ما يسببه لك التفكير الزائد.. وكيف تتجنب الإصابة بالقلق

1991

تظل رؤوسنا تجول في كل الأماكن، لا تهدأ ولا تستريح، مئات الأفكار والترتيبات والخطط، مئات التصورات والتخيلات ورُبما الهلاوس والهواجس، عالم كامل يستنزف أعصابنا وأجسادنا لا تتخطى حدوده رؤوسنا، أهكذا يُمكننا أن نُعرّف التفكير الزائد عن الحدّ؟

رُبما سمعنا من قبل هذه النصيحة المُكررة دومًا، وهي أنه إذا لم تشغل رأسك بشيء فستأكلك، إذا لم تنشغل بشيء ما يستغرق تركيزك وانتباهك ويُوقف دوامة الأفكار التي لا تهدأ برأسك، ستستهلكك رأسك تمامًا، ستستنزف أعصابك وستبدأ في إنهاكك جسديًا، وكثيرًا ما سمعنا عن الأمراض التي يحتار الأطباء في معرفة سببها، ثم يُرجعونها ببساطة إلى العامل النفسي.. قلق رُبما اكتئاب جائز أو تفكير زائد عن الحدّ لا يكف ولا يهدأ.

لا يُمكنني السير دون خطة واضحة

كثيرًا ما كانت تُردد صديقتي أنه لا يُمكنها متابعة سير حياتها دون خطة واضحة، دون أن تعرف أين سترسو قدماها في الخطوة التالية تحديدًا، كانت تُرهق نفسها أو تُرهقها رأسها في كثير من التصورات والأفكار، فتُخطط لمكان الولادة منذ شهر حملها الأول، وتحمل هم أمر قد يحدث بعد أعوام من الآن، وإذا لم تجد ما تُفكر فيه بشأن الغد شغلتها رأسها بأمور الأمس، فتظل تتذكر وتفكر في أمور قد مرّ عليها وقت وانتهت، ولا تستطيع أن تجد سبيلاً لإيقاف رأسها عن  كل هذا.

الفائدة التي يمكن تحصيلها من الوقت والجهد المبذول في التفكير، هي فائدة ضئيلة للغاية، بالإضافة إلى وجود كثير من الجوانب السلبية لقضاء الكثير من الوقت مع أفكارنا وداخل رؤوسنا

بعد مرور وقت، وجدت صديقتي نفسها دون سبب جسدي واضح، مريضة قولون عصبي، تنكسر أسنانها لأتفه سبب أو حتى دون سبب أصلاً، تُعاني دومًا من الإرهاق والخمول وعدم القدرة على التحرك في أحيان كثيرة، يئن جسدها تمامًا ويفقد طاقته بينما رأسها لا يفقد طاقته، وتستمر في دورانها في دوائر لا متناهية، ويُخبرها الأطباء أنه عليها أن تُحسن من حالتها النفسية.

بعد انتشار جائحة كوفيد-19 ومُلازمة الجميع لمنازلهم لعدّة أشهر، رُبما مرّ كثير منّا بما مرّت به صديقتي، رُبما وجدنا أنفسنا حبيسي رؤوسنا، نحمل هم ما قد يحدث، ونضع عددًا من التصورات اللا نهائية عمّا قد تحمله الأيام، ببساطة ما علينا إدراكه هنا أن الواقع قد يحمل لك سيناريو لم يكن يخطر ببالك، وعلينا الاعتراف أن قدراتنا على التخطيط وحتى على التخيل هي قدرات محدودة، ولن تستطيع أن تُلّم بكل الجوانب والمُعطيات والمُتغيرات التي يشملها واقعك وتتضمنها حياتك.

وحتى لا ندور في هذه الدائرة من التفكير الزائد للأبد، يُمكننا التعرّف عن قرب أكثر على التفكير الزائد، وكيف يُمكننا السيطرة على هذا الأمر.

ما هو التفكير الزائد عن الحد؟

يمكن أن يتخذ التفكير الزائد أشكالاً مُتعددة، مثل: المداولات اللا نهائية عند اتخاذ قرار، ثم التشكيك في القرار، ومحاولة قراءة عقول ونوايا المُحيطين بك، ومحاولة التنبؤ بالمستقبل، ومُحاولة استقراء أصغر التفاصيل والوصول إلى معانٍ لها، وغيرها من الأشياء التي يشملها التفكير الزائد. لكن كل أنواع التفكير الزائد تشترك في شيء واحد، وهي أن الفائدة التي يمكن تحصيلها من الوقت والجهد المبذول في التفكير، هي فائدة ضئيلة للغاية، بالإضافة إلى وجود كثير من الجوانب السلبية لقضاء الكثير من الوقت مع أفكارنا وداخل رؤوسنا.

التفكير الزائد طريقك للإصابة بالقلق

يُصبح للإفراط في التفكير وفقًا لموقع webmd بعض التكاليف الشائعة، ومنها:

قد يُصاب المقربون منك بالضيق والملل والإحباط لسماعهم نفس الأشياء منك مرارًا وتكرارًا، دون أن تتخذ قرارًا

ضياع الفرص

من المفيد التفكير المُتزن العميق قبل قبول أو رفض أمر ما، ولكن إذا فكرت لفترة طويلة في اتخاذ قرار، فمن المحتمل أن ترى الفرص تمر بك، فرُبما حان الوقت للقيام بخطوات عملية بدلاً من الوقوف في مكانك.

الشعور بأنك تدور في دوائر لا مُتناهية

من المُحتمل أن تدرك أنك تسير على نفس الطريق العقلي عدّة مرات، ومع ذلك تستمر ولا تستطيع التوقف، يُعتبر هذا أمر مُحبط ومُستنزف، يمكن أن تتوهم أنك تفعل شيئًا جيدًا عندما تُفرط في التفكير، لكن الحقيقة أنك تُضيع الكثير من الوقت والجهد.

مُضايقة المُحيطين بك

تمامًا كما يمكن أن يؤدي الإفراط في التفكير إلى استنزافك، فإنه يمكن أن يستنفد من حولك. قد يُصاب المقربون منك بالضيق والملل والإحباط لسماعهم نفس الأشياء منك مرارًا وتكرارًا، دون أن تتخذ قرارًا، أو تقوم بخطوة فعلية، وهذا يمكن أن يجعلك تُعاني في علاقاتك.

القلق

عندما تُفكر كثيرًا فإنك تعتقد أن هذا هو الطريق الذي يجعلك قادرًا على حل مشكلة ما من خلال بذل الطاقة الذهنية الكافية، لكن عدم القدرة على حل المشكلات أو التقدم أي خطوة، يجعلك في النهاية تشعر بالقلق والغضب، ويملؤك بالشك.


كيف يُمكن إذًا أن تضع حدًّا لكل هذا؟

هناك الكثير من الطرق لمعالجة التفكير الزائد ، يسرد موقع the healthy بعض هذه الطرق التي بإمكانها أن تُخرجك من رأسك، ومنها:

1. تصالح مع إمكانية ارتكاب الأخطاء

يُمكنك تحديد 20 دقيقة من الوقت للتفكير، وإدراج هذا الأمر في جدولك اليومي، خلال تلك الفترة الزمنية اسمح لنفسك أن تقلق أو تتخيل أو تفكر فيما تريد

إذا كنت تُعاني من التفكير الزائد، فقد يكون هذا لأنك لا ترغب في اتخاذ القرار الخاطئ، تصالح مع فكرة أنك إنسان، وأنك تسير في الحياة بمعرفة ناقصة، هذه المعرفة الناقصة تجعلك عُرضة لارتكاب الأخطاء، وما عليك في هذه الحالة هو إعادة صياغة الأخطاء واعتبارها فرصًا للتعلم، بدلاً من اعتبارها شيئًا فظيعًا يجب تجنبه بأي ثمن.

2. تواصل مع جسمك

هناك طريقة جيدة للخروج من رأسك، وهي الدخول إلى جسمك. عندما تجد نفسك عالقًا في وضع التفكير الزائد، فحاول القيام ببعض التمارين، أو الوقوف، هذا من شأنه أن يُفكك سلسلة أفكارك التي لا تستطيع إيقافها.

3. لاحظ متى تكون مُبالغًا في التفكير وصارح نفسك

يمكن أن يصبح التفكير الزائد عادة لا تتعرف عليها حتى عند القيام بذلك، ابدأ في الانتباه إلى طريقة تفكيرك حتى تتمكن من إدراك المشكلة، عندما تستعيد الأحداث في عقلك مرارًا وتكرارًا، أو تقلق بشأن الأشياء التي لا يمكنك التحكم فيها، فعليك الاعتراف بأن أفكارك ليست مثمرة، ومصارحة نفسك بأن ما تفعله هو مُبالغة في التفكير، فالتفكير مفيد فقط عندما يؤدي إلى عمل إيجابي، التعمق في مشكلاتك ليس مفيدًا، لكن البحث عن حلول هو الأمر المفيد.

4. تحديد وقت مُعين للتفكير

يُمكنك تحديد 20 دقيقة من الوقت للتفكير، وإدراج هذا الأمر في جدولك اليومي، خلال تلك الفترة الزمنية اسمح لنفسك أن تقلق أو تتخيل أو تفكر فيما تريد، وعندما ينتهي هذا الوقت، انتقل إلى شيء آخر لتفعله، وعندما تجد نفسك تبدأ في التفكير خارج وقت التفكير المُحدد، يكون كل ما عليك هو تذكير نفسك أنك ستحتاج إلى الانتظار حتى “وقت التفكير” الخاص بك لمعالجة هذه المشكلات في عقلك.

5. تعلم مهارة العيش “هنا” و”الآن”

من غير المُفيد إعادة صياغة الأمس، أو القلق بشأن الغد، عندما تعيش في الوقت الحاضر. سوف تساعدك مهارة العيش “هنا” و”الآن” على أن تصبح أكثر وعيًا بلحظتك الحالية، هذه ليست مهارة سهلة، سيستغرق ذهنك وقتًا لإجادتها، لكنها مهارة هامة يُمكنها أن تُقلل من التفكير الزائد.

6. لا تحاول إجبار نفسك على النوم

إذا لم تشعر بالنعاس، فلا تدخل الفراش وتحاول إجبار نفسك على النوم، فالوقت الذي تقضيه في السرير مُحاولاً النوم، سيقودك أن تدور بذهنك في كل الموضوعات التي تودّ أن تتجنب التفكير فيها، هناك حل أفضل في هذه الحالة، يتمثل في قضاء مدة 20-30 دقيقة إضافية على الأريكة، تقرأ خلالها مثلاً، فهذا سيساعدك على النوم بشكل أسرع.

اقرأ أيضًا: نوبة القلق المتكررة: كيف هي وما فعلته بحياتي

المقالة السابقةما علمني إياه أبي
المقالة القادمةالتحرش والصحة النفسية للمرأة: قصص من الواقع
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا