بقلم: نهى الجندي
إنا في زمن لفرط شذوذه من لا يجن به فليس بعاقل، لا يكف الناس عن الشكوى من الاكتئاب، القلق، الإحساس بعدم الأمان.. أوقات صعبة ومحن أصعب، وأسئلة لا إجابات لها. إذا كنت من هؤلاء الأشخاص الذين يبدأون يومهم بالتفكير في كل ما هو ضاغط، من مشاكل شخصية ومظالم العباد ومخاطر أمنية وإحساس مستمر بالعجز، وعدم السيطرة لا على حياتك الشخصية ولا على ما يُحيط أولادك من نفوس غير سوية وأمراض اجتماعية واستهلاكية، ولا على ما يجري في بلادك التي تهتمين بشئونها وتريدين حياة كريمة تستحقينها أنتِ وعائلتك.
قد تكون المواصلات ضاغطة على أعصابك أو الزحام أو التحرش أو محاولات الاختطاف أو التناحر السياسي، ربما يصيبك الافتعال الإعلامي بالعصبية أو الابتذال المستمر لكل معنى في حياتك، ربما لا تدركين كل هذه الضغوط، ولكنها في خلفية عقلك الباطن ضاغطة، فترددين “أشعر بالاكتئاب”.
الإحباط يجعلنا نلجأ للأكل أو لعادات استهلاكية كالشراء أو مشاهدة التلفاز المستمر لتُرضي شعور وقتي بالامتلاء والتحقق، ولكن تُخلف بعدها إحساسا أسوأ بعدم الإنتاجية والاعتماد على استهلاك ما تقدمه الشركات العملاقة لكِ، وعدم القدرة على الإحساس بالسعادة والرضا من غير استهلاك لا قيمة حقيقية منه، أو ربما فكرت في المهدئات أو اللجوء إلى استشارة نفسية، ولكنها ما زالت فكرة ثقيلة على نفسك لا تستطيعين تنفيذها.. كل هذا مررت به وعانيت من تبعاته وحاولت اللجوء لحلول مهدئة للأعصاب وجالبة للسلام النفسي بعيدا عن الاستهلاك والعقاقير.
الرياضة.. تجديد الدورة الدموية والشعور بالحيوية والقوة لا يتمان إلا عن طريق ممارسة الرياضة بشكل منتظم، الرياضة تكافح الاكتئاب وتضبط مستوى الهرمونات في الجسم، وتشعرك بلذة الإرهاق المُرضي لطاقة جسمك. أهم شيء البداية السليمة، إذا كنت لا تمارسي مجهودا عضليا بشكل منتظم عليكِ، ألا تأخذي جسدك بالشدة من أول مرة حتى تستطيعي الاستمرار.
ابدأي بالمشي نصف ساعة ثم مع الوقت حوليها إلى هرولة، وأضيفي عليها تمارين سويدي أو كارديو، إذا كنت لا تستطيعين المشي خارج المنزل، يمكنك المشي داخله، ومهما كان مستوى الرياضة التي تمارسينها، لا تهملي أبدا تمارين الإحماء والتهدئة (الإستريتشات) حتى لا تصاب عضلاتك في أثناء ممارسة الرياضة.
القراءة.. باب سهل لعوالم لا حصر لها، الروايات مصدر لا ينتهي للهروب من الواقع، إذا كنتِ جديدة في عالم القراءة، يمكنك البدء بالكتب الخفيفة المسلية، ثم الدخول إلي عالم القصص القصيرة ثم الروايات الطويلة، في البداية لا تقرأي إلا الكتب التي تستهويكي، ثم تعمقي أكثر في القراءات ستجدين مدارك أوسع من همومنا الشخصية.
الأعمال اليدوية.. مثل الكروشيه والتريكو من أجمل مهدئات الأعصاب، ليس لأنها فقط تساعدك علي تفريغ ذهنك من الهموم، ولكنها نشاط يُنتج عملا فنيا مفيدا لك أو لفرد من أسرتك، إذا كنت لا تعرفين كيفية استخدام الإبر، أنصحك بالبدء بتعلم الكروشيه لأنه أسهل، قناة كروشيه كافيه على موقع “يوتيوب” مناسبة جدا للمبتدئات.
الأشغال الفنية.. بكل أشكالها من رسم على الزجاج أو البورسلين أو حفر على الخشب أو صناعة الحلي، هذه الهوايات تحتاج حد أدنى من الموهبة في الرسم، إذا كنتِ تمتلكينها عليكِ بالاشتراك في أحد الكورسات التي تُقدم مجانا، أو بسعر زهيد في بيت السحيمي أو بيت السناري أو ساقية الصاوي.
الخط العربي والرسم.. فنون كرسم البورتريهات أو مستوى أبسط كرسم الكارتون أو الدودلز أو الخط العربي، من البحور الواسعة التي يمكنك الإغراق فيها، لها محبين شغوفين وقنوات تعليم ومجموعات تواصل على موقع “فيس بوك”.
التلوين.. إذا كنت لا تملكين وقتا أو سعة نفسية لتعلم شيء جديد، يمكنك إفراغ طاقتك وتوترك في كتب التلوين للكبار، كتب التلوين للكبار تجدينها في المكتبات الكبيرة بالمعادي والزمالك، لتلوين رسومات منمقة ومعقدة تختلف عن كتب الأطفال، من حيث كم التفاصيل وصغر المساحات، علبة ألوان خشبية 24 قلما، تعطيكي ساعات من تفريغ التوتر الذهني المستمر.
الزراعة.. اللون الأخضر شفاء للنفس العليلة، مهما كان صغر مساحة بلكونتك أو حتى إن كنت لا تملكين سوى الشبابيك يمكنك زراعة قصاري الورد والأعشاب. أرشح لكِ البدء بزراعة النعناع والريحان والزعتر والفل والياسمين، لأن يمكنهم الصمود والازدهار بأقل عناية ممكنة. إذا كانت القصاري واسعة و التربة نظيفة يمكنك سقاية الزرع كل يوم ويوم، ويمكنه الصمود حتى ثلاثة أو أربعة أيام في حال السفر. الزراعة المنزلية جالبة للسلام والعناية بالزرع وتقليب التربة وتهذيب النباتات الصغيرة نشاط محبب للنفس، يساعد على تخفيف حدة التوتر والاكتئاب.
اليوجا والتأمل.. جربي اليوجا وتمارين النفس كنوع من التدريب على الاسترخاء، إذا كان ذهنك لا يكف عن التفكير والضغط على أعصابك، عليكِ بتجربة اليوجا كتأمل ورياضة لنحت الجسم وتصفية الذهن لفترة من الوقت، إذا كان اشتراكك في حصص اليوجا مع متخصص أمرا صعبا أو مكلفا بالنسبة لكِ، يمكنك البدء مع قنوات المبتدئين في عوالم اليوجا، ولكن مع الحذر الشديد عند أداء الحركات حتى لا تصابي في أثناء الممارسة.
اطرقي باب كل هذه الهوايات، فالتجربة لا تضر، ولعلكِ تجدين ما يثير شغفك، ويقلل من شعورك بالاكتئاب والتوتر والحياة الخرسانية الكئيبة، رسم البسمة على وجوه الأرواح القلقة ليس بالأمر السهل.
اطرقي باب كل هذه الهوايات لعلكِ تجدين ما يثير شغفك