كيف تجعل حياتك أكثر بساطة وسعادة؟

1934

عندما كنا صغارًا كانت أحلامنا كبيرة. كنت أحلم مثلاً بأن أحصل على جائزة نوبل في الأدب مثل نجيب محفوظ. ومع مرور السنوات صارت أحلامي أبسط: أن أكون أنا وأهلي في عافية وأمان، أن يتلقى أبنائي تعليمًا جيدًا، أن أكتب مقالاً مؤثرًا أو أعقد ورشة تدريبية ناجحة. كبرنا وصارت أحلامنا أبسط. كبرنا واكتشفنا أن الأمور البسيطة هي أكثر ما يجلب السعادة والسكينة. وهذا ليس عن انهزام أو استسلام، ولكن ربما لأن نظرتنا للحياة صارت أكثر واقعية وعمقًا.

البساطة في إسعاد أنفسنا

الشعور بالسعادة والسكينة يمكن أن يتحقق بأمور بسيطة: تناول وجبة شهية مع الأسرة، مشاهدة فيلم ملهم، قراءة كتاب، صلاة في خشوع، دعاء من القلب، نسمة هواء باردة في ليلة حارة، حمام دافئ، سرور تدخله على قلب غيرك، رائحة الخبيز أو تناول السحلب في ليلة شتوية باردة، حضن دافئ من صغارك مع كلمة “بحبك”.. وهكذا.

 

البساطة في العزومات

إكرام الضيف واجب، لكن عندما يصل الأمر بالبعض إلى الاستدانة فإن هذا يعتبر تكلفًا وليس إكرامًا للضيف. عندما يلقى بكميات كبيرة من الطعام في القمامة، فإنه إهدار للنعمة وليس إكرامًا للضيف. أعدي من أصناف الطعام ما تطيقينه صحيًا وماديًا. فإكرام الضيف ليس في تعدد أصناف الطعام أو ارتفاع أسعارها، وإنما في البشاشة وحسن الاستقبال. إن الهدف من العزومات ليس في استعراض القدرة على الطبخ، ولا التفاخر بكثرة الأموال مثلاً، ولكن هدفها الود وتقوية الروابط. أعدي أفضل ما تستطيعين في حدود قدراتك. هذا إن كنت المضيف، فماذا لو كنت الضيف؟

اقرأ أيضًا: كيف يمكن التوفير في المصروف عن طريق التوفير في الطعام !

البساطة في الزيارات

اعتدنا أنه من حسن الخلق ألا نزور أحدًا “وإيدينا فاضية”. والجميل أن نختار تقديم ما يناسبنا ويناسب المضيف. أتمنى ألا تعوقنا الرغبة في تقديم هدية مرتفعة الثمن من التواد والتهادي. هدية بسيطة، حلوى من صنع يديك قد تفي بالغرض وتبعث برسالة كرم وحب. فواكه طازجة قد تكون الخيار الأنسب إن كان المضيف مريض سكر أو يعاني من حساسية القمح. ذات مرة زارنا صديق يبارك لنا مولودنا الجديد ومعه شكارة أرز وعلب عصير. أعجبني تفكيره خارج الصندوق. كما كانت هديته مفيدة لنا. وكلما كانت العلاقة أقوى استطعنا أن نختار ما يفيد أهل البيت بشكل أكبر.

البساطة في أعياد الميلاد

أحن لأيام الطفولة عندما كانت أمي تصنع كعكة عيد الميلاد بنفسها. كنت أقدِّر تعبها، وأشعر أن كعكتها هي الأحلى في العالم. أحن لأيام الطفولة عندما كنا نتجمع للاحتفال بأعياد ميلادنا في البيوت، وعندما كان الكبار يلاعبوننا بأنفسهم. لا أنتقد من يحتفل في نادٍ أو مطعم، ويحضر فرقة تقدم برنامجًا مخصصًا للحفل. ولكن عن نفسي أشعر بالحنين للماضي. لا أدرى هل السبب أنها كانت أكثر بساطة وحميمية، أم أنها نوستالجيا الطفولة وتجمع العائلة.

اقرأ أيضًا: لماذا نحب “التسعينات”

 البساطة في الخروجات

من ذكرياتي السعيدة في الطفولة عندما كنت أذهب مع أمي وخالاتي وأبنائهن يعزمنا خالي على كشري، ثم نذهب بعدها لتناول المشروبات الباردة عند الكشك. كذلك عندما كانت أمي تأخذني لألعب مع سيد وأخيه في جنينة عم جودة (نسبة إلى صاحب الكشك المجاور للحديقة). أحرص على تكرار الشيء نفسه مع أبنائي. تارة نتنزه في أماكن بعيدة تحتاج إلى إعدادات. وتارة نكتفي بالنزول لشرب العصير أو تناول الآيس كريم، أو اصطحاب السندوتشات والكيك وترمس الشاي إلى الحديقة. نحاول التكيف مع ظروفنا والاستمتاع بالمتاح. يحتاج أبناؤنا إلى تعلم الاستمتاع بالأشياء البسيطة والتفاصيل الصغيرة.

عن نفسي، أحب أن أخرج بأبنائي وسط الطبيعة. أراها بيئة غنية، على عكس المولات التجارية مثلاً، أشعر أنها بيئة مصطنعة. وعلى الرغم من بساطة المطلب: شمس، وهواء، وخضرة، فإنه يصعب تحقيقه. يصعب أن تجد حديقة نظيفة، بجوار منزلك، برسم دخول اقتصادي. صرنا نتفنن في بناء المباني ونكثر منها، حتى صارت الطبيعة عزيزة المنال. ابتعدنا عن الطبيعة، ثم أصبحنا نحاول محاكاتها وجلبها إلى بيئتنا.

البساطة في تجهيز المنزل

يتكشف لي مع مرور الوقت أن كثيرًا من الأشياء وقطع الأثاث التي جهزنا بها منزلنا عند الزواج ليست هي الأكثر ملاءمة لاحتياجاتنا. المشكلة أن التخلي عن تلك الأشياء التي لم نعد بحاجة إليها ليس دائمًا سهلاً، خصوصًا إن كانت لها قيمة عاطفية أو كانت مرتفعة الثمن. ولكن الأمر يقتضي الشجاعة، والتغلب على الخوف من الخسارة، والتفكير بشكل عملي وتغليب المصلحة.

البساطة في العلاقات

كان تصوري عن الوقت الذي أقضيه مع أبنائي أنه يجب أن يكون طويلاً، له توقيت محدد، وأن علينا أن نقوم فيه بنشاط معد مسبقًا أو ذي خطوات واضحة. فيما بعد، تعلمت أن العفوية تربح. فيكفينا لنشعر بالبهجة والتواصل وقت قليل نكون حاضرين فيه بقلوبنا وعقولنا. نمثل بالعرائس أو بأصابعنا، نلتقط صورًا على الموبايل، أو نشاهد صورًا لهم وهم صغار، أو نقرأ قصة قبل النوم. نفعل ذلك في أي مكان وفي أي وضع، جالسين أو مستلقين، وبما يحضرنا وقتها، ودون كثير من التخطيط.

الاهتمام والحب يظهران في تفاصيل بسيطة لكن فارقة. مثلاً: تهتمين بتوفير جو من الهدوء لزوجك لكي ينام بعد يوم عمل مرهق أو ليلة نغصها الأرق. تقوم بتغيير الحفاضة لطفلك أو تحاول تهدئته عندما تلاحظ تعب زوجتك في نهاية اليوم. تتصل بوالدتك في طريقك للمنزل لترى إن كانت بحاجة لشيء تشتريه لها. تحضرين لأختك شوكولاتة لأنك تعلمين أنها تحبها. تحضن أبناءك وتقبلهم.

البساطة في أعمال الخير

عمل الخير ليس مرتبطًا بالعمى والفقر. قدر استطاعتنا يمكننا أن نساعد الغير ونسعدهم. في أحد أيام رمضان كنا ننتظر دورنا في محطة البنزين، وقد أوشكت الشمس على الغروب. أسرني مشهد عامل في المحطة، وقد تلطخت ملابسه ووجهه بالشحم، وهو يقف بكيس من البلح الجاف يوزع منه على السيارات، ثم رأيته يوزعه على زملائه. علمتني أستاذتي أن نعد زجاجات نصفها ثلج ونصفها ماء، ثم نوزعها في الصيف على محصل الكهرباء أو المكوجي أو عمال النظافة في الشوارع. والأفكار لا تعد ولا تحصى.

ما معني البساطة؟

إن التكلف يجعل الأمور أصعب. والنتيجة أننا نقوم بما نقوم به ونحن متأففون، أو أننا نتوقف عن القيام به. وفي جميع الأحوال لا نشعر بالرضا. ربما يرتبط التكلف بالسعي إلى الكمال والمثالية.  البساطة لا تعني الاستسهال أو التكاسل والتهرب من المسؤولية. إنها تعني التركيز على الجوهر أكثر من الشكل، على الهدف أكثر من الوسيلة (دون أن يعني ذلك بالطبع أن الغاية تبرر الوسيلة). البساطة تجعل حياتنا أكثر سلاسة وتساعدنا على توجيه طاقتنا نحو ما يستحق. البساطة تتطلب شجاعة التغيير والتواصل بعمق مع من حولنا ومع أنفسنا ومع الله.

اقرأ أيضًا” سحر البساطة والتمكين في حياة “جليلة”

المقالة السابقةكيف غيرت الأمومة رؤيتي للأعمال الفنية
المقالة القادمةدليلك الكامل: كل ما تود معرفته عن العلاج بالرقص والحركة

1 تعليق

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا