فتيات وسيدات، لا يختلف مظهرهن الخارجي عن أي أنثى أخرى، تحمل كل واحدة منهن جرحًا ماديًا لا يُرى من الخارج، وجرحًا آخر معنويًا ولكنه أكثر عمقًا. نجحت بعض اللاتي تعرضن لعملية الختان في أن يجعلنه يندمل ويتحول لمجرد ندبة صغيرة، وأخريات لم يلتئم جرحهن بعد ولا يزال ينزف، ويكوّن معه بعض المشاعر القوية، مثل الغضب ولوم الآخرين والكراهية المستمرة. كانت تجربة الختان والمشاعر التي تلتها وتأثيرها على من مررن بها موضوعًا لاستبيان أجريته مع مجموعة ممن تعرّضن لهذه التجربة للتعرف على مشاعرهن، والتوصل إلى الطريقة الأفضل للتعامل معها.
“كنت أبلغ من العمر 11 عامًا عندما تعرضت للختان، تغيرت كثيرًا بعد العملية رغم أنني لم أفهم وقتها ما حدث حقًا، أصبحت صامتة وكاتمة لمشاعري بعد أن كنت متحدثة جيدة. عدم إدراكي الكامل لما يحدث لم يمنعني من الشعور بمجموعة من المشاعر السلبية، خليط من الخوف والحزن والصدمة والقهر.. والخذلان” أمنية إبراهيم – ناجية من الختان.
تحكي “م.ع.ح” تجربتها عن الختان، فرغم أنها تعرضت له وهي في عمر 5 سنوات، ومرور ما يزيد عن 30 عامًا على هذا الأمر، إلا أنها تتذكر الأمر بتفاصيله الصغيرة: “أحسست بالقهر والدونية، فقد سحبتني أمي لمكان قذر مليء بفضلات الدجاج، حيث كانت بانتظاري القابلة الشرسة التي قطعت لي جزءًا من جسدي، وأحسست بعدها بكراهية شديدة لعائلتي وللصعيد (جنوب مصر) بأسره”.
“خزي، قهر، خيانة، خجل، ألم، خوف، انعدام ثقة، قلة حيلة، انعدام الأمان، إهانة” هذه هي الكلمات التي ترددت على لسان المشاركات في الاستبيان لوصف مشاعرهن بعد التعرض لتجربة الختان.
تعرفي على: زوجتي مختونه ماذا أفعل! علاقة الختان والبرود الجنسي
تعلق عليها د. رنا أشرف أخصائية الطب النفسي، أن الإحساس بهذه المشاعر أمر غير مفاجئ بعد التعرض لهذه التجربة، ومن الممكن أن تكون هي المشاعر المسيطرة في هذا العمر الصغير ويصاحبها الغضب الذي قد تشعر به الناجية مستقبلاً أو بشكل متأخر، خصوصًا أن الطفلة في هذه الحالة تصاب بالحيرة، لأن المعتدين عليها كانوا أهلها الذي من المفترض بهم أن يمدوها بالأمان والحماية.
يؤكد هذا الأمر إجابات المشاركات في الاستبيان، فـ50% منهن لم يشعرن بالغضب عند تعرضهن لهذه الجريمة، لتنخفض النسبة إلى 10% فقط لا زلن لا يشعرن بالغضب بعد نضجهن.
تقول د. رنا: “الإحساس بالغضب ليس شعورًا سيئًا كما يعتقد الكثيرون، فأحيانًا يكون هو السبب وراء تصرفات قوية ومسؤولة، مثل التحكم في الحياة الشخصية للنفس، وحتى المساعدة في توعية الآخرين بمخاطر الختان. ولكنه أيضًا من الممكن أن يكون غضبًا مُدمِّرًا وطاقة عدوانية موجّهة إما للداخل (للنفس) وإما للخارج (الآخرين)”.
“أشعر أنني غير طبيعية وليس لي ميول للعلاقات الجنسية، فالأمر يثير ذعري واشمئزازي، وأجرؤ على القول إنني أعاني من البرود الجنسي”، هكذا صرّحت “دينا” (ناجية من الختان) بما تشعر به تجاه الأمور الجنسية، ولم يختلف الأمر كثيرًا عند “وسام” (ناجية من الختان) التي قالت: “أصبحت أشعر بالخجل من جسمي ولا أستطيع الاستمتاع في علاقتي الجنسية مع زوجي”، وهو يتشابه مع ما قالته “نونا” (ناجية من الختان)، فهي رغم أنها لم تشعر بالغضب ولم تواجه مشكلة مع الختان قبل الزواج، فإنها منذ زواجها قبل 8 سنوات لم تشعر أبدًا بالرغبة في الممارسة الزوجية ولا تشعر بالسعادة خلالها.
تضيف د. رنا أن المشاعر القوية كالغضب ليست هي النتيجة الوحيدة للختان، فهناك العديد من الأمراض النفسية التي قد تصيب الناجيات من الختان، مثل اضطرابات القلق والاكتئاب واضطراب كرب ما بعد الصدمة، هنا لا يمكن للناجية أن تتخلص من مشاعرها ولكنها تستطيع تحويلها إلى شكل آخر من المشاعر أقل وطأة، لتوازِن حالتها النفسية، ولتكون الخطوة الضرورية الأولى في رحلة التجاوز والعلاج هي تقبل هذه المشاعر والاعتراف بها، ومعرفة أحقية الناجيات في الإحساس بهذه المشاعر.
“مفيش فايدة، قرفانة، الكلام معاهم مش مفيد”، كانت هذه هي ردود الـ75% من المشاركات لعدم مواجهتهن لأهلهن، وعلى الرغم من نبرة الإحباط في هذه الأسباب، إلا أن د. رنا تؤكد أن المواجهة ليست هي المرادف الوحيد للشجاعة، كما أن عدم المواجهة لا تعني الجبن، إن كانت الضحية تريد مواجهة أهلها فعليها أولاً أن تعلم ما الذي ستقدمه لها هذه المواجهة وما الذي تنتظره منها، وهل ستستطيع أن تتحمل عواقب هذه المواجهة والتي قد تتحول هي الأخرى إلى صدمة أخرى إن أقدم الأهل على رد فعل مؤذٍ.
“كانت مواجهة بلا داعٍ ومحبِطة للغاية، ولكني كنت مصابة بإحباط كبير بعد عودتي من عند طبيبة النساء لمعرفة نوع الختان، فأهانتي وسبّتني واعتدت عليَّ حتى أُصبت بنزيف، وبعد العلاج لم أستطع الصمود أكثر من ذلك وانفرجت غاضبة في أهلي، ولكن بالرغم من إعلاني في وجههم أنني لن أسامحهم أبدًا وسأختصمهم أمام الله، لم أستطع منع نفسي من الشعور بالإحباط عندما لم ألمح على وجوههم أي بادرة للاعتذار أو الأسف أو الندم”. أمنية إبراهيم.
تؤكد د. رنا أن مسامحة المتسببين في الختان هي جزء من رحلة علاج طويلة، ولكنها غير ضرورية للتجاوز عن المشاعر المؤذية الناتجة عن هذه الجريمة، فالتجاوز لا يستوجب مسامحة ولا مواجهة، ويمكن التجاوز عن ذكريات هذا الحادث حتى وإن كان الأشخاص المتسببين فيه قد فارقوا الحياة، وإن لم تستطع الضحية تجاوز الحادث بمفردها ووجدت أن ذكرياته ومشاعره تجاهه تؤثر سلبًا على حياتها، فعليها اللجوء لطبيب متخصص، خصوصًا إن أحست أن مشاعرها قد تتحول إلى أفعال مؤذية، مثل إلحاق الأذى بالنفس أو الدخول في علاقات جنسية كثيرة بغرض الانتقام. أو العكس تمامًا، الإحساس بالاشمئزاز الشديد من الجسد والعملية الجنسية، وصولاً إلى كراهية جميع الرجال، لأنهم السبب غير المباشر فيما تعرضت له.
تصنيف الختان وآثاره بالصدمة لا ينفي استطاعة بعض الضحايا التعايش معه بطريقة سلمية دون مشكلات نفسية كبيرة، وتجاوزهن لهذا الحادث سريعًا، فكل فتاة لها شخصيتها وطريقتها في تقبّل الحوادث والصدمات والتعامل معها، كما وضّحت بعض المشاركات في الاستبيان أن الأمر لم يؤثر على حياتهن بشكل كبير، واستطعن سريعًا تجاوز آثاره، وهذا بالتأكيد لا يبرر الختان، ولكنه أشبه بتجاوز صدمة وفاة شخص عزيز أو الإصابة في حادث كبير، فالتعافي السريع لا يجعل عملية الختان طبيعية، وعدم القدرة على التجاوز لا تعني ضعفًا في الشخصية، هو فقط يحتاج إلى المزيد من الجهد والصبر واللجوء لمتخصصين عند الحاجة.