محاولة للسير على حبل في الهواء

1543

 

بقلم/ نادين عبد الحميد

 

تُرى.. هل نستطيع أن نسير بانتظام وخفة على حبل رفيع معلق في الهواء؟ هل إذا استخدمنا حوار الذات لزيادة ثقتنا في أنفسنا سنجد في النهاية أننا نتقن الحفاظ على التوازن والثبات فوق هذا الحبل؟ لا أعرف حقيقةً ما سيحدث، لأنني لم أقم بهذه التجربة من قبل، ولكن اعتدت على فعل ما يشبه ذلك.

 

ظننت لفترة طويلة أنه يمكنني إخضاع ظروف حياتي كاملة لخطة محددة أضعها، فيكون لكل يوم خطة زمنية أعيش وفقًا لها، وذلك لاقتناعي أن كل ما يحدث في حياتي من مشكلات يمكن أن ينتهي إذا كانت حياتي منظمة إلى هذا الحد، وهذا يشبه كثيرًا أن أسير فوق حبل، فلا أحد يساعدني أو يتدخل في أموري، ولا أنا أرى أحدًا، لأنني سأصب كامل تركيزي على مهمة ألا أسقط من فوق ذاك الحبل، دون الالتفات لأي شيء آخر يحدث بالقرب.

 

فربما لن أتمتع بمراقبة الطيور التي تطير بالقرب مني أو حتى تأمل السحب، وهذا ما يثبت أن بعض التجارب قد تكون مثالية جدًا إذا ما تم تقييمها بشكل نظري، ولكنها سرعان ما تثبت فشلها في حالة التطبيق العملي. إحدى هذه التجارب هو اقتناعي أنه يمكننا أن نعيش وفقًا لخريطة لا نخرج عنها ولا نكسر قيودها، كأن تحدد هدفًا لتقوم بتحقيقه في وقت محدد، وهدفًا يتلو الآخر نحو سلسلة لا نهائية من الأهداف.

 

ولكن في الواقع الحياة لا تسير على هذا النحو، لأن ما نتوقعه ونخطط له دائمًا لا يسير تمامًا كما تخيلناه؛ للقدر حسابات أخرى، فقد تمشي في طريق نحو أقرب مصرف وتضع وقتًا زمنيًا مدته خمسة عشر دقيقة لتصل إليه، فتحدث صدفة خارجة عن إرادتك وتقابل صديقًا لك لم تلتقِ به منذ أيام الدراسة، فتتحدثا معًا ما لا يقل عن عشر دقائق، فتتأخر عن الوقت المحدد لوصولك إلى المصرف، هذا يعتبر مثالاً بسيطًا لفكرة أن الحياة لا تسير وفق شيء محدد، وأننا لا نستطيع توقع كل الأشياء أو الانعزال عن العالم في بقعة صغيرة، لأن بعض الصدف والعقبات ستخترق طريقنا رغمًا عنا، وليست كل الصدف محببة إلينا ومُرحب بها.

 

خرجت من الاعتقاد الأول أنه ليس بالضرورة أن يحدث كل ما نحلم به في الوقت الذي نريده، يكفينا أن نضع أهدافًا لحياتنا بأكملها، كأن تتسلق قمة جبل إفرست قبل أن تموت دون تحديد وقت محدد، ولكن مع وضع عدة أهداف صغيرة للوصول إلى الهدف الكبير، لن يكون الأمر ممتعًا إذا تعاملنا مع أنفسنا كآلات لا تكل ولا تمل، متغاضين عن مشاعرنا الداخلية ورغباتنا المتأرجحة.

 

لن نحيا حياة سعيدة إذا كان محور اهتمامنا فقط هو الوصول إلى الأشياء المادية والنجاح في تحقيقها، من المهم جدًا أن نضع اعتبارًا لكل ما نشعر به، فهو إنذار ترسله إلينا أجسادنا لتخبرنا أن الأمر بالداخل لا يسير على ما يرام، سيكون جيدًا أن نشعر في نهاية الطريق أننا حصلنا على حياة سعيدة، وأننا عشنا أيامًا جميلة، سواء وصلنا إلى كل الأهداف أو البعض منها، فلسنا أناسًا خارقين أو لدينا أجنحة لنطير بها، ولكننا بشر بحاجة إلى الكثير من الرعاية لنحيا بسلام ولنحقق في حياتنا ما يعينا على الرضا عن أنفسنا إذا ما وصلنا إلى نهاية لا ريب فيها.

لم أقم بهذه التجربة من قبل

 

المقالة السابقةكل ما يجب أن تعرفه عن الاكتئاب
المقالة القادمةسيدة البطاطا انتحرت
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا