صدق أو لا تصدق: الإحباط يساعد على التعلم

2154

منذ عامين قررت أن أتعلم التريكو. كنت أشعر بحاجة إلى عمل شيء بيدي لأحقق التوازن. بدأت وأنا متحمسة. وبعد قليل، وجدتني بطيئة كثيرة الأخطاء. أنقض ما غزلت وأبدأ من جديد عدة مرات. لا أعرف كيف أصحح أخطائي، أو أحاول تصحيحها فأقع في أخطاء أخرى؛ تملكني الإحباط. كنت أترك الإبر والخيط جانبًا لأسابيع.

فكرت في التوقف، ولكن زوجي كان يشجعني. كان يخبرني أن هذا طبيعي، فأنا ما زلت أتعلم. نعم، أحتاج إلى عدم استعجال النتيجة. قاومت شعوري بالإحباط وواصلت المحاولة. أنتجت أكثر من قطعة، وأنسج الآن أول بلوفر لي. ما زلت بحاجة إلى تعلم بعض الأساسيات. على الجانب الآخر، كثير من الصعوبات التي كانت تواجهني في البداية صارت من البديهيات. الفرق أنني صرت أكثر قبولاً لأخطائي ولضرورة فك الشغل أحيانًا.

اقرأ أيضًا: دروس عرفتها من تعلم الكروشيه

كنت أشارك في مجموعة دعم بأنني أحول كل شيء أقوم به إلى مهمة عليّ إنجازها، وهذا يجردها من المتعة. وشاركتني زميلة أنها تفك الشغل وتجرب عدة غرز حتى يعجبها شكله. بعدها صرت أُذكِّّر نفسي أن هدفي من تعلم التريكو كان المتعة والتنفيس عن ضغوط اليوم. فليس عليّ إنجاز مهمة محددة في وقت محدد، ولكني أتعلم شيئًا أحببته. فلأشتغل عندما أحب وأتوقف عن الشغل عندما أكتفي.

حينما أتأمل خبرات التعلم التي عشتها أجد الشعور بالإحباط جزءًا أساسيًا فيها. فعندما كنت أتعلم قيادة السيارة، أكملت الحصص بالكاد. ساعدني أنني كنت قد قررت أنني لن أسمح لأحد بإحباطي أو التقليل مني. كنت أقول للمدربة: “بلاش تقارنيني بحد. كل واحد له سرعته في التعلم”. أذكر نفسي دائمًا أنني لست في سباق مع أحد.

اقرأ أيضًا: تعلم القيادة بدون معلم

مراحل التعلم

يخبرنني زوجي بأنني في كل شيء أتعلمه أمُر بمرحلة صعبة. عندما أتخطى هذه المرحلة أحرز تقدمًا ملحوظًا. وهذا صحيح، فهناك 4 مراحل نمر بها غالبًا عند تعلم شيء جديد:

  1. الجهل بجهلنا.
  2. العلم بجهلنا. وهذه هي أصعب مرحلة التي تكون فيها المشاعر المؤلمة والأفكار السلبية. في هذه المرحلة نشك في أنفسنا، ونقارن ذواتنا بالآخرين، ونفكر في التوقف.
  3. العلم بأننا نتعلم. وكمثال على تعلم قيادة السيارة، فأنت تقودها وأنت واعٍ أنك تضغط على البنزين أو الدبرياج. لا تستطيع أن تفكر في شيء آخر أو تقوم بعمل آخر وأنت تقود السيارة.
  4. في المرحلة الأخيرة، تمارس المهارة الجديدة بعفوية دون أن تشغل حيزًا من وعيك.

خلال الفترة السابقة كنت أشعر بالإحباط في عملي أيضًا. أكتب المقال وأبذل فيه مجهودًا وأكشف فيه أجزاءً عميقة من نفسي، ولا يقرأه سوى القليل. أقضي الساعات والأيام أبحث وأفكر في الأنشطة، ولا يحضر الورشة عدد كافٍ. أُعِد الورشة يملؤني الحماس واليقين أن الأنشطة ستعجب الأطفال. وفي المقابل لا يتفاعلون معي بالدرجة التي توقعتها، أو لا أحقق كل أهدافي من اليوم مع كل الأطفال، وهكذا. أقول لنفسي: “مؤكد أنني لست كفئًا. الآخرون أفضل مني”.

ظللت فترة أستيقظ كل صباح شاعرة بالثقل، يراودني التفكير في التوقف. ساعدني سؤال كنت أسأله لنفسي كل صباح: ما البديل أمامي إذا لم أحاول؟ لم أكن أجد أمامي سوى المثابرة والبحث عن حلول للتحديات التي تواجهني. يساعدني كلام زوجي وصديقاتي وتعليقات القراء. تساعدني تعليقات الأمهات عن تأثر أبنائهم بي واستفادتهم من الورش. يساعدني إحساسي بحب الأطفال لي واستمتاعهم معي.

رسالة من الله

ذات يوم كنت مهمومة بالتفكير في احتياجي للتسويق لعملي. خلدت للقيلولة ثم استيقظت لأجد أن أحدًا أضافني إلى مجموعة تسويق على الواتساب، فتعجبت! ثم وجدت أن بعض صديقاتي في نفس المجال يواجهن نفس التحدي، فأنشأتْ إحداهن هذه المجموعة ليدعم بعضنا بعضًا. شعرت أنها رسالة من الله ليخبرني أنني لست وحدي.

بعدها وجدت ورشة مدعمة في التسويق الإلكتروني. حضرتها، ثم طلبت منا المدربة أن نُعِد خطة تسويقية على أن نلتقي بعد أسبوعين. كنت مشغولة بمهام أخرى في نفس التوقيت. وكنت أرى باقي المتدربات يتفاعلن على المجموعة، بينما تمر الأيام عليّ وأنا أسير بخطوات بطيئة جدًا.

شعرت بالإحباط واعتقدت أنني متخلفة عنهن. دفعت نفسي دفعًا لأنجز المهمة المطلوبة منا. قرأت الملفات، وسألت عما لا أفهم، واجتهدت في وضع الخطة وأنا أشعر بالشك. وفي يوم الورشة فوجئت بإيميل من المدربة تخبرني أن الخطة ممتازة. وطلبت مني أن أكون الأولى التي أعرض خطتي. هذا لا ينفي أنها أضافت لي ملاحظات كثيرة. ولو كنت استسلمت لافتراضاتي عن نفسي ما كنت استفدت بالورشة.

في نموي الشخصي أيضًا، تمر عليّ أوقات أشعر فيها بالإحباط. يحدث ذلك عندما أجد أنني ما زلت بحاجة إلى التعافي من خبرة كنت أظن أنني تجاوزتها. يساعدني في هذه الأوقات مشاركة مشاعري مع أشخاص مقربين أو مجموعة دعم. أُذكِّر نفسي أنه ما من مجهود يضيع. ففي كل مرة أعود فيها لتلك الخبرة، أخوضها على مستوى أعمق. أحد الأطباء النفسيين يشبه النفس البشرية بالبصلة، كلما أزلت طبقة وجدت غيرها. ومرة أخرى لا أجد أمامي خيارًا غير الاستمرار، فأقوم وأواصل.

اقرأ أيضًا: كتالوج المشاعر

رسالة الإحباط إلينا

أحيانًا يكون الإحباط لعوامل خارجية. العام السابق بدأت دراسة علم النفس بمركز جامعة القاهرة للتعليم المدمج. فوجئت في نهاية الترم أنني رسبت في مادة لم أتوقع فيها ذلك. تقدمت بطلب إعادة رصد، ولكن ذلك لم يغيِّر النتيجة. كنت محبطة جدًا، ولكنني حملت نفسي على الرضا بقضاء الله، ما دمت بذلت ما في وسعي. فلن يفيدني أن أظل ساخطة محبطة، بل أحتاج إلى تجاوز الأمر وإعادة المحاولة.

الإحباط شعور صعب، ولكنه ليس سيئًا. لم أعد أحب عبارة “المشاعر السلبية”. فكل شعور خلقه الله فينا لوظيفة يقوم بها. وربما تكون رسالة الإحباط إلينا أننا بحاجة إلى التعلم وتحسين قدراتنا. وقد يساعدنا الإحباط على تعديل توقعاتنا لتصبح أكثر واقعية. وأحيانًا يلفتنا إلى احتياجنا لطلب الدعم. أو يشجعنا على الرجوع خطوة للوراء وإعادة النظر في خططنا. لم يخلق الله الشعور بالإحباط لنتوقف، ولكن لنراجع أنفسنا ثم نحاول مجددًا.

اقرأ أيضًا: كيف أنقذني التعلم من الاكتئاب
المقالة السابقةمسلسل you: العلاقة بين الحب والهوس والفرق بين الهوس والحب
المقالة القادمةقصة فيلم بشتري راجل لنيللي كريم: حكاية شمس التي تشبهك وتشبهني

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا