اصنع لنفسك قائمة امتنان خاصة بك

1988

الحياة اليومية طاحنة، تشغل العقل والروح كثيرًا، بل وتكسرهما أحيانًا برتمها المتسارع، بين مهام العمل والمنزل والأعباء الاجتماعية، وبين المرض ومشاغل الأسرة والأهل والمشاوير الضرورية، قد نيأس أحيانًا أو لا نستطيع رؤية نقطة نور ولو من بعيد، وبالفعل لا أنكر أنه أحيانًا ما تمر أيام ثقيلة للغاية لا يمكن التفكير فيها بالأمور الإيجابية. لذلك صنعت لنفسي قائمة امتنان شخصية، ألجأ إليها كلما ضاقت روحي، وأحيانًا تساعدني كي أجد الامتنان في بعض الأمور الأخرى التي لا تصادفني بشكل يومي.

أمتن أولاً لنفسي

لذكائي، لقدرتي على التجاوز، لقدرتي أحيانًا على التأقلم، لكل مرة أقف فيها بعد فترة من الكسل أو الإحباط، لأني أخيرًا استطعت مسامحة نفسي ومعاملتي كشخص عادي، يخطئ ويصيب، ويضع أخطاءه في حجمها الصحيح قدر الإمكان، ولتوقفي عن تأنيب نفسي على حوادث وأفعال وقعت منذ سنوات قد تصل إلى 15 عامًا. لتطويري الدائم لنفسي، ولنجاحي في العديد من الأمور التي لم أتوقع النجاح فيها، وتوقع الآخرون فشلي فيها، ولاستطاعتي أيضًا مسامحة الغير ووضعهم أيضًا في حجمهم الطبيعي، ومعرفتي أنهم مثلي، أشخاص يخطئون ويصيبون.

أمتن لابنتي

لوجودها في حياتي، الذي آلمني ووضعني في حفرة اكتئاب عميقة للغاية في بدايته، ثم أصبح وجودها ذاته هو سبب من أسباب رغبتي في أن أصبح شخصًا أفضل، أتغير على عدة مستويات، أتغير بشكل لم أكن أتخيله من قبل. أشعر بامتنان عميق قد لا تعرف هي مقداره أبدًا، أمتن لها كل مرة تثبت لي خطأ تصوري أني أم فاشلة، وأني في النهاية أم لهذه الطفلة الرائعة المدهشة والمليئة بـ”الشقاوة والحنية” في نفس الوقت.

أمتن لزوجي

الذي لم أعتقد قبل 10 سنوات أنني سأعثر عليه، كنت أتعامل مع الدنيا أنني لن أجد الحب، لن يوجد شخص يستطيع تحمل طباعي وأفكاري وحيرتي وتشتتي، لذلك بعد مرور 10 سنوات، 10 سنوات مليئة بالشجار والاكتئاب والأكل العاطفي، أمتن لأنه تحمل معي هذه الرحلة الصعبة المليئة بالمطبات والحفر، ولأنه استطاع هو الآخر أن يطوّر من نفسه ويتقبل أن له بعض الطباع من الممكن تغييرها، وأن لي بعض العيوب التي عليه تقبّلها.

أمتن لأهلي

أعتقد في نفسي أني شخص صالح وطيب، وأعلم جيدًا أنه ربما لم أكن لأمتلك هذه الصفات الحميدة لولا تربيتهم لي، وحين أتعامل مع الآخرين وأجد استعدادهم لفعل أمور ظالمة بشدّة، طالما أنها تصب بالنهاية في مصلحتهم، حينها أمتن لأهلي بشدة على ما أنا عليه. أعلم أنه بالرغم من أي شيء وكل شيء، فإنني إن وقعت في أي مشكلة فهم سندي الذي سأحتمي به دون تفكير، مهما كان الأمر فهو لن يتكلف أكثر من “يا جماعة حد عنده حل؟” لأجد أمامي بدلًا من الحل الواحد ثلاثة أو أربعة. أمتّن مجددًا عندما أسمع عن إخوة يتشاجرون بسبب أمور تافهة كالمعايدات أو الزيارات أو النقود، أن لي إخوة تربّوا على يد والدين لا يقفا كثيرًا عند هذه الأمور.

أمتن لأصدقائي

هم أهلي الذين اخترتهم، يحملون مزايا وعيوب ككل البشر، وأقبلها أو أتغاضى عنها لأن لا أحد بلا عيوب، ولكني أعلمها جيدًا وأقبلهم بها، وأمتن لهم أيضًا لقبولهم بي، بكل عيوبي قبل مزاياي، امتناني يزيد عندما يواجهوني بأخطائي، فأعلم معهم أنهم لا يجاملونني برغم حبهم وصداقتهم لي، ولا يزعجونني بالرغم من اختلاف الطباع والأفكار، ويدعمونني عندما أحتاج لدعمهم، ولا أخجل من طلبه منهم.

أمتن للحيوانات

لم أعتقد يومًا أنني قد أحبهم، وأنهم قد يكونوا عاملاً مؤثرًا في حياتي وأحلامي ومشاريعي وطموحاتي، ولكنهم فجأة أصبحوا محورًا مهمًا لكل خططي. ليس هذا فحسب، فأنا أمتن للحيوانات لأنهم جعلوني أكتشف أنه لا يزال هناك الكثير لأكتشفه عن نفسي وعن قدراتي، وحتى عن إنسانيتي، وأمتن لهم لجعلي أضحك بالرغم من تعبي وضيقي أحيانًا، وأمتن لحبهم غير المحدود لي، وفرحتهم اللا نهائية لمجرد رؤيتي من بعيد.

أمتن للطب النفسي

الذي استطاع أن يحوّلني من شخص مليء بالغضب والإحباط ومصاب بالاكتئاب، لشخص أصبح باستطاعته أن يضحك بشكل عادي، أن يضع الأحداث التي تثير غضبه في حجمها الحقيقي. أمتّن للطب النفسي الذي ساعدني على فهم شخصيتي، محاولة تقبّل الماضي، تفهّم مشاعري والقبول بها. أمتّن للطب النفسي الذي جعلني شخصًا مختلفًا 180 درجة، فتتغير حياتي وشكل علاقاتي بالجميع، أولهم ابنتي وزوجي.

أمتن للتكنولوجيا

التي تأتي بالجو البارد ليهوّن قيظ الصيف، وتحافظ على الأكل من الفساد لمدة أطول، والتي جعلتنا لا نفقد التواصل مع الأهل والأصدقاء في عز أزمة اجتياح وباء للعالم كله. أمتن للإنترنت الذي ساعدني على إيجاد الطريق لممارسة العمل الذي أحبه، وأشاهد الأفلام والمسلسلات بدون إعلانات مزعجة، والتعرف على أصدقاء يشبهونني وأشبههم، ولم أكن لأعثر عليهم في الحياة العادية، وربما ظللت عمري بأكمله دون أن أجد من يشبه روحي.

أمتن للفنون وللكتابة

التي لجأت إليها في العديد من الأوقات، في لحظات حزني أو ضيقي أو حتى فراغي، طالما كانت خير معين لي، سواء كان الفن بأي من أشكاله المرئية أو المسموعة، أو الكتابة الجميلة التي تأخذ العقل بعيدًا أيًا كان محتواها، تدوينات أو حتى كلام علمي مبسط. حين تتكاثر الأفكار في رأسي، وأصاب بالصداع حين تتكالب عليّ، فأهرب منها مع شخصيات فيلم أو مشاعر شخصية في رواية.

اقرأ أيضًا: الامتنان لله: شعور جديد يصف علاقتي بالحياة

وأخيرًا وليس آخر امتناني الدائم لله

الذي وفّقني في حياتي ووهبني كل الأمور والأغراض والأشخاص الذين أمتن لهم، ذكرتهم أم لم أذكرهم، بدون حول لي ولا قوة، هو من جعلني ابنة لهؤلاء الأهل، هو من خلقني في هذا الجيل الذي أحب فعلًا الانتماء إليه ولا أتمنى أن أكون في أي زمن آخر. امتناني لله الذي رزقني بزوج لم أسع إليه، وبابنة أغيّر حياتي من أجل أن أليق بها. أمتن لله على الظل حين تحرقني الشمس والنسمات الباردة في عز الصيف وشمس الشتاء الحنونة، وأشكره وأحمده على كل نعمه عليّ، أدركتها أم لم أدركها.

أما المشكلات والأشخاص المؤذون

فلا أمتن لهم ولا وجودهم ولا لتجربتي معهم، لا أتذكرهم بالحب ولا يوجد بداخلي ذرة امتنان لهم، ولكن امتناني يذهب لكل من وقف بجانبي لجعلي أتجاوزهم. يقول البعض إنه يجب علينا الامتنان للكورونا ونمتن أننا لا نزال بصحة جيدة. بالطبع أمتن لله على صحتي التي لا أملك منها شيئًا، وأمتن لكل من في القائمة السابقة لجعلي أتجاوز مرحلة انهيار الخطط وتأجيل المشاريع لمدة لا يعلمها إلا الله، ولولاهم لما استطعت تجاوز هذه الفترة، ولكني بالتأكيد لا أمتن لفيروس قاتل حصد آلاف الأرواح وخرب اقتصاد الكرة الأرضية.

وفي النهاية

أمتن للامتنان نفسه، لوجود هذه الكلمة في القاموس، الكلمة التي تعرفت عليها بشكل متأخر في حياتي، فأصبحت أحب استخدامها كلما أمكن، ساعدني فعل الامتنان على إيجاد أمور جيدة في وسط الأيام الصعبة، أتعب وأرقد في السرير، فأمتن لوجود الدواء والطب، لا أستطيع طهي وجبة مغذية في عز مرضي، فأمتن لوجود مؤسسة تستطيع توفير الوجبات لي، أبكي في الشارع من التعب والحزن فأمتن لصاحب محل يخبرني أنه معجب بشجاعتي مع كلاب الشارع ويتمنى لو كثر أمثالي. أمور عابرة واعتيادية ومواقف شديدة الصغر، ولكني لم أكن لأنتبه لها لولا تعرفي على هذا الفعل، الذي أصبح حرفيًا وقودًا محركًا للنفس في أوقات الأزمة.

فهل شعرتم يومًا، أن اليوم أصبح ثقيلًا، وأنكم لا تستطيعون التنفس، الأعباء كثيرة والحزن قاتل؟ إن أحسستم بهذا، حاولوا أن تغلقوا أعينكم، احضروا اللحظة، أن تكونوا كما يقول مدربو الورش “هنا ودلوقتي”، أنتم لا زلتم تتمتعون بالصحة، تستطيعون الحصول على الدواء، لديكم منزل، لديكم على الأقل شخص واحد تستطيعون أن تتحدثوا معه بصدق، فكروا أكثر وبعمق، استشعروا دفء مشاعركم ومشاعر من حولكم، لن يصبح العالم مكانًا أجمل فجأة، ولكن هذا التدريب سيزيح القليل من العبء، تمرنوا عليه يوميًا، بل أكثر من مرة في اليوم، لاحظوا الأمور الجيدة في كل موقف وامتنّوا لها، اصنعوا قائمة الامتنانات الخاصة بكم، أعدكم أنها ستساعدكم على اجتياز أيام شديدة الصعوبة كنتم تظنون أنها لن تمر.

اقرأ أيضًا: كيف تتخلص من الحزن: محاولات التخطي والنجاة

المقالة السابقةالروحانية الحقيقية: ما الفرق بينها وبين التدين؟
المقالة القادمة8 طقوس من الروحانيات تشحن روحك فيما تبقى من رمضان

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا