تهمة الاستمتاع

1197

أتابع صفحة الأستاذة سحر النادي (مستشارة ومحاضرة وكاتبة في مهارات القيادة والتواصل الفعال بين الثقافات، كما تقدم ورشًا في رسم الماندلا)، وفي منشور لها كانت تحكي عن سيدة التقتها في إحدى ورش الرسم الخاصة بها، كانت السيدة غير راضية إطلاقًا عن إنتاجها رغم تشجيع الجميع لها، ولكن كانت المشكلة الحقيقية أنها تشعر بالذنب لأنها تقوم بشيء لمتعتها الشخصية، ومن التعليقات اكتشفت أنها مشكلة منتشرة جدًا خاصة بين النساء.

وتأخذ هذه المشكلة أشكالًا عديدة، مثل:

  • رفض الذهاب إلى الطبيب عند الشعور بالتعب “شوية تعب وهيروحوا، هاخد الدوا ده وهبقى كويسة،… إلخ”.
  • الاستخسار في نفسك وحرمان نفسك من شراء شيء ترغبين فيه أو تحتاجين إليه، والإحساس بالذنب إن فعلتِ.
  • الإحساس بالذنب عند القيام بنشاط بعيد عن مسئوليات المنزل والعمل والأبناء كحضور ندوة أو دورة، أو تعلم شيء جديد، أو الخروج مع صديقاتك، أو أخذ قسط من الراحة والاسترخاء كتناول مشروب أو قراءة كتاب أو مشاهدة التلفاز أو لعب لعبة إلكترونية… إلخ.
  • التقصير في تناول الطعام، كتفويت بعض الوجبات، أو أكل البواقي، أو تناول الطعام باردًا، أو تناول أي طعام بغض النظر عن قيمته الغذائية من أجل استكمال المسئوليات التي لا تنتهي.
  • قد يصل الأمر إلى استخسار النوم في نفسك، وعدم أخذ كفايتك من الراحة والنوم. قالت إحدى الأمهات تعبيرًا عن كثرة الطلبات التي تُطلب منها إذا حدث ونامت وقتًا زائدًا، أو قل الوقت الطبيعي “وكأن النوم له ضريبة بتتدفع”!

لماذا نستخسر في أنفسنا الراحة والمتعة؟

  • الوراثة: ولا أقصد هنا الوراثة عن طريق الجينات، ولكن نقل طريقة تفكير ونمط حياة أمهاتنا، اللاتي يتحمل معظمهن مسئوليات تفوق طاقاتهن، ويشعرن بالراحة لذلك حيث ترضى ضمائرهن، وكأن لسان حالهن يقول: “لو مش مطحونين نبقى مقصرين”، وبعض هؤلاء الأمهات أدركن خطأهن في حق أنفسهن، وبعضهن يرين أن هذا هو الطبيعي، فينكرن على بناتهن أن يسلكن طريقًا مختلفًا ويثبطن من عزائمهن.
  • هناك أخطاء كثيرة في التربية تجعل الإنسان دائم الشعور بالذنب وغير راضٍ عن نفسه مهما فعل، مثل النقد المستمر، والتنافسية، وإشعار الطفل بالذنب لتحقيق مطالب والديه… إلخ.
  • زيادة المسئوليات والضغوط على المرأة المصرية، لصعوبة ظروف الحياة في مصر، أو لأن الزوج أيضًا مسحوق في عمله لتغطية الأعباء المادية لأسرته، أو بسبب طريقة التربية وموروثات المجتمع الذي يثقل كاهل المرأة بكل مسئوليات المنزل والأبناء، ويروج لفكرة أنها شمعة تحترق من أجل الآخرين، وتجعل الرجل يعتقد أن هذا واجبها وحدها، فيرفض مساعدتها، وينكر عليها فكرة أن تكون لها اهتمامات خاصة بها، فيتساءل مستنكرًا إن أرادت أن تقوم بشيء لمتعتها أو لمصلحتها الشخصية “وده هيعود على البيت والأولاد بإيه؟” وكأنها عندما تزوجت لم توقع على عقد زواج بل على شهادة وفاة لها كإنسان لتصبح فقط زوجة وأمًا فلا تدور إلا في فلك هذين الدورين!
  • تدليل الأبناء من الذكور، وتمييزهم على أخواتهم من البنات، بالإضافة إلى الموروثات الاجتماعية الظالمة والفهم الخاطئ للدين، بما يجعل الرجل يعتقد أن المرأة خُلِقت لخدمته، ويريد من زوجته بالدور الذي كانت تقوم به أمه وأخواته البنات في خدمته.
  • الاعتقاد بأن الاحتياج ضعف وأنانية، وأن الأخذ فقط هو المسموح به.

الكبت ضار جدًا بالصحة ويؤدي إلى…”

عزيزتي المرأة.. عليكِ ألا ترضي بالظلم، نعم هذا ظلم واقع عليكِ. عليكِ ألا “تسكتي وخلاص”، بل عليكِ أن تبحثي عن حل.

  • إن الدوران في ساقية المسئوليات فقط مؤذٍ جدًا لصحتك النفسية ولمن حولك أيضًا، لمن تضحين من أجلهم بنفسك. فمع الوقت لن يعود لديكِ طاقة لحبهم ورعايتهم وخدمتهم، وربما تتحول مشاعرك نحوهم إلى الكراهية لاعتقادك بأنهم السبب في تعاستك
  • إن كبت مشاعرك سيجعلك تشعرين أنكِ فاقدة للسيطرة على حياتك وتصرفاتك، سيجعل علاقاتك غير مستقرة، سيجعلك عصبية طوال الوقت، وربما يصل الأمر أيضًا إلى ظهور أعراض جسمانية كالقرحة والصداع المزمن والإجهاد المستمر… إلخ.
  • بالإضافة إلى ذلك، عندما يكبر أبناؤك وتصبح لهم حياتهم الخاصة، ستشعرين أنتِ بالفراغ الداخلي والوحدة، وأن حياتك لم يعد لها قيمة بعدهم.

والحل؟

  • لا بد أن يكون لكِ أحلامك وأهدافك الخاصة إلى جانب أهدافك لبيتك وأبنائك.

خصصي وقتًا لنفسك ولو كان قليلًا، سيري نحو أهدافك ولو بخطوات بطيئة في بعض الأحيان.

  • استبدلي معتقداتك المعيقة بمعتقدات جديدة إيجابية: لن تستطيعي أن تسعدي من حولك وتملأي حياتهم بالنور حتى تسعدي نفسكِ وتملأي حياتكِ أنتِ بالنور أولًا. الاحتياج أمر إنساني والناس لبعضيها… إلخ، حاربي معتقداتك القديمة، وافعلي عكس ما تمليه عليكِ، لا تستسلمي لمشاعر الذنب أو الخوف من أحكام الآخرين.
  • اطلبي المساعدة من زوجك، فالزواج مشاركة، تربية الأبناء ورعايتهم مسئولية مشتركة بينك وبين زوجك وليست دور الأم فقط كما هو شائع بيننا، وهذا ليس تخفيفًا للعبء عنكِ فحسب، بل هو في مصلحة الأبناء الذين يحتاجون أباهم كما يحتاجون أمهم، مسئوليات المنزل أيضًا مسئولية مشتركة، خاصة إن كنتِ امرأة عاملة.
  • لا تلعبي دور الضحية، لا تلعبي دور الشهيدة، اطلبي المساعدة، لا تنتظري حتى يقدمها لكِ الآخرون ثم تلوميهم عندما لا يقدمونها، اطلبي ما تريدين وما تحتاجين إليه من الشخص المناسب، واصنعي لنفسك شبكة دعم.

الاستمتاع حق وليس تهمة.

المقالة السابقةسرطان باللون الوردي
المقالة القادمةشطيرة أحزاني
إنجي إبراهيم
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا