ما لا يعلمه أحد عن الخوف

1217

يعلم بعض الأصدقاء أنني أدير صفحة على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك لنشر صور الأطفال المختطفين والمفقودين والأخبار المتعلقة بهم، إلى آخر هذا الأمر. أحيانًا يأتيني السؤال الأبدي “ما الذي دفعك لإنشاء هذه الصفحة؟” فأجاوب بالإجابة المنطقية الطبيعية الوحيدة، وهو “انتشار عدد حالات خطف الأطفال والمحاولات الفاشلة لاختطافهم من أكثر الأماكن الراقية الموجودة، وصولاً إلى الطَرق على أبواب المنازل وتخدير من يفتح لهم الأبواب.” عدد لا نهائي من المرات أتلقى هذا السؤال، وعدد لا نهائي من المرات أرد بنفس الجواب.

 

مرة واحدة فقط سأل صديق ما السؤال الصحيح الذي يمسني فعلاً، وللسخرية فقد كان تساؤله ردًا على تعليق قالته إحدى العضوات “أنا الصفحة بتاعتكم بتجيبلي اكتئاب وبتخليني أكره حياتي”، فكان الرد من الصديق “إذا كان ده شعورك تخيلي اللي عاملين الصفحة حاسّين بإيه!”. حسنًا، بالفعل لم يسألني أحد عن شعوري. أبحث عن أحد ليدير معي الصفحة، فيأتيني الجواب أنهم لا يتحملون مثل هذا الأمر، بل أنهم لا يدخلون على الصفحة حتى لا يصابون بالاكتئاب، قد يكون معهم حق وأنا لا ألومهم، ولكن هل فكر أحد في شعور من يدير الصفحة؟

 

كنت أحلم يوميًا بكل الأطفال المختطفين يجرّون ورائي، يحاولون الإمساك بي، ولكنني أجري خائفة، لا أعلم هل كنت خائفة منهم أم خائفة من شيء آخر لا أعلم ما هو، أستيقظ يوميًا ضيقة الصدر، أبكي في الحمام وحدي، أشعر بثقل يحني ظهري، فيداي في النهاية مقيدتان خلف ظهري، أحاول مساعدتهم فعلاً ولكن ليس بيدي حيلة.

 

انتهى الأمر مرة واحدة، يومًا ما رأيت كابوسًا بشعًا، أعتقد أنني لم أروه لأحد، في ظني أنه من أبشع الكوابيس التي قد يراها المرء، كنت في وضع مزرٍ بسبب ما رأيته في الكابوس، أتمنى ألّا أنام مرة أخرى حتى لا أراه، ولكن يبدو أن هذا الكابوس كان نهاية حقبة الكوابيس اليومية، فلم أعد أرى الأطفال يطاردونني في الحلم، أصبحت أستيقظ يوميًا في حال أحسن، متحمسة ولديّ الكثير من الأفكار لمحاربة خطف الأطفال، أبحث في أكثر من اتجاه وأضغط على الجميع.

 

فجأة أتذكر شكوى السيدة التي قالت إن الصفحة تصيبها بالاكتئاب، معتادة أنا على الهيستريا المصرية التي لا تفضي إلى شيء، أكاد أتجاوز هذا التعليق فيقفز إلى مقدمة الذاكرة مشهد من المسلسل المأساوي “سجن النسا”، حين تغلق “حياة” باب الشقة من الخارج على أطفالها وتتأكد أكثر من مرة أن الباب موصد جيدًا، تنبّه عليهم ألّا يجيبوا الباب على أي طارق، ثم تطرق هي الباب فيتساءل الأطفال من الداخل “مييييين؟” فتصرخ فيهم بهسيترية “مش قلتلكم متردوش على حد”.

 

يعلم كل من شاهد المسلسل أن شخصية “حياة” كانت مصابة بالوسواس، نراها وهي تقرأ الجرائد وتشاهد الأخبار ملتاعة، فتخاف على أطفالها من المرض والاختطاف والتعذيب، وتقرر أن تقتلهم حتى لا يضطرون إلى أن يعيشوا في مثل هذا العالم.

 

أتساءل بيني وبين نفسي: هل أساهم أنا الأخرى في تكوين شخصية “حياة” في مكان ما وستقوم في يومٍ ما بارتكاب هذه الجريمة لأنها لم تتحمل الأخبار الكئيبة التي أقوم بنشرها؟ أرتعب من مجرد التفكير في الأمر، أفكر في إغلاق الصفحة، فهي على أي حال لم تساعد أي من الأهالي في رجوع أطفالهم. أستعيذ بالله من الشيطان الخبيث ولا أغلق الصفحة وأثبّت نفسي قائلة أنه من الممكن في يومٍ ما أن أساهم فعلاً في عمل شيء، وأنني حتى الآن أمشي على خطوات جيدة.

 

لم ينتفِ احتمال بأنني أساهم في صنع “حياة” أخرى، ولكنني أعلم يقينًا أنه ليس خطئي، فلست أنا من خطف الأطفال وكسر قلوب الأهالي، لست أنا من عليه أن يقبض على الخاطفين ويرجع الأطفال إلى ذويهم، ولست أنا من قصّر في أداء مهامه وواجباته التنفيذية، ولست من سمح بانتشار هذه الظاهرة حتى وصلت إلى حد الاختطاف من السيارات والمنازل.

 

لم أكن يومًا محبة للغة الشعارات والنبرة الاستطعافية، فلا أحب أن أُتسول الاستعطاف في مثل هذه القضايا قائلة “اعتبرها بنتك” أو “لو كان ده ابنك كنت هتعوز الدنيا كلها تشوف صورته”، لم أحب يومًا الجملة الختامية لفيلم ضد الحكومة، ودائمًا ما كنت أراها مفتعلة، ولكن يبدو أنني مضطرة اليوم إلى استخدامها.

 

لذلك فأنا أعتذر منك يا “حياة” المحتملة.

 

فمهما كان حزننا وخوفنا على الأطفال، فلن يساوي ذرة من البؤس الذي وصلت إليه حالة الأهالي، التي تشكّلت أمامي في نواح أم طفلة مخطوفة لم يتعد عمرها الـ10 سنوات “شوفتي بنتي أمورة إزاي؟ شايفة صورتها أمورة إزاي؟ دي كانت نور وشوشنا، ده إحنا انكسرنا لما راحت ومرجعتش وأبوها راقد من ساعتها”. عذرًا “حياة” المحتملة، فعلينا أن نحوّل خوفنا وأحزاننا إلى غضب، نوجهه لمن يستحق، لمن خطف ولمن قصّر ولمن سكت عن الحق في مقابل 200 جنيه، علينا أن نتحد، نحمي أولادنا، نتخذ تدابيرنا الاحتياطية، نساعد في التوعية. 

 

انشري القضية، اهدمي معبد الصمت والفساد والخوف على صانعيه، ولا تقفي في مكانك عاجزة، لأنك تستطيعين أن تحققي الكثير، ولكنك لا تعلمين بعد.

المقالة السابقةاحتفالية على أد الميزانية
المقالة القادمةتعرفي على وسائل منع الحمل

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا