في أحد مشاهد الحلقة الثالثة عشر من الموسم السادس لمسلسل “Grey’s Anatomy”، كانت الكلمات التالية على لسان واحدة من أبطال المسلسل “كريستينا يانج”:
“بورك! بورك كان… لقد أخذ شيئًا مني. أخذ أجزاءً صغيرة مني، أجزاء صغيرة على مدى طويل، أجزاء صغيرة لدرجة أني لم ألحظها. أرادني أن أكون شخصًا مختلفًا عما أنا عليه، وكيّفت نفسي على ما أراده.
يومًا ما كنت كريستينا يانج، وفجأة بعدها وجدتني أكذب من أجله، وأُعرّض مهنتي للخطر، أوافق على الزواج وأرتدي خاتمًا وأصبح عروسًا، وكنت أقف هناك في ثوب الزفاف بلا حاجبين، ولم أعد كريستينا يانج. وحتى في ذلك الوقت كنت لأتزوجه، كنت سأفعلها. فقدت ذاتي لوقت طويل، والآن.. وأخيرًا بعد أن وجدتها، لا أستطيع أن أفقدها مرة أخرى”.
………………………………….
“كريستينا” التي شاهدتها في أولى حلقات المسلسل متدربة مجتهدة، محددة الهدف، ومعتدة بنفسها على الدوام، لم تعد كذلك بعد أن ربطتها علاقة عاطفية بـ”د. بريستون بورك”، فعلى طول العلاقة كانت “كريستينا” مضطرة لتقديم تنازلات صغيرة حتى تناسب توقعات “د. بورك”، فتخسر أجزاءً منها دون أن تدري، لتكون العلاقة بينهما كما يريد هو. وفي النهاية أصبحت كريستينا أخرى مختلفة تمامًا عن نفسها. شاهدتها أيضًا بعد ذلك تجاهد لاستعادة أجزائها المفقودة، وتجاهد كذلك حتى لا تفقد أجزاء جديدة مرة أخرى في علاقة عاطفية تالية بعد أن استوعبت الدرس تمامًا.
قصة “كريستينا” كانت ملهمة جدًا لي، وأعتقد أنها كذلك للعديد من النساء. وكلماتها أعلاه أخذت مني أيامًا من التفكير في حالي وحال الكثيرات من حولي، فكل واحدة منا كانت “كريستينا” يومًا ما بشكلِ أو بآخر.
حينما ناقشت القصة مع إحدى صديقاتي، أخبرتني أنها في علاقتها العاطفية كانت كريستينا تمامًا. فقد ظلت على مدار العلاقة تخسر أجزاءً صغيرة دون أن تشعر بذلك، حتى تحولت لفتاةٍ أخرى تمامًا. بينما في حوارٍ مع صديقةٍ أخرى، قالت إنها كانت أشبه ما تكون بالذبيحة المعلقة التي يتم اقتطاع أجزاء كبيرة منها على الدوام، حتى ما عاد منها شيء، ورغم إدراكها لتلك الحقيقة، لكنها لم تستطع أن تقوم بأي فعل لإنقاذ نفسها إلا متأخرًا جدًا.
كل واحدة منا تعرف أي امرأة هي، وسواء كنتِ كحال الصديقة الكريستينا أو الصديقة الذبيحة، فعليكِ أن تُوقفي ذلك فورًا. تَوقفي عن خسارة أجزائك، توقفي لأنكِ لا تستحقين ذلك، لا تخدعي نفسك وتُلبسي الخسارة ثوب التضحية، أو أي ثوبٍ آخر يسمح لكِ بتقبل خسارة أي جزءٍ منكِ، لأن الوقت سيمر وستجدين أنك قد قدمتِ نفسكِ قربانًا لللا شيء.
قفي أمام المرآة، تأملي نفسك قليلاً، ثم أخبريني ماذا ترين، إن كنتِ ترين إنسانة، فاعلمي أن لكِ كيانًا، وأمامك حياة ينبغي أن تحافظي على نفسكِ لأجلهما. أما إن كنت ترين قطعة قماش فلا بأس، اخسري جزءًا هنا، وجزءًا هناك، حتى تناسبي الطرف الآخر في العلاقة، أي علاقة كانت.
لكِ كيانك الخاص، فلا تقبلي بأقل من ذلك. ليس عليكِ أن توافقي توقعات أحدهم على الدوام، ليس عليكِ أن تكوني كما يريدون. لكِ حياتك واختياراتك، فلا ترمي بهم وراءكِ لأن ذلك يسعد ويريح البعض. ماذا عن سعادتكِ أنتِ؟! صدقيني لن تكوني سعيدة مطلقًا وأنتِ ترين تبدل شخصيتكِ شيئًا فشيئًا، لن تكوني مرتاحة مطلقًا مع شخصك الجديد الذي صنعته أيديهم ولا تجدين فيه ما يشبهكِ.
الحب، الخوف من الوحدة، الفرصة الأخيرة، البدايات الرائعة، سيتغيرون يومًا ما، والكثير من المبررات هي ما تجعلنا نستمر في علاقاتٍ بائسة تجعلنا نتآكل شيئًا فشيئًا. ليس جديدًا أن أقول إنها مبررات واهية، فكل واحدةٍ منا تعرف هذا، مع ذلك تصر على الاستمرار في درب الخسارة، لأنه ينقصها الإيمان بالنفس.
عليكِ أن تكوني مؤمنة بأنكِ إنسانة كاملة متكاملة وليست قطعة قماش ينبغي أن يتم قصقصتكِ لتناسبي أحدهم، مؤمنة بأنكِ تستحقين أن يتم قبولك كما أنتِ، لا أن يعاد تشكيلك من جديد، مؤمنة بأنكِ لا تستحقين الخسارة، فلا تقبلي بأقل مما تستحقين.
في النهاية.. أعتقد أن عليّ أن أخبركِ أن “بورك” ترك “كريستينا” لأنه أدرك أن المرأة التي أحبها هي “كريستينا” التي صنعها بيديه، بينما “كريستينا” الحقيقة مختلفة تمامًا عن ما صنع. وحال صديقتيّ لم يختلف أيضًا عنها للأسف، فقد فقدت كل واحدةٍ منهما نفسها بطريقةٍ مختلفة لتناسب الطرف الآخر، مع ذلك رحل الآخر، وتركهما تجاهدان لاستعادة نفسيهما مرة أخرى.
الحياة مليئة بالاختيارات، وكل اختيار يحتمل نسبة من الصواب والخطأ، المكسب والخسارة، الفرح والندم. فقط اختيار واحد هو الصواب دائمًا وأبدًا، هو المكسب، وهو الذي لا ندم بعده، إنه اختيار النفس. اختاري نفسك كاملةً، ولا تخسري شيئًا منها، فكلُ شيءٍ ما عداها زائل، ووحدها النفس باقية لكِ للأبد.