شطيرة أحزاني

662

الواحدة والنصف صباحا، أنهيت عملي الطويل، ويومي الأطول، كان من المفترض أن ابدأ الوقت الخاص بي، اقرأ قليلا، أشاهد فيلم ما، أو فقط أجلس وأحدق في الفراغ حتى يغلبني النوم، لأذهب في غيبوبة مضطربة أفكر خلالها بكل مسئولياتي وأستيقظ لابدأ يوم مرهق آخر.

ولكني بدلاً من توجهي لغرفة النوم غيرت مساري للمطبخ، حضرت شطيرة جبن سائح وضعت الخبز في الفرن، وانتظرت الجبن ليسيح أفكر، لم أكن جائعة في الحقيقة، وبالطبع ليس هذا الوقت المناسب لتناول وجبة مسائية دسمة ذات سعرات حرارية عالية (قطعة الجبن الشيدر بها نحو 450 سعرا حراريا)، جملة صديقتي من يومين التي ما زالت ترن في رأسي، ولكني لم أبال بكل هذه الأفكار، كنت مستنزفة طوال النهار، وأريد مكافئة نفسي على إنجازي لكل هذه الأعمال والاستمتاع بشطيرتي أمام الفيلم.

الأمس كان صعبا، مسئوليات جديدة في العمل، واتهيأ للانتقال مرة أخرى، بالإضافة لواجباتي المنزلية المختلفة، الوقت الوحيد الذي جلست فيه ساكنة كان أثناء تناولي الإفطار في الصباح، وخلال وجبة الغداء، لذلك يصعب ألا أربط الطعام بلحظات الهدوء والمكافأة.

أغلب الوقت عندما أشعر بالإرهاق الشديد، أو الإحباط والاكتئاب لا أفكر سوى في الطعام، أريد شيئا ما يرفع من روحي المعنوية المتدنية، أتفهم شعور شخصية “مجدي” في فيلم “أكس لارج” عندما قال “الأكل هو الشيء الوحيد الذي أفعله بدون تعب”.

هل معنى ذلك أني مصابة بإحدى اضطرابات الطعام؟

لا أستطيع أن أجزم بذلك، ولا الإجابة بنعم أو لا قاطعة، ولكني على الأقل أنا اقتربت جدا منها بطريقة مثيرة للقلق.

الحقيقة الواقعية أن نسبة معقولة من البشر سواي يتعاملون مع الطعام كأسلوب للتفريغ النفسي، كما أفعل، بل هناك مفهوم شهير في الغرب هو “comfort food” أي الطعام الذي يتم تناوله للشعور بالراحة النفسية أو التخلص من الاكتئاب، وعلى رأسها الأيس كريم والحلويات، وهناك كثير من المقالات على الإنترنت عن وجبات مريحة نفسيا وشهية أيضا لكن صحية.

ولكن هناك حد فاصل بين الاكتئاب الذي يؤدي إلى الشره، أو وضع الطعام كوسيلة لإسعاد النفس، وبين عالم اضطرابات الطعام الواسع، والذي يبلغ عدد المصابين به حول العالم سبعمائة مليون إنسان، وللأسف نسبة النساء تزيد عن الرجال بمرتين ونصف، وهو يحتوي على الكثير من التصنيفات منها:

  • فقدان الشهية العصبي Anorexia nervosa:

في هذا النوع من الاضطراب يرى الشخص نفسه بدينا أيا كان وزنه، والذي يكون أقل من الطبيعي، ويقوم بعمل حميات قاسية، أو يرفض تناول الطعام أغلب الوقت ما يصل إلى تجويع النفس، مع هوس بموضوع التحكم بالوزن والأكل، وفي حالة تناول الطعام يقوم بعدها بحمية شديدة، أو تمارين قاسية، ولهذه المرض العديد من المضاعفات الصحية، حيث يؤدي إلى اضطراب الدورة الشهرية لدى النساء، وانخفاض ضغط الدم، وتعب مستمر وعقم، وتقصف الشعر والأظافر وغيرها.

  • الشره العصبي Bulimia nervosa:

في هذا الاضطراب يصاب الشخص بنوبات شره ليأكل كميات كبيرة من الطعام، ثم يحاول التخلص من هذه الطعام سواء بالتقيؤ أو بتناول مدرات البول أو الرياضة المفرطة التي قد تصل لحد إيذاء الجسم.

هناك اختلاف بين هذا الاضطراب والسابق، حيث في الشره المرضي يكون وزن الشخص طبيعي، ولكن في فقدان الشهية العصبي يكون الوزن أقل من النسب الطبيعية.

ويصاحب الشره العصبي إحساس بالذنب والعار من السلوك، ومن الأمراض المصاحبة لهذا الاضطراب عدم توازن مستويات الأملاح في الجسم الذي قد يؤدي إلى النوبات القلبية، وتأكل مينا الأسنان وتسوسها نتيجة أحماض المعدة، والإصابة بالجفاف الشديد.

  • الأكل الشره Binge eating:

هنا يحدث للشخص نوبات من الأكل الشره، ولكن لا يقوم بالتقيؤ أو ممارسة رياضة أو تجويع نفسه، ولذلك يؤدي إلى البدانة والسمنة، وما يصاحبها من أمراض مثل القلب وارتفاع ضغط الدم، بالإضافة بالطبع للشعور بالذنب الدائم والذي يؤدي إلى زيادة الشراهة، أي يدخل الشخص في دائرة مغلقة لا تنتهي.

في النهاية سواء اضطرابات الأكل المرضية، أو علاج الاكتئاب بالطعام، كلاهما شيء خاطئ أولهما بأضرار صحية ونفسية وعنيفة، والثاني بأضرار لكن أقل وطئة أو على الأقل من الممكن أن يقود لاضطراب حقيقي مع الوقت والإهمال.

 

مصادر:

http://www.nhs.uk/Conditions/Eating-disorders/Pages/Introduction.aspx

https://www.nimh.nih.gov/health/publications/eating-disorders-new-trifold/index.shtml

المقالة السابقةتهمة الاستمتاع
المقالة القادمةالنفسية والحمل

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا