بقلم: لاڤي عطية
في مساء يوم الأحد عدت من عملي وملامح الحزن واليأس تملؤني، بسبب تعرضي لموقف ما أحزنني مع أحد رؤسائي في العمل، وكي أفرغ ما في قلبي من حزن تحدثت مع أخي الذي يصغرني بـ5 أعوام، ورغم أنه يصغرني لكنه يكبرني بعقله الذي يرى الأمور من زواياها الصحيحة التي يجب أن نراها منها. وجلسنا نتحدث، وأفرغت ما في قلبي، وأخبرته أثناء الحديث أنني أرغب في الاستقلال، وأرغب بفتح مشروعي الخاص الذي أحلم به منذ ثلاثة أعوام، لأنني سئمت العمل عند الآخرين. وبينما نحن نتحدث قاطعنا أبي بعد أن سمع حديثي.
وجدت أبي يخبرني أن الاستقلال في العمل ليس بالراحة التي أتصورها، وأنه أخبرني مئات بل آلاف المرات أن أستقل بعملي ولا أضيع عمري في العمل عند الآخرين لأنني في النهاية لن أجني سوى التعب وضياع العمر في روتين يومي ممل. وأكمل أنني أنا من أصر على الفشل ولا أرغب في فعل شيء. ثم اختتم كلامه بجملة حطمت ما تبقى من أمل في قلبي في هذا اليوم الثقيل المليء بالخيبات.. “إنتي فاشلة.. مش عايزة تعملي حاجة، بس بتقنعي نفسك إنك عايزة“.
وحينها صمتُّ كعادتي أمام كلام أبي الذي يحطم ما بي من أمل، ويجعلني أفقد كامل ثقتي بنفسي وبقدرتي على تحقيق أحلامي، وأخذت أجرجر خيبتي ويأسي والكتير من التساؤلات داخلي، ودخلت إلى غرفتي وجلست أمام هاتفي، وانغمست في مشاهدة مسلسلي المفضل كعادتي، كي ألهي نفسي عن التفكير بكل ما حدث، وكي أقتل ذاك الشعور الذي أحمله بداخلي.
لكني لم أستطع أن أمنع نفسي عن التفكير فيما قاله أبي، وعن تلك النظرة التي يراني بها، وأخذت أفكر وأفكر وعدت بتفكيري إلى الوراء.. إلى الوراء كثيرًا، حيث كان عمري لا يتعدى الـ5 أعوام، وتذكرت حينها رحلتي مع أبي طيلة أعوامي الخمس والعشرين، وتذكرت ما علمني إياه وما فعله معي ومع إخوتي وما زرعه بداخلنا منذ نعومة أظافرنا. ولمَ هو يصر على أن يراني فاشلة، ولمَ أنا أحمل داخلي هذا الكم الهائل من اليأس والإحباط والتردد، ولم أنا لا أقوى على تحقيق حلمي حتى الآن!
وحينها وجدت الإجابة، وجدت جذور المشكلة التي زرعها أبي بداخلي منذ الصغر، وأخذت تنمو وتكبر مع مرور السنوات، وتلك المشكلة كانت في ما علمني إياه أبي.
لذا اسمح لي يا أبي أن أخبرك الآن لمَ أنا لا أقوى على تحقيق أحلامي، ولمَ أنت تراني فاشلة ولا أقوى على فعل شيء.
وسأبدأ كلامي بأني أعلم أنك تحبني أنا وإخوتي كثيرًا، وأعلم أنك فعلت ولا زلت تفعل لأجلنا الكثير، وأنك علمتنا الكثير من مبادئ الحياة، ولكنك يا أبي نسيت أن تعلمنا كيف نحيا. فأنت علمتنا أن نحلم وأن نضع لأنفسنا أهدافًا، لكن نسيت أن تعلمنا كيف نحقق تلك الأحلام.
عملتنا أن السعادة تكمن في تحقيق الأحلام لكن نسيت أن تخبرنا أن السعادة الحقيقية تنبع من داخلنا نحن.
زرعت بداخلنا الطموح لكن نسيت أن تخبرنا أن هذا الطموح سيكلفنا الكثير من الألم والتعب والفشل والسقوط.
علمتنا أن لا نقبل إلا بالنجاح، ولكن نسيت أن تعلمنا أن لا نخجل من فشلنا، وأن الفشل هو أول خطوة في طريق النجاح.
أخبرتني أن العالم خارج حدود غرفتي مليء بالأنياب الحادة، لكن نسيت أن تخبرني إن عليَّ أن أتخلى عن سذاجتي قبل أن أتخطى حدود غرفتي كي أقوى على مواجهة تلك الأنياب.
أخبرتني أن الملائكة لا تولد على الأرض، لكن نسيت أن تخبرني أن هناك الكثير والكثير من الشياطين حولي.
أخبرتني أن الرحمة والطيبة وصفاء القلب هي جوهر الإنسان الحقيقي، لكن نسيت أن تخبرني أنني سأتألم كثيرًا وسأعاقب على جوهري هذا لأننا نعيش في مجتمع عاق يرى أن الطيبة ضعف والقسوة قوة.
علمتنا أن هناك الكثير من الأحلام في انتظارنا عندما نكبر، لكن نسيت أن تعلمنا كيف نسرق تلك الأحلام من بين فكي هذا العالم المفترس.
لكل هذا أنا تائهة يا أبي.. تائهة بين ما علمتني أنت إياه وما تجبرني الدنيا على نعلمه كي أستطع أن أحقق أحلامي، وأن أحيا بين تلك الأنياب حولي، دون أن أسمح لها أن تخدش براءتي وطيبتي التي زرعتها داخلي. تائهة لأني اعتدت على رسم أحلامي بالألوان الوردية، وعندما كبرت وجدت أن الدنيا قاتمة، قاتمة لدرجة أنها لم تسمح للون الوردي أن يلمع وسط سوادها هذا.
لذا سامح صغيرتك يا أبي، فهي تخوض يوميًا الكثير والكثير من الصراعات مع مبادئها، ومع الحياة، والناس حولها، كي تستطع أن تحيا، وتحقق أحلامها. وكي تستطع أن تخرج من معركتها في الحياة بأقل الخسائر.
اقرأ أيضًا: تمنيت أن أحب أبي