ولكم في الحياة تعافي

1138

تقترب صديقتي مني بعدما رأت الحزن يأكل قلبي ببطء، وثقل المعاناة يحني نفسي ويعزلني عن أحبائي، فأسرعت تحثني على حضور مجموعات المساندة في مؤسسة “التعافي والحياة للتنمية”، قررت خوض التجربة دون تردد، فقد كنت في أمس الحاجة للبوح بوجعي الشخصي لآخر يلتزم الصمت ويحترم سرية ما تتم مشاركته دون تدخل في شئوني الخاصة.

آخر لا يمطرني بوابل من النصائح المعلبة دون أن يجتهد الإنصات ويميز آلمي ويحترمه، آخر تذوق مشاعر الرفض، فشاركني بحثي عن مأوى آمن نشعر فيه بالقبول، نتلمس من خلاله طريق جديدة لإدارة حياتنا بشكل أفضل، بعد الفوضى التي أنجبتها خيبات الحياة، فجمعنا الألم في دائرة صغيرة على مدار ستين دقيقة، تلك هي المساندة التي كنت أحتاج إليها، والتي شكلت حياتي على نحو مختلف فيما بعد.

بدأ نشاط مؤسسة “التعافي والحياة للتنمية” عام 2000 بمجموعة صغيرة من السيدات،  “مجموعة مساندة نفسية” لمساعدتهن على رؤية أنفسهن، وتخطي أزماتهن في الحياة، وفي عام 2004، تأسس برنامج “القلب الواعي” لتوعية المراهقين والمراهقات، لتتوالى برامج متخصصة بعد ذلك.

وفي عام 2005، تأسس برنامج في التعامل مع الميول المثلية، ثم ورشة المهارات الحياتية  “واحة” في عام 2007، بهدف التعرف على المبادئ الأساسية للنضوج النفسي عبر المحاضرات ومجموعات المشاركة، ليأتي عام 2010 يتوج برامج المؤسسة، وهو التدريب على “المشورة المتخصصة” لتقديم الدعم النفسي والعلاجي للتغلب على صعوبات الحياة.

كانت بداية معرفتي بالمؤسسة منذ ما يقرب من ثلاثة عشر عاما، التزمت بداية بحضور تلك المجموعة الصغيرة واجتهدت أن أعرف نفسي وأقبلها وأتحدى مخاوفي ورغبتي في الأمان الزائف والمثابرة حتى مع استمرار أوجاع الحياة وصعوبة التغيير، بعد أن أدركت أن هروبي من مواجهة آلامي لا يجنبني إلا معايشة الحياة التي أبتغيها.

كان حضوري مرة أسبوعيا عاملا كبيرا في تبصري بنفسي، مما دفعني لمواصلة المعرفة فكانت القراءة الباب الأرحب لتكملة استنارتي، فأصبح شغفي بمعرفة  كل ما يخص النفس البشرية،  فاتجهت للدراسة من جهة والعمل في مجال التوعية النفسية من خلال “مؤسسة الحياة” من جهة أخرى.

وكان من أعمق ما قرأت وترك بصمة فارقة في نفسي كتابين، الأول: “اجعل حياتك سعيدة” لعالم النفس الأمريكي “ألبرت أليس”، رائد العلاج السلوكي المعرفي، أهداني هذا الكتاب مفاتيح بصيرة جديدة لمعالجة مختلفة لمضايقات الحياة والخروج من سجن الماضي وإبطال مفعوله على حاضري، والقدرة على اختيار قرارات واعية تشكل مستقبلي.

كما زودني كتاب “الإنسان يبحث عن المعنى” لعالم النفس النمساوي ” فيكتور فرينكل” بالامتنان لتجارب الحياة، فهو يتناول حياته في معسكرات النازية، والتي أنشأ من خلالها نظرية العلاج بالمعنى، التي تساعد الإنسان أن يجد معنى لحياته، من خلال ما يمر به من الآلام.

فكان قراري استكمال مسيرة تعافي بمشاركة آخرين آلامهم في رحلة تغييرهم، والوقوف بجانب المتألمين لمساعدتهم للوصول لفلسفة جديدة في تناول المشكلات سعي متجدد لحياة حقيقية، أستمع لهن بقلب، أختبر الألم وأعاني في محاولات التغيير، وأستمر رغم الانتكاسات والسقوط في هاوية الألم مرات كثيرة، ولم يكن يشد من أزري أوقات العتمة وانكسار الهمة إلا مشاطرة أوجاعي مع رفيقات دربي وقبولهم لي ورؤيتهن يجتهدن في طريقهن الخاص، فيشحذن طاقتي بالاستمرارية.

نحتمل الحياة رغم قسوتها، عندما نطمئن لوجود أشخاص بجوارنا، يستمعون إلينا ونحن نسلك  طريق مجهولة، ويسيرون معنا رحلة ربما تطول حتى نصل لتماسك داخلي في نمونا الشخصي، ومعونة تساعدنا على اكتشاف مواهبنا الفريدة، لنكون أكثر رضا وتفاعلا في محيط علاقاتنا، عندما نختار أن نسير في اتجاه ما رغم الألم بصحبة آخرين يصبح حينئذ للحياة معنى.

دوستويفسكي: يوجد شيء واحد فقط يروعني وهو ألا أكون جديرا بآلامي.

للتواصل مع” مؤسسة التعافي والحياة للتنمية البشرية” تليفون: 01277391990 –        01288574447       

المقالة السابقةإزاي تكوني امرأة مكتملة؟
المقالة القادمةالواحة التي غيرت حياتي

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا