هل العلاج بالرقص والحركة علاج؟ وهل يمكن أن يسهم في تحسين الحالة النفسية؟ ومن أين يمكن للمرء أن يبدأ إذا ما كان العلاج بالرقص والحركة مجديًا بالفعل؟ حسنا دعوني أحدثكم عن تلك التجربة الحية التي رأيتها بأم عيني. شيء ما كان يتغير في وجه جارتي ذات الملامح الحزينة دومًا، حين تشارك في حفلات الرقص النسائية الصاخبة بمنزلنا القابع بأحد المناطق الشعبية العامرة، كانت تتقن الرقص، وكانت تقدم رقصتها كمجاملة في أفراح أبناء وبنات جاراتها.. فجأة تنفرج الأسارير العابسة وتتحول الـ111 على جبهتها إلى حديقة عامرة بالسعادة، ينفرد ظهرها المحني دومًا ويتحول الجسد الذابل إلى بركان يضرب فتتسع العيون لترى ما يجري. ما جعلني أتساءل دومًا عن ذلك السر القابع خلف فعل الرقص.. هل يسعد الحزانى إلى تلك الدرجة؟
حين كبرت قليلاً بدأت أسمع عن مصطلح العلاج بالرقص، ورش وجلسات تتعدد الأماكن والأشخاص الذين يقدمونها وتبقى الفكرة واحدة ملغزة ومحيرة بالنسبة لي، كيف يمكن للرقص أن يعالج أحدهم، وكيف أمكن له أن يبدل حال جارتي بهذا الإتقان.
ماذا يعني العلاج بالرقص والحركة
بحسب الجمعية الأمريكية للعلاج بالرقص والحركة، فإن حركة الجسم تعتبر أداة ضمنية ومعبرة للتواصل والتعبير، ويعتبر العلاج بالرقص والحركة عملية إبداعية وعلاجية في الوقت نفسه، يشارك فيها طرفان يقوم أحدهما بتوجيه الآخر لاستخدام حركة الجسم عبر الرقص في تكامل الجوانب العاطفية والمعرفية والجسدية والاجتماعية والروحية، حيث ينظر للرقص كأحد أنواع العلاج بالفنون، والتي تتضمن أيضًا الموسيقى والعلاج بالسيكودراما.
تعتبر مهنة المعالجين بالرقص مهنة حديثة نسبيًا حيث تأسست في أربعينيات القرن الماضي، داخل الولايات المتحدة الأمريكية، ولم تنتقل خارجها إلى الثمانينيات، حيث انتقلت إلى بريطانيا، ومن وقتها بدأت في الظهور بعدة دول مثل أستراليا وألمانيا، حيث يمارس المعالجون بالرقص مهنتهم، والتي يقدمون من خلالها خدماتهم إلى مجموعات واسعة من الأشخاص المعرضين للخطر، ويتقم تقديم خدمات العلاج بالحركة والرقص عبر عيادات طبية عامة أو خاصة، وعبر المستشفيات، أو المدارس، أو مقدمي الخدمات الاجتماعية، أو الجمعيات الخيرية، أو دور الرعاية، أو السجون ببعض البلدان.
اقرأ أيضًا: أسرار العلاج بالسيكودراما وخطوات العلاج
متى بدأ هذا النوع من العلاج
بدأ العلاج بالرقص والحركة في أمريكا على يد الطبيبة النفسية، ماريان جاس، التي قادت حركة الرقص في المجتمع الطبي، وأسست الجمعية الأمريكية للعلاج بالرقص والحركة عام 1966، المعالجة النفسية التي لمست أثر الرقص والموسيقى في نفس مرضاها، قررت أن تبدأ حركة مختلفة وجديدة في عالم العلاج النفسي، أتت أكلها سريعًا في الولايات المتحدة الأمريكية، ومنها إلى جميع أنحاء العالم بما فيها مصر.
نحن نتحدث الآن عن مؤتمرات خاصة بالعلاج بالرقص تقام موسميًا وسنويًا، في عدة دول، نتحدث عن دوريات علمية ومجلات متخصصة فقط في الحديث عن العلاج بالرقص، صار هناك منظمات ومراكز ومؤسسات متخصصة في متابعة وتنظيم الفاعليات الخاصة بالعلاج بالرقص، كما في المملكة المتحدة، حيث تأسست منظمة حركة العلاج النفسي بالرقص، وهي المؤسسة التي تسهل لجمهورها العثور على معالج بالرقص، كما تتيح لهم قراءة أحدث الأبحاث، وتقترح على زائرها أن ينضم إلى مجموعات خاصة بالعلاج بالرقص في أنحاء المملكة.
مع ذلك كله، فإن العلاج بالرقص، وإن كان ممارسة علاجية جديدة نسبيًا، إلا أن جذورها تعود إلى آلاف من السنين الماضية، يقول الدكتور كيم دنفي، الأستاذ في جامعة ملبورن، والمعالج بالرقص والحركة في أستراليا، أن الرقص عادة ارتبطت بالبشر في جميع أنحاء العالم، حيث انتقلت الجماعات البشرية من عصر لآخر إلى إيقاعات موسيقية وحركية مشتركة، كانوا يعبرون بها عن الأحداث الهامة في حياتهم، كما في مواسم الحصاد والصيد بل والحروب، فلم يكن الرقص يعبر دائمًا عن السعادة والفرح، بل كان يعبر عن أبعاد عديدة، اجتماعية وثقافية وروحية، ولكن هذا كله لا ينفي أن أسلافنا رقصوا من أجل صحتهم ورفاهيتهم.
في أستراليا كان الأسلاف في وقت مبكر جدًا من تاريخ البشرية يرقصون من أجل الشفاء، ثم صار الرقص طقسًا أساسيًا في الأحداث الفاصلة بعمر البشر، كالولادة، والبلوغ والزواج والموت أيضًا، كما في طقوس الحداد التي جرى توثيقها بقبيلة يولنجو في شمال أستراليا.
اقرأ أيضًا: الرقص أفيون الشعوب
ما هي فوائد العلاج بالرقص والحركة
الرقص أفيون الشعوب، هو فعل مريح في كل الأوقات، عند السعادة والحزن، الخسارة والمكسب، النجاح والفشل، في كل الأوقات يمكن للمرء أن يعبر بجسده عما يشعر حقًا، لكن في الواقع الفوائد التي تعود على المرء من فعل الرقص سواء كان بهدف العلاج أو الاستمتاع مثيرة للتأمل. فمثلاً يشير الباحث الأسترالي كيم دنفي أن الرقص يساعد مرضى باركنسون (الشلل الرعاش) على تحسين توازنهم وتناسق حركتهم، كما يساعد الأشخاص المصابين بالخرف (آلزهايمر) غير القادرين على التعبير عن أنفسهم شفهيًا، على الاستمتاع بالتواصل من خلال الحركة والرقص.
في الواقع الرقص وسيلة مناسبة للحفاظ على اللياقة البدنية في جميع الأعمار، وهو مناسب في كل الأحوال، مهما كان شكل أو حجم جسدك، يمكن للرقص أن يحسن أداء عضلاتك وقوة تحملك ولياقتك بطريقة رائعة، فضلاً عن كونه وسيلة مختلفة لمقابلة أصدقاء جدد، مع ذلك وفي حال تجاوز سن الأربعين يجب مراجعة الطبيب للتأكد من إمكانية الممارسة، في حال كنت تعاني من الوزن الزائد أو تعاني من أي مشكلات طبية، لكن بشكل عام يمكننا أن نلخص فوائد الرقص في نقاط محددة:
- يحسن حالة القلب والرئتين.
- يزيد من القوة العضلية والقدرة الحركية.
- يساعد على إدارة الوزن ويحسن من الأداء العام.
- يمنح عظامًا أقوى ويقلل خطر الإصابة بهشاشة العظام.
- يمنح تناسقًا حركيًا أفضل وخفة في الحركة فضلاً عن المرونة.
- يزيد من الثقة الجسدية.
- يحسن الأداء العقلي.
- يحسن الصحة العامة والنفسية.
- يمنح المرء مزيدًا من الثقة بالنفس واحترام الذات.
- يمنح مهارات اجتماعية وتواصل أفضل مع الآخرين.
كيف تبدئين وإلى أين تذهبين؟
يمكنك الرقص في مجموعة أو مع شريك أو بمفردك، هناك الكثير من الأماكن المختلفة، حيث يمكنك الاستمتاع بالرقص، فمثلاً هناك مدارس متخصصة في مجال الرقص، وهناك تجمعات تقام من وقت لآخر للعلاج بالرقص كالورش والجلسات الخاصة، سواء كانت مجانية أو بمقابل، قاعات الجيم ومراكز اللياقة البدنية صارت تعتمد الرقص كواحد من الأنشطة الشائعة للحفاظ على اللياقة البدنية إلى جانب التمرينات، يمكنك العثور على جدول دروس الرقص في أقرب نادٍ أو مركز صحي لك، وإن لم تكن ظروفك المادية تسمح لذلك كله، يمكنك أن تمارسي الرقص بمنزلك وحدك عبر الدروس المتوافر عبر يوتيوب، المهم أن تختاري نوع الرقص الذي ترغبين في تجربته أولاً، حيث إن هناك أنواع عدة مثل:
- البالية
- الفالس
- الزومبا
- الرومبا
- الفوكستروت
- الرقص الشرقي
- الهيب هوب
- الجاز
- الرقص على عمود
- السالسا
هناك الكثير من الأنواع التي يمكنك ممارستها، ولكن اختيار الرقصة المناسبة يحتاج منك أن تبدئي في سؤال نفسك عدة أسئلة:
- لماذا أرغب في تعلم الرقص؟
- هل أحاول تنمية مرونة جسدي أم صحتي النفسية؟
- هل أفضل الرقص السريع أو الرقص الهادئ؟
- هل أرغب في أن أرقص في مجموعة أم أرقص وحدي؟
- هل سأرغب في المنافسة أم أرغب في الرقص من أجل الاستمتاع فحسب؟
إن كنت تقيمين في مصر، يمكنك اللجوء إلى واحدة من الأماكن العديدة التي بدأت في تقديم خدمات العلاج بالرقص، من بينها مراكز صحية وأخرى ثقافية، يمكنك العثور داخلها على جلسات وورش خاصة بالعلاج بالرقص، بعضها يقدمه بشكل مستديم والبعض الآخر يقدمه في صورة ورش تتكرر من وقت لآخر، أردنا تقديم نماذج لبعض الأماكن التي يمكنك العثور على جلسات للعلاج بالرقص داخلها مثلاً:
وأخيرًا أردت أن أقول لك إن جسدك هدية قيمة من الخالق، لا تنسي الاعتناء بها، العناية هنا غير مقصود بها الكريمات باهظة الثمن، وجلسات السبا والساونا، ولكن مقصود بها عناية حقيقية تضمن أفضل أداء وصحة لذلك الكيان الذي يحملك بداخله ويقودك نحو كل شيء رائع وجميل.
اقرأ أيضًا: في محبة الجسد الذي كدت أنساه: كيف غيرني الرقص!