كل ما يجب أن تعرفه عن الاكتئاب

1126

يعتبر مرض الاكتئاب بأنواعه المختلفة الأكثر انتشارًا وكما يقال عنه مرض العصر، فدائمًا ما تدور الأسئلة حوله وحول أسبابه وكيفية التعامل معه. كما نجد كثيرًا من المعلومات المغلوطة عنه وعن مريض الاكتئاب، وأحيانًا نجد من يوجِّه الاتهام للمرضى بأنهم مسؤولون عما يدفعهم له هذا الاضطراب السرطاني. وألقبه بالسرطاني لأنه يتوغل في حياة الفرد بطريقة عشوائية ومرهقة، ومع مرور الوقت يكون هو محور حياته، بل إنه يرى العالم بعين المرض.

 

ولكي نوضح طبيعة ذلك الاضطراب بشكل مبسط، سنحاول عرضه من داخل العيادات النفسية ومراكز الاستشارات، ومن ممارستي العملية مع المرضى.

 

ولنبدأ بالأسباب التي تزيد احتمالية الإصابة:

– الخبرات المبكرة في الطفولة داخل الأسرة، فمن الممكن أن يكون أحد أفراد الأسرة ذا تاريخ مع مرض الاكتئاب، وبالتالي ينتقل للطفل إما بشكل وراثي جيني وإما من خلال المشاهدة، وأيضًا طريقة التربية نفسها لها دور كبير، كالحرمان العاطفي وعدم التشجيع والإعجاب، والتعرض للإساءات اللفظية مثل الوصم بالفشل وعدم القدرة، كما أن إهمال الطفل وعدم إعطائه المساحة الكافية للتعبير عن مشاعره الحقيقية له دور كبير في رسوخ مشاعر سلبية لدى الطفل تجاه نفسه.

 

– كذلك طرق التفكير الخاطئة التي يقوم بها مريض الاكتئاب بشكل غير واعٍ تساعد في تأكيد معتقدات راسخة لديه عن نفسه وعن العالم، مثل ما يسمى بـ”الانتقاء السلبي”، وهو نوع من أخطاء التفكير التي يركز فيها المريض على السلبيات دون النظر لأي جانب إيجابي، وبذلك يؤكد عقائد الفشل وعدم القدرة لديه.

 

– كما يحدث أن يربط المريض بين قبوله لنفسه وقبول الآخرين له بمدى كفاءته، فتكون لديه جملة مكونة من شقين: “أنا غير مقبول.. إلا إذا كنت هكذا أو قمت بعمل ما”، مما يؤدى في الغالب لتأكيد شعوره بالعجز والفشل.

 

كما يرتكز هذا المرض على قاعدتين هامتين جدًا في تشخيصه:

– فنجد أن المريض يرى صورته عن ذاته بشكل مشوه للغاية، فهو يجد نفسه شخصًا فاشلاً، ولا يشعر بأنه محبوب أو مرغوب، ويشعر بأنه ليس له قدر كبير من الأهمية لدى الآخرين، كما أنه لا يرى في نفسه أو في العالم المحيط له أي أمل للأفضل.

 

– والنقطة الثانية لها الدور الأهم في التشخيص، فهو يفتقد القدرة على الاستمتاع بأي شيء، بل يشعر بالعجز الدائم والفشل وعدم الكفاءة.

 

وأعراض مرض الاكتئاب كثيرة جدًا ونستعرض بعضها:

– أفكار سلبية عن الذات.

– أفكار سلبية عن الآخرين.

– مشكلات في الوزن والشهية.

– مشكلات في النوم.

– أوجاع جسمية.

– شعور بالهمدان والتعب.

– ضعف في الرغبة الجنسية.

– أما العرَضَان الأهم والأوضح هما عدم القدرة على الاستمتاع والمزاج المتعكر.

 

ولكن هذا لا يعني أن مع ظهور بعض هذه الأعراض يكون لدينا مريض اكتئاب، فيجب أن تمر فترة لا تقل عن ستة أشهر كي يتم التشخيص بشكل دقيق، وغير ذلك تكون مجرد حالات مزاجية يمكن التعامل معها بتعلم بعض المهارات الحياتية.

 

ورغم أن أنواع الاكتئاب تشترك في معظم الأعراض، ولكن لكل نوع شكل يظهر على المريض، وهي أربعة أنواع:

– الاكتئاب الأساسي      Major Depression

– الاكتئاب المزمن Chronic Depression

– الاكتئاب الموسمي        Seasonal Depression

– اكتئاب ثنائي القطب Bipolar Depression

وبعد أن تحدثنا عن الأسباب والأعراض يتبقى لنا عرض لأشهر طرق العلاج الموجودة والتي حققت نسب نجاح مع كثير من المرضى، وتجتمع طرق العلاج في هدفين رئيسيين وهما:

 

– تنمية المهارات الاجتماعية والحياتية للمريض، وذلك لمحاولة تغيير العقيدة الراسخة لديه بخصوص انعدام القدرة، وغياب الكفاءة، وشعوره بأنه لا يستحق الحب والاهتمام من الآخرين.

– وأيضًا تحسين صورة الفرد عن نفسه، ومساعدته في اكتشاف كيف تكونت هذه الصورة، وتمكينه من تغييرها.

 

أما بخصوص أنواع العلاج:

– نجد أن العلاج المعرفي السلوكي CBT من أكثر العلاجات التي يستخدمها معظم المتخصصين، وخصوصًا مع الاكتئاب الأساسي والموسمي، وأحيانًا ثنائي القطب، فهو علاج يعتمد على تغيير طرق التفكير وتعليم الفرد كيفية الكشف عن الأفكار الخاطئة وتغييرها، وجعل تفكيره بشكل واعٍ قادرًا على استيعاب الاحتمالات، وأيضًا الفصل بين الفكرة وتنفيذها، كما يساعده على فهم مشاعره وكيفية إدارتها والتعبير عنها بشكل صحي، أما بخصوص السلوك فهو علاج يعلم المريض سلوكيات جديدة أو بديلة عن السلوكيات المضرة له أو السلبية والانسحابية.

 

– أما عن العلاجات الجديدة فهناك العلاج التخطيطي Schema Therapy، وهو علاج يصلح للاكتئاب المزمن نظرًا لأنه يعمل على تغيير المخططات المعرفية لدى الفرد بشكل كامل.

 

– وهناك أيضًا العلاج الديناميكي، وهو علاج يركز على دراسة العوامل النفسية التي تكمن وراء تصرفات البشر، وأحاسيسهم وعواطفهم ومدى علاقتها بالتجارب التي مروا بها بالسابق.

 

كان هذا عرضًا مبسطًا لمرض العصر، ولكن كي نكون أقرب إلى الواقع، لا يتوجه كل المرضى للعلاج، فلم يتنشر بعد الوعي الكامل بخطورة هذا المرض، رغم زيادة أعداد المرضى وظهور حالات انتحار نتيجة لعدم استيعاب حقيقة المرض وغياب التعامل مع المرضى بشكل صحيح، وأيضًا وصمة العار التي يعاني منها البعض عند اللجوء إلى المختصين، ويزداد الأمر سوءًا مع الإشاعات التي تثار حول أدوية الاكتئاب ومدى خطورتها واحتمالية إدمانها، رغم أن هناك حالات لن تتحسن إلا بالأدوية، ولكن لا بد من إشراف طبي على الفترة وعلى الجرعات.

 

أخيرًا يجب أن نشير إلى أن زيادة المتخصصين والأطباء النفسيين والإقبال على المعرفة في مجال علم نفس هو إشاره جيدة، تعني أن كل من يعاني سوف يجد -في مكان ما- شخصًا يتفهم ويمد له يد المساعدة الحقيقية.

المقالة السابقةعلمتني الغربة
المقالة القادمةمحاولة للسير على حبل في الهواء
ريم سعيد
استشاري صحة نفسية. كاتبة في مجال الصحة النفسية والمجال الاجتماعي.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا