حياةٌ ما بين سرير هزَّاز وجرس إنذار

67

 

بقلم: روكسان رأفت

 

أكره من المشاعر “العجز”؛ شعور كريه لا أستطيع الصمود أمامه. أعتبر نفسي من المُثابرين، ومن يجيدون إعادة المحاولة. لكنَّ أكثر ما يثبط عزيمتي أن تهاجمني فكرة: “ليس لديك شيء لتفعليه”!

أصعب ما في هذه الفكرة؛ أنها كثيرًا ما تكون حقيقيةً بما يكفي، حتى لا أستطيع محاربتها أو العراك معها. فقد اختبرتها عدة مرات، ليس في وسعي فعل شيء سوى التسليم والصمت. ولكن -منذ فترة ليست ببعيدة- أضاءت في مخيلتي فكرة تبدو إيجابيةً ومساعدةً؛ ماذا لو كان التسليم والصمت فعلًا إيجابيًّا وليس سلبيًّا؟ ألا يستحق تعلُّمه وإتقانه؟ ألا يصلح درعًا يحميني في مواجهة العجز؟ ربما يسهل فعل الصمت، لكن ليس التسليم سهلًا!

فالتسليم هو فعل الأقوياء، التسليم هو فتح اليدين مع ترقُّب القلب للحياة، التسليم هو الصمت المتعقل الموضوعي، التسليم هو ترك جولة في المعركة باختيار حر وراحة. ولكن التسليم له أعداء! يحاربونه علانية أو خلف الكواليس، أعداء أكثر ما يميزهم أنهم مثل الحرباء! يتلوَّنون، ويختبئون داخل تفاصيل يومك بكل خفة وذكاء.

1- الكرسي الهزَّاز

العدو الأول للتسليم هو القلق، يشبه القلق الكرسي الهزاز. يتحرك جيئةً وذهابًا، ولا يصل إلى أي مكان. يسأل القلق دائمًا ماذا لو؟ ماذا لو فقدت وظيفتي؟ ماذا لو أصابني مرض خطير؟ ماذا لو هُدم منزلي؟ .. “ماذا لو” لا ينتهي محتواها، والإجابة بنسبة أكيدة: لا نعلم! “ماذا لو” تحمل في داخلها محاولة للسيطرة، فربما شعورنا بأننا نملك حلولًا يجعلنا مستعدين لمواجهة ما يحدث. لكن الحقيقة والواقع يقولانِ إننا لا نملك دائمًا حلولًا.

2- جهاز الإنذار

جهاز إنذار سيارتك يعمل بكفاءة؟ إذا هنيئًا لك وكان الله في عونك في آن واحد! سوف تشعر بالخطر سريعًا لكن سوف تتوتر كثيرًا. يشبه الشعور بالذنب جهاز إنذار سيارة يعمل بكفاءة من مجرد اللمس!

تعلم الأمهات تفاصيل الشعور بالذنب، يملكون حسَّاسًا قويًّا في هذا الأمر. لكن لم تعد فقط الأمهات، لكننا جميعًا نعاني في هذه الأيام من “ذنب الناجي”. كيف نأكل وإخوتنا يموتون؟ كيف نعيش كل تفاصيل الحياة ومَن حولنا لا يملكون حقوقهم الأساسية؟ بكل صراحة إنه ذنب منطقي! العجز والذنب والقلق يكونون معًا الحطب والشعلة والهواء اللازم للاشتعال.

لكنني لا أستطيع الحياة هكذا، دائمًا مشتعلة. أريد أن أهدأ من نار هذه المشاعر البغيضة. فماذا سيحدث إن استسلمت للقلق والذنب؟ كيف يكون شكل حياة سريرها هزازًا، وموسيقاها جرس إنذار؟!

أن تعيش قصتك وتظل متعاطفًا مهارةٌ تستحق التعلم. أن تعاني شعورًا ما ولا تتحرك بقيادته هي صفة الناضجين. أن تتعلم كيف تساعد نفسك وتدير مشاعرك السلبية هي رحلة العُمر بأكمله.

بالأمس -وقبيل نومي-، عانيت نوبةً من الذنب والعجز، وأنا أجلس فوق الكرسي الهزاز “القلق”. فحاولت أن أبحث عن وصفة سحرية ليس فقط لتهدئني الآن؛ بل لتصبح دواءً موصوفًا في كل نوبة مثل هذه.

أمسكت بهاتفي، وكتبت بعض الجمل البسيطة، التي تبدأ بـ”أشعر بكومبو الضغط ولكن …”.

1-   أشعر بكومبو الضغط ولكنني أحب عملي. لدي عمل في الصباح أحبه وأستمتع به. أحب الصباح فكرةً وتوقيتًا. وهو قادم وإن طال الليل.

2-   أشعر بكومبو الضغط ولكن هنا والآن أنا بخير. لكل شخص في الحياة قصة، لا بُدَّ له أن يعيش فصولها للنهاية. وأنا أختار ذلك بشجاعة. هنا والآن لدي ما أحبه وأريده وأقدره. ربما غدًا أفقده! ربما فعلًا، لكن يومها سوف أتعلم كيف أجتاز. هنا والآن أنا أتنفس، وإن كان بصعوبة نتيجة الذنب لكنني لست مكان الله.

3-   أشعر بكومبو الضغط ولكنني أحب القراءة. تساعدني القراءة وتلهمني وتريحني، وتساعدني على الاستيعاب والتركيز. تعطيني أملًا وأعتبرها من الأماكن المريحة التي أذهب إليها بوعي حتى أهدأ. ليس هربًا ولكن طواعية لأخذ هدنة.

4-   أشعر بكومبو الضغط ولن أتجاهل ما يحدث. أشعر كثيرًا أنني بطيئة الإدراك، أو -بمعنى أدق- يستغرق إدراكي وقتًا، فلا أستطيع أن آخذ الأمور سطحيةً، ودائمًا ما كان هذا الوقت ليس ضائعًا.

في كل مرة انتظرت لأفهم وأعي وأدرك؛ خرجت بأمل جديد واستبصار أعمق. واستطعت أن أصوغ -بالتحديد- ما أستطيع فعله أو الدعاء به. فوعيي بما أشعر مع محاولة التعامل معه بشكل إيجابي ليس سهلًا لكنه تحدٍّ يوميّ. وأنا أختار أن أشعر للنهاية وأتعلم بجدية.

نتعلم كل يوم الكثير لنستطيع الرد على سؤال “ماذا لو؟”. ونأخذ نَفَسًا عميقًا لنسلم في مواجهة العجز. ونعرف حدود سيطرتنا وأدوارنا لنستطيع أن نواجه “يا ليتني”. القلق والعجز والذنب تتحدى سيطرة الإنسان، ودوره ووجوده وتأثيره.

 

المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب.

المقالة السابقةما بين التعاطف والتورط
المقالة القادمةوسط الألم

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا