بقلم/ خالد بسمة
في بداية رسالتي عاوزة أشكركم على جهودكم العظيمة في التوعية حول الختان وأضراره، وحابة أشارككم تجربتي الشخصية.
عندما كنت في الصف الخامس الابتدائي في فترة اختبارات آخر العام، أتتني الدورة الشهرية، ولم تكن أمي قد شرحت أو تحدثت في الموضوع معي من قبل، إلا عندما فوجئت ببنطالي ملطخ بالدم، فطلبت مني تغييره وأخبرتني بأنه “حاجة بتحصل لكل البنات في عمر معين”، وبيصاحبها ظهور شعر في أماكن معينة وتغيرات في جسمي، ومعناها إني خلاص كبرت، ولازم آخد بالي من نفسي.
من بعدها لم نتحدث في الموضوع، وبعدها بعام عند ولادتها لأختي الصغيرة، كان عمري ١٢ سنة. سألتني “مش نفسك آلام الدورة تروح؟ إيه رأيك تروحي لدكتورة تديكي حقنة وتخلي الدورة تجيلك يوم واحد بس؟”، كان ذلك العرض لقطة، ونظرًا لسذاجتي وصِغر سني رحَّبت بالموضوع، وذهبت معها بكل ثقة وفرح، ولم أكن أعرف أبعاد الموضوع، ولا حتى مكان الحقنة.
بداية دخولي لعيادة الدكتور أخبرتها أمي بالعرض الذي قدمته لي، فإذا بها ترسل لأمي غمزة وابتسامة وتجعلني أجلس على سرير رافعة قدمي لأعلى، وإذا بأمي تكتفني هي وخالتي.. أدركت وقتها أن هناك خطرًا على وشك الوقوع. حاولت المقاومة والتمرد على قيودهما وإذا بي أسمع الطبيبة تقول “إيه القرف ده بنتك مش نضيفة من تحت كده ليه؟!”، وتابعت بعد أن تركتني “مش هشتغل في القرف ده”، حمدت الله وأخذت بالبكاء الطويل وسط سخط من أمي وخالتي على ما قالته الطبيبة الجزارة المتوحشة سليطة اللسان.
لم تعلمني أمي شيئًا لأفعله مع تطورات جسمي بعد البلوغ، فلم تعلمني شيئًا عن الشعر الذي يجب عليَّ نتفه للاهتمام بنظافتي الشخصية، وأذكر أنني عندما كنت أود إزالته كانت تتبعني بعبارات الترهيب “عيب يا بت!”، وخلافه، ولم أفهم ما العيب في ذلك؟!
شرعت بالبكاء يومها حين خروجنا وحتى عودتي مع أمي وخالتي إلى منزل جدتي، والتي سخطت هي الأخرى على قرار الطبيبة، وأخذت تعاقب أمي وخالتي لأنهما لم يجبراها بالقوة، وقالت لي “أبوكي هيزعق عشان الموضوع ده، عشان كان عامل حسابه على النهارده”.
لم أكن أعرف تفاصيل تلك العملية ولا حتى ما هي أعضائي التناسلية، ولا حتى جسدي العادي، لم أشاهده من قبل ولم أحبه قط حتى اليوم.
مع عودتنا للبيت وانتهاء فترة راحة أمي من ولادة أختي الصغيرة، رجعنا إلى البيت وسط تساؤلات من الأعمام والعمات وبعض معارف أمي “معملتوش المراد ليه؟”، وسمحت إحدى معارف أمي لنفسها بالتطفل على حياتي والبدء في دس سمها في أذني لإقناعي بعمل تلك العملية المسماة “طهارة”، ولكني وقتها كنت بدأت أشاهد حملات التوعية ضد الختان في التلفاز، وبدأت في سؤال أمي ما هي؟ قالت لي “المجتمع الأوربي يريد بث عاداته الدنيئة في مجتمعنا لجعل البنات منحلات أخلاقيًا”! وكانت صديقة والدتي بدورها هي الأخرى قد اصطحبتني معها إلى محفظة قرآن، وبعد عدة حصص بدأت الحديث عن ضرورة الختان.
وخضوعًا لرغبات الجميع، لم يكن لديَّ حق الرفض، فوافقت حتى أقنع نفسي أني لست مرغمة على شيء، وأيضًا تصديقًا مني ورغبة في الوعد القديم من أمي بأنها ستخفف آلام الدورة الشهرية وستجعلها يومًا واحدًا. وذهبت لأحد أصدقاء عمي لإجراء العملية بعد أن قمت بعمل تحليل للدم.
في غرفة خاصة جدًا داخل عيادة الطبيب، والتي يبدو أنها كانت للعمليات السرية، كالختان وغيرها، جلست على سرير مشابة للسابق، فتحت قدمَي، وكانت أمي أحضرت لي مزيلاً للشعر الزائد، لأتخلص منه في منطقة العانة، لتحسين الشكل كما قالت الدكتورة، ونبهت عليَّ أمي بعدم طلب ذلك مرة أخرى، “عشان هيكون له أثر مش كويس”. كتفوني، والتظاهر بالثبات لم يدم طويلاً، شرعت بالبكاء والأم رغبة مني في أن تشفق والدتي على حالي، ولكن لم أسمع إلا صوت الطبيب يقول “سبيني أشوف يمكن تكوني مش محتاجة حاجة”، وإذا بحقنة تدخل في أحد أعضاء جهازي التناسلي، وشعرت معها بآلام مريرة وصعبة.
لقد صرخ جسدي وقتها صرخة وجع، إلى اليوم أتذكرها عند مشاهدة الإبر، وعند دخول عيادة أي طبيب، حتى وأنا أكتب إليكم هذه الرسالة ودموعي على هاتفي وجسدي ينتفض آلامًا، ويصرخ من شدة الخزي والوجع، بالرغم من مرور أكثر من عشر سنوات على تلك الواقعة. ولكن إرادة الله شاءت بأن تكون آخر ما أذكر، فالطبيب أعطاني مخدرًا، وبعدها دخلت في نوم عميق لم أشعر بعده بأي شيء.
إلا عند إفاقتي من البنج على وجه أمي، سعيدًا ومشرقًا، وأخبرتني بابتسامة نصر “أخيرًا فوقتي!”، لم أدرك وقتها ما حدث حقًا، ولا ماذا تغير في جسدي، لم أجد إلا شاشًا أبيض يغطي منطقة الحوض، وبعدها نزعته والدتي ووصتني أن أمكث في الفراش لحين يلتئم جرحي، وأوصت بعض الحذر والخوف أثناء دخولي دورة الماء.
لم أفهم يومها ما حدث ولم أسأل أمي، فهي كانت مشغولة بتلقي المباركات والتهاني، وأيضًا بدأت تغذيني بالطعام والشراب، ليلتئم الجرح. ولكن كأن من الواضح لي أن الجميع كان يعرف جيدًا ما حدث بالتفصيل.
مرت السنوات، وعند اكتمال عقلي شرعت بالبحث عن الختان والقراءة عنه، وفهمت، الحقيقة لم أعرف ما حجم الجزء الذي اغتصب الجميع حق نزعه مني، ولم أسأل لأني كنت أحاول أن ألملم جروحي وأغلق أي أبواب قد تفتح لتسبب صدامات مع والدَي، حيث أن علاقتنا كان فيها أوقات كثيرة ضرب وإهانة بين بعضنا وأمام الناس.
***
طوال حياتي لم أشعر بمشاعر إعجاب أو حب ناحية أحد، لم يأتِ أحد لإخباري بإعجابه، وكذلك لم يكن لديَّ مشاعر إعجاب ناحية أحد إطلاقًا، وأخذت عهدًا على نفسي ألا أتزوج أبدًا لهذا السبب، غير أن مَن سوف يقبل بزوجة مختونة ستكون أفكاره لا تختلف عن تلك الفكرة، وسأدخل في العديد من الصدامات، ومن يرفض الختان لن يقبل الزواج بمختونة، فإذا أردته أنا لن يريدني هو، وإضافة لتلك الأسباب جميع تجارب الزواج أمامي ليست مشجعة إطلاقًا على الزواج. وآخر الأمر أن الرجل بالنسبة لي أمان ماد.. هذه هي علاقتي بأبي أصلاً، وهو سيظل متوفرًا وبالتالي فليس لي رغبة في دخول رجال حياتي.
لم أفصح لأحد عن رغبتي أو رأيي في الزواج عمومًا إلى الآن، وبالإضافة إلى ذلك ليس لدي عواطف ناحية الأطفال، فعندما يزف إليَّ خبر ولادة أحدهم أتذكر حادثة الختان، فأشمئز من الأطفال. ولم أنبهر بأي عروس أحضر زفافها، ولم أرغب يومًا أن أكون مكانها، بالرغم من الثناء الذي تأخذه من أجل عرسها الملكي وغيره.
أكثر ما يسيطر على تفكيري حاليًا أختي الصغيرة، أخاف عليها أن يحصل معها ما حصل معي، أخاف أن تفتح وحش الانتقام أو العقوق الذي أحاول ترويضه منذ سنين، وكذلك أخاف على أختي أن تلقى معاناتي التي لم أعرف ولم يُسمَح لي أن أعرف أي شيء عنها. أخاف عليها أن تلقى أحد أنواع الختان التي لم أعرف ما هو نوع التي حدث معي. قد تكون معاناتي ليست صعبة مثل باقي القصص، ولكنها قتلت أشياء جميلة كثيرة معي.
أتمنى أن تعذروني على أسلوبي الركيك في الكتابة، ولكن وددت شكركم على كل جهودكم في نشر الوعي ضد الختان.
أخاف على أختي الصغيرة أن يحصل معها ما حصل معي