ما بين التعاطف والتورط

65

 

بقلم: وفاء مرزوق 

 

ضَعْ قناعك أولًا

إنها ليست دعوةً للأنانية، لكنها إرشادات السلامة في الطائرة حالَ حدوث أي شيء طارئ، حتى إنْ كان بجوارنا طفل. فعلينا أن نضع قناع الأكسجين لنا أولًا، ثم نبدأ في مساعدة الطفل الذي بجوارنا في وضع قناعه على وجهه.

وإذا أخذنا المثال السابق، وقمنا بتطبيقه على ما يحدث حولنا الآن من أحداث صادمة ومأساوية وموجعه للقلب؛ فقد نجد أنفسنا مُستَهلَكين وغارقين حتى الرأس في تلك الأحداث.

فما هو الحد الفاصل بين التعاطف مع الآخرين وما يجري لهم من أحداث والتورط العاطفي؟ وكيف نحمي أنفسنا ونكون على دراية ووعي أننا لسنا في تماهي مع الأحداث؟ وكيف نقدم المساعدة لمن حولنا؟ هذا ما سوف أحاول التفكير فيه معكم في السطور القليلة القادمة.

 

الحد الفاصل بين التعاطف الصحي الطبيعي، والتورط العاطفي

التعاطف الشعوري هو شهادة على إنسانيتنا، وعلى قدرتنا على التواصل مع الآخرين ودعم بعضنا البعض في أوقات الحاجة. إنه ذلك الشعور بالخروج من دائرتي الشخصية للتواجد في دائرة الآخر لبعض الوقت. ولكن، تلك المشاركة والمواجدة والتعاطف تتطلب جهدًا واعيًا للحفاظ على مسافة عاطفية صحية، بما يضمن عدم إغراقنا بالتحديات والمشكلات والمآسي التي يواجهونها.

يتعلق الأمر بتقديم دعم حقيقي دون ارتداء وتقمُّص مشاعر الآخر بشكل كامل. إنه مثل محاولة إنقاذ غريق دون الغرق معه. إن تحقيق هذا التوازن يمكننا من تقديم التعاطف الثابت والحضور المطمئن مع احترام استقلاليتنا واستقلاليتهم والحفاظ على سلامتنا النفسية والعاطفية.

 

حماية أنفسنا، ووعينا بالحد الفاصل للتماهي مع الأحداث المحيطة

لهذا، علينا مراقبة أنفسنا بوعي لنرى هل نحن نتعرض لثقل داخلي فوق الطاقة نتيجة لكمِّ الأخبار التي نستمع إليها يوميًا؟ هل نرتدي مشاعر الغير ونتخيل أنها مشاعرنا الشخصية؟ هل أصبحت مشكلات العالم أجمع فوق كاهلنا وأصبحت تشغل كل تفكيرنا، وأصبحنا نبحث لها عن حلول؟ إذا كانت أغلب إجابتنا بـ”نعم” على كل أو أغلب ما سبق؛ فتلك صافرة إنذار لنا.

علينا أن نتوقف قليلًا لنفكر في أنفسنا ونعتني بها، وقد يكون من المفيد التوقف عن مشاهدة الأخبار، والاستماع لمشكلات الآخرين لبعض الوقت. وعلينا أن نتذكر أنها ليست أنانية، وأننا لن نستطيع أن نعتني بغيرنا إنْ لم نعتنِ بأنفسنا أولًا.

وأعلم أنه في أوقات الأزمات والكوارث العالمية، قد نرى أنه ليس من اللائق أن نعيش حياتنا بشكل طبيعي، نبتسم، أو نحصل على بعض الراحة أو الرفاهية وغيرنا في حال معاكس تمامًا لما نحن فيه! أقول لك -يا عزيزي وعزيزتي-، ولنفسي معكم: علينا باحترام محدوديتنا وقدراتنا وحدودنا. فليس علينا أن نشعر بالذنب لكوننا أحياء نرعى أنفسنا ونرعى مَن حولنا قدر المستطاع.

 

والآن، كيف نرعى أو نقدم المساعدة لمن حولنا في وقت الأزمات؟

دورنا الإنساني في تقديم يد العون هو: الاستماع للمتألم دون كلل أو ملل أو أحكام. وهو المواجدة والحضور الكُلي بإنصات دون تورط. هو تقديم المساعدة العملية في بعض الأحيان وبحسب الاحتياج. ومساعدة أنفسنا ومَن حولنا على التركيز والعيش في اللحظة الحالية للتقليل من توتر التفكير بشكل سلبي في المستقبل وفي القادم وتبعات الأحداث. وبالتأكيد قد يكون هناك احتياج لتوجيه البعض لطلب مساعدة متخصصة من مشيرين أو أطباء نفسيين.

ولكنني أجد صعوبة في الحديث عن الأحداث العالمية المحيطة بنا؛ من أخبار حروب، وكوارث طبيعية، وموت يحاصرنا على كل المنصات والرسائل والأحاديث الخاصة. وما يتبع ذلك من مشاعر خوف، حزن، ألم، كسرة قلب، فقدان الشغف، فقدان المعنى من الحياة، اكتئاب في بعض الأوقات، العديد من المشاعر المختلطة والمتضاربة. وهنا أعترف بمحدوديتي وقلة حيلتي أمام ما يحدث، وأمام ما يتبعه من مشاعر جارفة. ولا أجد وسط كل هذا غير الله والصلاة والدعاء؛ فالصلاة هي اليد الأعلى والأقدر على الوصول لأبعد من محدوديتنا، وأبعد من طاقتنا على المساعدة. وهي نافذة العون لنا ولقلة حيلتنا ولمن ندعو لهم. وكأننا نُحيل الأمر لمن بيده مقاليد الأمور.

وفي النهاية، لا أجد سوى جزء من دعاء السكينة ليكون لسان حالي هنا: “اللهم امنحني السكينة؛ لأتقبل الأشياء التي لا أستطيع تغيرها، والشجاعة لتغيير الأشياء التي أستطيع تغييرها، والحكمة لمعرفة الفرق بينهما“.

اللهم امنحني رؤية واضحة لمحدوديتي، وتقبُّلًا لما هو خارج نطاق مسئوليتي وقدرتي. اللهم امنحني الحكمة في تقديم يد العون. واجعل هناك منفذًا دائمًا لكل من يرجو ويأمل فيك.

 

المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب.

 

المقالة السابقةالحب وسنينه
المقالة القادمةحياةٌ ما بين سرير هزَّاز وجرس إنذار

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا