إلى السيد صلاح رئيس قلم الحسابات/
تحية طيبة وبعد..
متزعلش يا “صلاح”، أنا عارفة إن محدش كان فاهمك في فيلم “صغيرة ع الحب”، كلهم كانوا شايفينك طفس وعديم المشاعر، بس متقلقش، أنا فاهماك كويس، ده أنا حتى في كل مرة بتفرج ع الفيلم نفسي بتتفتح على صينية مسقعة باللحمة المفرومة، وطريقة أكلك ليها بتجوعني، رغم إن إنت حطيت فيها ورق محروق مع اللحمة، بس برضو نفسي بتروحلها.
متزعلش إن “سميحة” مقدرتش حبك وحبت رشدي أباظة، مش كل الناس بتفهم إن الشخص اللي بيحب الأكل ده هو أطيب حد ممكن يقابلوه، أنا عارفة إنك طيب يا “صلاح”، ده إنت حتى لما قلتلها “أنا شخصيًا معنديش أعماق.. ولو عندي أعماق مخبيش فيها رغبة مكبوتة.. أخبي فيها رغبة مطبوخة.. رغبة مشوية.. رغبة محمرة” لما كانت بتحاول تقنعك بعقدة الطبيخ، مأخدتش بالها إنك كنت متعاطف معاها جدًا وصوتك رق فجأة لما قالتلك إنها عندها عقدة العودة للطفولة، ولا كمان قدّرت خوفك عليها لما جبتلها الدكتور النفسي للبيت ووصيته يعمل نفسه بيفهم في المزيكا عشان كنت عايز تعالجها.
“سميحة” مفهمتش إن في كل مرة بتدخل المطبخ فيها يا “صلاح” بتكون عايز تحبب اللي حواليك فيك، كل مرة بتطبخلهم فيها أكل ميتاكلش بيكون هدفك إنك تجمعهم حواليك وتسمع منهم كلام حلو في حقك، تحس إنك مبدع في حاجة مهمة، لأن شغلك كله أرقام ومفيهوش فن، أنا فاهمة إنك كنت حابب تكون مختلف، بس همّ مكانوش فاهمين ده.
“صلاح”.. أنا فاهماك لأني بحب الأكل وبفهمه، وبعمل زيك بالظبط لما قلت لـ”دادة عزيزة” تزود السمنة عشان الأكل يبقى أطعم، أنا كمان دايمًا بزود في المقادير عشان نفسي اللي ياكلوا الأكل يستمتعوا أكتر، ساعات بتظبط وساعات بتبوظ، بس في كل مرة بتبقى نيّتي تشبه نيتك بالظبط، ببقى عايزاهم ياكلوا صوابعهم ورا الأكل.
متزعلش من “سميحة” يا “صلاح”، أو بمعنى أدق متزعلش عليها، هي مقدّرتش إخلاصك ليها لحد آخر لحظة، وراحت حبت واحد خاين بطبعه، خان خطيبته لما حبها، في حين إنك اتضربت من كل الناس اللي في الفيلم عشان متمسك بيها، هي مكانتش شايفة غير وش واحد بس منك، الوش اللي بيحب الأكل، متعرفش إن الشخص اللي بيحب الأكل ده هو شخص بيعرف يمارس فعل الحب في حد ذاته، وهو أكتر شخص حسّاس لأن اللي يعرف يقلب الرز بحنية عشان ميعجنش، وبيعرف يستنى ع الطبخة ويهدّي عليها النار ويضيف كل حاجة في وقتها، وكل شوية يفتح الحلة ويشم الريحة الحلوة، اللي بيقدر يقطع البصل وميتأثرش بالدموع، واللي بيحايل فصوص التوم عشان تتقشر، واللي بيلف ورق العنب بالراحة عشان يحافظ عليه، ده شخص عنده صبر لا نهائي، والصبر هو أهم حاجة في الحب، الحب من غير صبر بيخلص، زي بالظبط ما الأكلة بتشيط لو مصبرتش عليها كويس.
“صلاح”.. “سميحة” مفهمتش إن اللي بيستطعم الأكل هو أكتر شخص الحياة مريحة معاه، الشخص اللي بيعرف يفرّق بين النكهات، اللي بيفضل طعم عن طعم، اللي بيعرف الأكلة دي مكونة من إيه من أول معلقة، ده أكتر شخص هيعرف يقدّر اللي بيحبه، كل فعل بيستقبله من شريكه بيكون له طعم، الأفعال اللي بتفرحه هيقول عليها الله ومش هيبلعها في صمت، التصرفات المعقدة هيقدر يفسرها ويعرف أسبابها وإيه اللي مخليها معقدة كده، مش هياخد الحياة “باكيدج” على بعضها، إنما هيفصص كل حاجة ويقدّر كل تفصيلة زي ما بيقدر الأكل بالظبط، والدليل إنك ذوّاق وهتقدر تعمل ده هو إنك لما بوظت المسقعة عرفت إن طعمها وحش مأكلتهاش وخلاص، وكنت عنيد وقلت إن طالما إنت اللي عاملها تبقى حلوة.
إنت كنت طيب أوي يا “صلاح” وتستاهل تتحب، ولما تلاقي واحدة غير “سميحة” تحبك هتعترفلك إنك طيب وعشرتك حلوة، ما هو اللي بيحب الأكل ده الحياة معاه سهلة، أصل واحد مثلاً جرب الكوسة مطبوخة معجبتهوش، قام عاملها محشي برضو معجبتهوش، قام جربها بالبشاميل عجبته، ده شخص هيقدر يدور في شريكه على حاجات تتحب وهيقدر يحبه، مش هيستسلم من أول تجربة ويرفض الحب ده.
إنت كمان كنت ناضج يا “صلاح”، صبرت على “سميحة” وكنت بتحاول ترجعها ليك في كل المواقف، رغم إنك عارف إنها بتبعد عنك إنما حبك ليها كان أكبر، أصل واحد بيقدر يستنى الفاكهة من السنة للسنة عشان يدوقها ويستمتع بيها في أوانها، ده شخص ناضج جدًا وصبور.
متزعلش إن “سميحة” سابتك يا “صلاح”، إنت تستاهل واحدة تحبك وتفهم إنك زي الأكلة الحلوة، لو بصيتلها قبل الطبخ عمرك ما تتخيل إنها ممكن تكون بالحلاوة دي، إنما بعد ما تتوضب وتتطبخ ممكن تبقى أحلى حاجة في الدنيا.
“سميحة” مكانتش تنفعك يا “صلاح”.. “سميحة” كانت لسه صغيرة ع الأكل.