعامل به.
والحكمة: امتي أخطّي خطوة زيادة وأغامر، وامتي أنسحب بشجاعة؟ .. مش لازم أعند وأفك كل الغموض اللي بيواجهني دلوقتي حالًا، وأتراجع بحرية وأنا شايلة القارب البرتقاني على الرملة وبدندن:
“ياللي بتسأل عن الحياة خدها كده زي ما هي..”.
وبكره أحاول مرة ثانية بشجاعة ازاي أمشي على الموجة.
المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب.