كيف أتقبل فقد أمي؟!

1421

بقلم: وفاء مرزوق

أغلب الظن إني متصالحتش مع فكرة الموت ولا مع حقيقة وجوده وحتميته. متصالحتش مع الضيف التقيل اللي بييجي غصب عننا، وفي أوقات مش مناسبة بياخد الناس اللي حوالينا. ولو سألتني: إيه هو التوقيت الأنسب له؟ هجاوب: معرفش. ويمكن تفضل كل الأوقات مش مناسبة على الإطلاق.

لعنة الذكرى

فكرة الرحيل مكانتش فكرة سهلة على قلبي، سواء وقت رحيل أبويا أو وقت رحيل أمي. دايمًا كنت بتصور إن ينفع يكون فيه بقية للحياة وللأحداث وللمواقف، ولحسم الصراعات والخلافات، وللحب. دايمًا عندي فكرة “لسة بدري”. والحقيقة برضو إن عمري ما قبلت الكلمات اللي بتتقال بشكل تلقائي ومُعلب في المناسبات دي، أو في وقت الذكرى، من أول: “ارتاحت” لغاية “تعيشي وتفتكري”. لأن الحقيقة هي إنها فعلاً ارتاحت، ودي حقيقة مش محتاجة إني أسمعها أو أعرفها لأنها معروفة، وإني لسة عايشة وفاكرة، وده في بعض الأحيان بيبقى لعنة، لعنة الذكرى.

ولقيتني دلوقتي بعد مرور سنة من رحيل أمي، بكتب لها أو بكتب عنها، أو يمكن بكتب لنفسي، مش عارفة. يمكن محتاجة أطلع اللي جوايا في كلمات قدام عينيا، أو يمكن قلمي قرر يواجه ألمي بالشكل المرئي ده! كل اللي أعرفه إني لقيت صعوبة في النوم، بسبب الصور المؤلمة اللي بتهاجم ذهني من وقت للتاني، وكأني قررت أقوم أواجهها وأجيب قرارها “لو قدرت”.

التحول من القوة إلى الضعف

أعتقد الذكريات في حد ذاتها بتؤلم، واللي بتسيبه فينا من مشاعر وأفكار بيكون عامل زي الخراج اللي كل شوية يتفتح من تاني، بس بشكل مختلف. والنهارده وأنا بواجه البركان اللي طلع في وشي من ذكريات وصور، أدركت إني مكنتش أحب إن أمي تموت بالمرض اللعين ده. المرض اللي اكتشفنا انتشاره في كل جسمها فجأة، واللي حولها في 3 شهور من شخص مليان نشاط وحركة لحد بتتسحب منه الحياة كل يوم بالتدريج. كنت أتمنى أمي تمشي من الحياة وهي واقفة على رجليها زي ما هي.

مش كل الأحضان أحب أفتكرها

مكنتش أحب أفتكر الأحضان الأخيرة بيني وبين أمي، لأنها مكانتش أحضان مبهجة في وقعها. آخر أحضان بفتكرها كانت في مساعدتها إنها تقوم من سريرها من وقت للتاني. وفي كل حضن من دول كنت بتمنى الزمن يرجع والحال يتعكس، وأرجع الطفلة الصغيرة اللي أمها كانت هي اللي بتساعدها تعمل حاجتها. أنا عارفة إن الزمن بيتغير، بس مش كل تغيرات الزمن بتكون مقبولة لينا. ومهما اتكلمت عن المرونة النفسية بييجي وقت وتعطل وتقفش علينا.

لعنة الرحيل في مناسبات عامة سعيدة

غير القفلة النفسية اللي بتحصل لا إراديًا تجاه المناسبة دي، بيكون فيه شعور تاني، وهو إن العالم كله في وادي وأنا في وادي تاني. الناس بتحتفل بالكريسماس وأنا في حتة حزينة مختلفة تمامًا عن جو الاحتفالات والبهجة اللي حواليا. العالم كله وقتها بيكون له مناسبة عامة في الوقت ده، وأنا عندي مناسبة خاصة مش ماشية ولا متوافقة معاه.

إنتي كبيرة

دي برضو من الحقائق اللي مش محتاجه تتقال ولا ليها فايدة من قولها. أعتقد مهما الشخص كبر هيفضل وجود أبوه وأمه حاجة مهمة في الحياة له، حتى لو مش بيعملوا أي حاجة. وجودهم في حد ذاته معنى، إن ليَّ مرجعية reference، ليَّ ضهر، ليَّ كبير. ده شعور كبرت أو صغرت هو مهم.

جزء من الحب أناني

أقدر أقول بعد تجارب الفقد اللي عديت بيها إن الحب فيه جزء من الأنانية، إننا عايزين اللي بنحبهم موجودين على طول في الحياة علشانا، والجملة اللي بنقولها للي بنحبهم: “ربنا يخليك لينا”. والنضوج في الحب هو إننا نحبهم من غير ما نمتلكهم. ولما الاختيار (ده لو فيه رفاهية الاختيار) يكون بين راحتهم وراحتنا نطلقهم أحرار في سلام للراحة الأبدية، على الأقل من جوانا. وبرضو أقدر أقول إن الذكريات ملهاش مواعيد، وأوقات هتكون ضيف ثقيل يقومنا من نومنا، وأوقات لمحة دافية هتزور دموعنا.

المقالة السابقةالذكاء العاطفي: ما هو؟ وما أهميته؟ وكيف تنميه؟
المقالة القادمةكيف تتخلص من الحزن: محاولات التخطي والنجاة
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا