الامتنان لله: شعور جديد يصف علاقتي بالحياة

1157

إلى الله الصاحب والسند… أجلس اليوم عشية رمضان هذا العام لأفكر بعامي المنصرم، وليكن التدوين الخاص بي من رمضان السابق، كان عامًا ملحميًا، فما بين أحداث عالمية تشارك فيها البشر كالوباء الذي نحياه، وأحداث خاصة جدًا لم يعرف البعض بها حتى الآن، جاءتني معية الله وحاوطتني، والآن أجلس وأنا أشعر بشيء واحد فقط، الامتنان، الامتنان لله على ما جاء وكل ما دفع من أذى، على لحظات الضعف، وعلى تسخيره البعض ليرد عني أذى لم أكن أعلم بوجوده إلا بعد ابتعاده عني، أشعر بالامتنان إلى الله على المضايقات المالية والأسرية والعائلية التي مرت بمعية حقيقية، لم تجعلني أرتكب أي حمق أو أرد بإساءة، فقد دافع الله عني.

الله ميقاته دقيق يختار الوقت المناسب لي

بعد أن تخرجت من الجامعة بشهرين فقط استلمت عملي الأول، استمريت في العمل لمدة ست سنوات، من بينها فترة زواجي وحملي، في شهري الأخير وبعد أن ثَقُل عليّ حملي، طلبت إجازة لم أكن أعلم مدة لنهايتها، تركت العمل بطريقة أوضح، بعد أن وضعت صغيرتي بعدة أشهر في شهرها السادس تحديدًا، جاءتني فرصة للعودة للعمل، كانت لديّ مشكلة حقيقية أن أترك الصغيرة في هذه السن، الله وحده المحيط بما كنت أشعر به وقتها، إحساسي الشخصي بالحاجة للعمل والخروج وصوت آخر مُلِح بمسؤوليتي تجاه ابنتي، اخترت أن أبقى معها، كانت فترة عصيبة نفسيًا، بدأت حينها أن أبحث عما يمكنني عمله من المنزل.

بعد أن أتمت الصغيرة عامًا ونصف جاءتني فرصة للعمل بالكتابة، العمل الذي طالما حاولت فيه بكل الطرق ولكنها كانت دائمًا مغلقة، جاءت الفرصة في وقتها وحينها، الوقت الذي كنت قد استنفدت فيه كل طاقتي بالمكوث في المنزل، وأيضًا الوقت الذي بدأت فيه صغيرتي بالانتظام في مواعيد النوم بشكل نسبي، كان الوقت المثالي، الآن أوقن أنني لو كنت عملت في أي وقت غير الوقت الذي حدده الله كنت عانيت من تأنيب الضمير والتعب الجسدي. خلق ذلك الإحساس شعورًا جديدًا يربطني بالله، شعور روحاني بالمعية والامتنان على وجود تلك الروابط التي لا يراها البشر.

التعرض للمشكلات والأزمات طريق جديد عرفت به الله

دائمًا ما يكتشف المرء جوانب من الحياة كلما مرت عليه الأيام وتبدلت به الظروف، فما مر عليّ وأنا ابنة غير ما مر عليّ وأنا أم، وما عايشته وأنا أعمل غير ما عايشته في فترة ابتعادي عن العمل وجلوسي بالمنزل، أشعر بشكر حقيقي لله لأنه مكّنني في كل تلك الأوضاع بأن أرى الكثير من الأوضاع غير المحببة، بالطبع المرور بالأزمات والمكائد ليس سهلًا ولا شيئًا نتمناه، ولكنني رأيت من طباع البشر ما لم يخطر لي ببال، وما لم أستوعب وجوده في كثير من الأوقات.

في الواقع إلى الآن لا أفهم سببًا لطمع البعض وقسوة غيرهم وحب التملك والافتقاد إلى معانٍ أساسية، كالملكية والحفاظ على الخصوصية، طباع سيئة، ولكني شعرت فيها بالمعية وأن الله يربيني، الله يجعلني أرى ما لم أتخيله لأعلم أن الحياة ليست الطريق الضيق المحدد الذي أسير به، ليعلمني أن أنتبه بعدم الوقوع في تلك الأخطاء عند تربية ابنتي، ولا أتغافل عنها اعتقادًا مني أنه لا يوجد بشر بتلك الصفات. الله يربيني ويعلمني كيف اربي صغيرتي.

اقرأ أيضًا: اصنع لنفسك قائمة امتنان خاصة بك

دوائر آمنة من البشر

منذ مدة وأنا أفتقد وجود للصداقة الحقيقية، يوجد الكثير من العلاقات الطيبة الودودة ولكن لا صديق حقيقي، ولا وجود داخل عمل تربط أفراده علاقة ودودة حقيقية، الشغل الأول في الكتابة لي لا يربطنا إلا “جروب فيسبوك” الذي نتفق فيه على المقالات، إلى أن كرمني الله بالعمل في “نون”، نعمل جميعًا عن بعد، فأنا لم ألتق بأي من أفراد العمل لكننا تجمعنا رابطة حقيقية، تعرف كل منا أولاد الأخريات، تعلم أن فلانة ابنتها مريضة تلك الأيام، وأن فلانة ابنها حركي وأن تلك لديها ثلاثة أبناء وأن غيرها ترفض فكرة الإنجاب، مجتمع حقيقي جاء إليّ في أكثر الأوقات التي أحتاج إلى الونس والإحساس بالمشاركة في أمور كالكتابة وتربية الأطفال.

الطريقة التي جاء بها، هي ما أشعرتني بفضل الله وكرمه تجاهي. كنت أسعى في اتجاه مخالف تمامًا في محاولة لتحسين دخلي، تحدثت مع “باسنت” (إحدى أفراد فريق نون)، أسألها عن مكان آخر، لتفاجئني بعدها بعدة ساعات أن لي مكانًا بـ”نون”، بعد سنوات من الكتابة في باب القراء، بكيت يومها لساعات، كان يوم جمعة ودعوت يومها كثيرًا بأنه “يا رب عاوزة شغل تاني في الكتابة”، فجاء العمل في المكان الأقرب لقلبي وبراتب أفضل بكثير. سيبقى ذلك اليوم محفور بداخلي أرجع إليه كلما اجتهدت في طريق صعب لأعلم بأن الله حولي يرعاني ويحميني ويرسم مخططه الخاص الأشمل والأعم من مخططي الشخصي.

كلمات التشجيع على لسان خلق الله

أنا ممن يؤمنون أن الكلام بين البشر أحد رسل الله في الأرض، فالله يرسل على لسان خلقه الطيب من الكلام ليؤنس به الطيبين، في هذا العام كان لي نصيب من الكلمات التي أنارت لي عتمة كبيرة، بداية من الكلام عن كوني أكتب بطريقة جيدة، إلى تعليقات البعض عن علاقتي بوحيدتي، كلمات مثل “مكنتش أعرف إنك ناجحة”، عندما أسأل أحدهم عما اكتشف عني من قرب؟

لحظة الامتنان الأعظم في ذلك العام

تعرض أحد أفراد اسرتي لمشكلة استلزمت الدخول غرفة العمليات لإجراء فحص معين، الشعور الذي لازمني طوال الليل هو السكينة، لدرجة أثارت استغرابي، أنا المعروف عني أن “بتاخد كل حاجة على أعصابها”، خاف الجميع عليّ عندما علموا تلك الوعكة وأثرها عليّ، لكن السكينة التي حلت بي من الله كان أقرب لشعور أن غارق في بحر من الرضا والتسليم. يقيني بأن تلك المشاعر كان الله المنفذ لها وأنه هو سبحانه من ألقى بداخلي تلك السكينة تشعرني بهالة عظيمة من الحب الإلهي.

أخيرًا، في وقت كتابة تلك السطور يكون باقي ساعات معدودة على البدء في الصيام، سأقضيها أكتب إلى الله ما أتمنى، ولكن أكثر ما أتمنى هو أن يُشعرني الله بالرضا والقبول، ويرحمني من التفكير الزائد.

اقرأ أيضًا: فى رحلة معرفة الله: القلب موصول بالخالق في كل وقت

المقالة السابقةكيف أنقذني الامتنان؟
المقالة القادمةحبيب العمر

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا